دولي

المجهول عن اتفاقيات أوسلو

القلم الفلسطيني



مضت 22 سنة على الاتفاقيات البائسة والمشؤومة في أوسلو، وبالرغم من نضالات شعبنا على مدى قرن وتضحياته الهائلة، التي تعتبر من أكبر تضحيات الشعوب في العالم، وآخر التضحيات التي يقدمها شعبنا على طريق حريته: انتفاضته المجيدة الحالية الثالثة، والتي فاق عدد شهدائها 170، فإن شعبنا قال كلمته في استفتاءات أخيرة أجريت وبينت أن 68% يريد إلغاء الاتفاقيات المشؤومة مع الكيان، وأن 70.5% يريد وقف التنسيق الأمني للسلطة مع الكيان، وأن 72.3% يرون أهمية إعادة الاعتبار للكفاح المسلح كطريق أساسي لانتزاع الحقوق الفلسطينية. رغم كل ذلك، ما زالت السلطة الفلسطينية متمسكة بالاتفاقيات الملعونة، بالرغم من أنها أسوأ من «وعد بلفور»، و«صك الانتداب»، و«قرار التقسيم للجمعية العامة عام 1947»، فالوعد المشؤوم نص على «من أجل تحقيق هذه الغاية إقامة مقام قومي للشعب اليهودي في فلسطين يتوجب الفهم جلياً أن ذلك لن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية، التي يتمتع بها الشعب الفلسطيني المقيم في فلسطين». هنا نود سؤال الوفد الفلسطيني المفاوض في كل من المفاوضات السرية أو العلنية، في أوسلو وواشنطن، أين شعار «الحرية والاستقلال» الذي طالما تغنيتم به، وفرطتم فيه بتوقيع اتفاقيات أوسلو؟ ونعرف أكيداً أن كل المستشارين القانونيين الذي اصحبتموهم في بعض من الجلسات العلنية في واشنطن فقط (وليس في أوسلو)، نصحوكم بمذكرات قانونية أرسلت إليكم، بعدم توقيع الاتفاقيات، ورميتم بنصائحهم في سلة مهملاتكم، ولهذا، واحتجاجاً على ذلك استقال رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض حينها الدكتور حيدر عبد الشافي. والنتيجة أنكم أعطيتم شعبنا نوعاً هشاً من الحكم الذاتي، اسمه الحركي «حكم ذاتي»، لكنه في الحقيقة ليس حكماً ذاتياً، بل إطار لخدمة الأمن «الإسرائيلي». يؤكد يوئيل زينغر الذي كان مستشاراً قانونياً لشيمون بيريز إبان تسلمه رئاسة وزراء الكيان (كما مؤلفات كثيرة، منها مؤلف تبنته الجامعة العبرية وصادر عن دار أوكسفورد في لندن)، أن مرجعية اتفاقيات أوسلو هي الحكم العسكري الإسرائيلي. كما أن شرطاً من شروط اتفاقيات أوسلو (جرى تثبيته في الملحق رقم 3) يتمثل في عدم مكافحة الفساد والعملاء لـ«إسرائيل» في السلطة الفلسطينية (تماماً كما التنسيق الأمني في الملحق رقم 2).. وعلى هذا الأساس فإن «لجنة مكافحة الفساد» لم، ولا، ولن تحاكم أحداً. كذلك فإن منظمة التحرير الفلسطينية مثّلت ولا تزال شرعيتين، الأولى: شرعية الثورة، أما الثانية فهي الشرعية الدولية (اعتراف أكثر من 142 دولة من دول العالم بها)، أما شرعية اتفاقيات أوسلو فهي مثلما قلنا: مرجعية الحكم العسكري الصهيوني للأراضي المحتلة. أن اتفاقيات أوسلو قتلت المناعة العربية في العلاقة مع الكيان. فنحن من أعفينا بعض (العرب) من الحرج. فهم لن يكونوا ملكيين أكثر من الملك، كما يقول المثل. لقد دخلت الحركة الصهيونية من مرحلة القتل الذي تقترفه ضد أبناء شعبنا، كما مرحلة المذابح وهدم البيوت ومصادرة الأرض والاستيطان والاغتيال، وانتقلت إلى مرحلة اقتراف المحارق (الهولوكوست) ضد الفلسطينيين. لقد حاصروا الرئيس عرفات ثلاث سنوات في المقاطعة ودسّوا له السم. بمعنى أن لا اتفاقيات مع الكيان كفيلة بردعه، وأن النهج الذي يمكن التعامل معه هو نهج المقاومة المسلحة (المقرّة شرعيتها بقرارين واضحين من الأمم المتحدة، (القرار رقم 3034 الصادر بتاريخ 8 ديسمبر/كانون الأول 1972)، والقرار رقم 3314 الصادر في 14 فبراير/شباط 1974). لكل ذلك المطلوب قتل اتفاقيات أوسلو عشرات المرات.
وكدليل على حرص الحركة الصهيونية وتمثيلها السياسي «الكيان الإسرائيلي»، تم التآمر بين "الموساد" وجهات مخابراتية نرويجية لسرقة ملفات الاتفاقيات من إرشيف الخارجية النرويجية من مبنى الوزارة، ولم يعد باستطاعة أي باحث العثور عليها. أن الكيان يهدف إلى الاعتراف بـ«يهودية دولته» على أنها «دولة الشعب اليهودي» تتقصد «إسرائيل» منه إعطاءها الضوء الأخضر لها مستقبلاً لإجراء ترانسفير للفلسطينيين من أرضهم، خاصة من منطقة 48، ومطالبة الفلسطينيين والعرب بتعويضات عن مرحلة وجودهم فيها، تماماً مثلما تطالب «إسرائيل» الدول العربية حالياً بدفع 4 مليارات دولار عن «حقوق اليهود العرب»، التي تدّعي (أنه جرى ترحيلهم عنوة إلى «إسرائيل»)، كما تمت إثارة مسألة «حقوق اللاجئين اليهود» على هامش الدورة 68 للجمعية العامة للأمم المتحدة. وأخيراً لقد اعتبرت اتفاقيات أوسلو الثورة الفلسطينية والنضال الفلسطيني إرهاباً، والتوقيع الفلسطيني عليها يعني اعترافاً فلسطينياً ضمنياً بذلك، أي أن تاريخ ثوراتنا كله كان «إرهاباً». وإن القمع الذي تمارسه شرطة السلطة الفلسطينية ضد تظاهرات شعبنا في استنكاره للهجمة الدموية الصهيونية على الأقصى حالياً، يعود في أحد جوانبه إلى مقتضيات نصوص الاتفاقيات المشؤومة، تماماً كما التنسيق الأمني الذي تلزم به «إسرائيل» السلطة الفلسطينية. أن شعبنا العظيم سيسقط هذا الاتفاق الكارثة.
د. فايز رشيد

من نفس القسم دولي