الوطن

2016... عام الحملات الانتخابية، التوترات الاجتماعية وتصدع الأحزاب !!

ضغوطات اجتماعية، تراشق بين الأحزاب وترتيبات أحادية



  • استقواء المجتمع المدني وخروجه عن السيطرة!


ليس من السهل أن نتعاطى مع المشهد والتحولات المرتقبة التي يمكن أن تشهدها الجزائر في هذا العام إلا من خلال المؤشرات الأولية وبعض المحددات للسلوك المجتمعي من جهة والتغييرات التي يمكن أن تحدث على المؤسسات والقوى السياسية المختلفة، ولعل أهم ما يميز هذا العام هو هذه البداية من التغيير الدستوري الذي يمكن أن ينعكس على كثير من المؤسسات رغم عدم التأثير في باقي المؤسسات أمام استمرار حالة الانفصال بين الواقع والقانون بشكل عام وعدم وجود مسعى حقيقي في التحول نحو دولة القانون.
تغيير الدستور سينعكس على جملة من القوانين المفترض تكييفها مع الدستور الجديد منها المرتبط بالعمل السياسي كما هو الحال بالنسبة لقانون الأحزاب وقانون الانتخابات، وهو ما يفرض على البرلمان بغرفتيه عملا مضنيا، وأن قوانين كثيرة سيشهدها خاصة أننا على أبواب استحقاقات انتخابية قادمة لا يمكن أن تنتظر كثيرا، وواضح من خلال تعديل الدستور أن السلطة القائمة ليس لديها حسم كلي في اختياراتها المستقبلية، ولعل تمديد مدة استخلاف الرئيس في الحالات المتعذرة إلى ستين يوما بعد أن كانت منذ الاستقلال 45 يوما فقط يوحي أولا بالتحول الحاصل في دائرة صنع القرار في البلاد بعد أن كانت حكرا على المؤسسة العسكرية، فهي اليوم قد تأخذ أشكالا جديدة وتشهد دخول قوى لديها قدرة في التحكم في القرارات المستقبلية.

تغيير حكومي جذري!

ولعل أهم ما يميز هذا العام هو اتخاذ قرار تغيير للحكومة كثر عنه الكلام، وكل المؤشرات كما أن الأسباب متوفرة لإجراء تعديل جذري يمس أغلب الأسماء في الحكومة بدءا من الوزير الأول وأغلب الحقائب السيادية لحاجة البلاد إلى التجديد أولا وإلى فعالية أكثر وديناميكية تسمح بالتواصل الشعبي وتأمين الاستمرار في الحكم، خاصة أمام تواتر العجز الموجود في الطاقم الحالي إلا باستثناءات، ويتوقع أن يكون لهذا التعديل أيضا انعكاس على تعديلات مؤسساتية على مستوى الإدارة عموما بعد الحركة الأولى التي حدثت في بعض البنوك وبعض الشركات الكبرى. كما سيشهد هذا العام ومن خلال إعادة صياغة القوانين وفق مخرجات الدستور الجديد ميلاد الهيكل الحكومي الجديد وربما تغييرات تفرضها الظروف المالية التي تعرفها البلاد، كما ستشكل هيئات جديدة تتماشى مع الوضع الجديد كما يتوقع أن نعرف ديناميكية جديدة للسلطة في اتجاه مسارات كانت حكرا على المعارضة على غرار ملف حقوق الإنسان وملف الجامعة والبحث العلمي وحتى قضية التشاور والحوار الاجتماعي بعد الصلاحيات الجديدة التي أعطيت للمجلس الاقتصادي والاجتماعي.

انعكاسات قانون المالية... انفجارات شعبية!

إن قانون المالية لـ 2016 له انعكاسات كبرى على القدرة الشرائية وقد بدا الغضب بعد رفع أسعار الوقود وقد يتوسع في الأيام القادمة وخاصة بعد توالي الفاتورات في الكهرباء وارتفاع الأقساط المطالب بها المواطن كما هو الحال مع ملفات السكن، واستمرار الأزمة المالية التي ستعرف ردود فعل غير متحكم فيها مع مواصلة الحديث عن الفساد المالي وبأرقام فلكية يصعب للمواطن البسيط أن يتحمل وحده تبعات الأزمة دون سواه، وقد تعرف البلاد انفجارات اجتماعية نتيجة غياب الأطر الدستورية في تبني مطالب المواطنين.
إن استمرار الاحتجاجات القطاعية وسياسات التأجيل من الجهات الوصية هي التي تؤكد استمرار الإضرابات وربما تتحول إلى احتجاجات غير مسبوقة أمام عدم قدرة الحكومة على تقديم أي عون أو مساعدات للتهدئة الاجتماعية.

حملات انتخابية مسبقة!

تعديل الدستور هو إعلان على انطلاق الحملات الانتخابية المسبقة إن على مستوى الرئاسيات أو حتى البرلمانية، وهو ما سيميز هذا العام وفي هذا الاتجاه سيغلب الخطاب الانتخابي على الخطاب السياسي المتعقل في أجواء تتميز بالاحتقان من جهة وبإجراءات حكومية غير مسبوقة ناتجة عن الوضع الاقتصادي الذي تشهده البلاد.
أسماء كثيرة وأحزاب ستعمل هذا العام على الاستثمار في الغضب الشعبي وفي أخطاء السلطة من جهة وفي طموحات المواطنين التي لم يستطع نظام الحكم تحقيقها، ولعل أهم الشخصيات التي تحاول أن تسرع عملية الدخول في الانتخابات هي التي تتسارع مع الزمن بحكم تقدمها في السن على غرار السيد على بن فليس وحمروش وبدرجة أقل الشيخ عبد الله جاب الله وأحمد بن بيتور وحتى بعض الشخصيات في الحكم التي تعرف أنه كلما تأخرت الانتخابات كلما قلت حظوظها على غرار بلخادم وبدرجة أقل السيد أحمد أويحيى هذه الأسماء ستعرف تحركا واسعا وجماهيريا وإعلاميا كما ستشارك وربما تسعى إلى تفعيل وإطلاق مبادرات سياسية وموضوعية كما أنها ستكون الراعي الأساس في التحالفات القائمة أو التي يمكن أن تشهدها الساحة السياسية في هذا العام.

الأحزاب بين الاستقواء والتصدع

2016 سيكون عام تتحرر فيه الأحزاب مستثمرة التعديلات الدستورية التي ربما تتيح لها هوامش جديدة في الحرية من خلال السماح بالاجتماعات، وهي تدرك صعوبة هذا الإجراء مع طبيعة حكم الإدارة في بلادنا وقد نشهد تحركا جماهيريا في هذا العام من خلال التجمعات الشعبية ورغم أن الأحزاب الأساسية لا ينتظر أن تنظم مؤتمراتها باستثناء ربما الأرندي الذي يحتاج إلى مؤتمر حتى يرسم أمينه العام سواء أويحيى أو آخر قد يختار في هذا العام.
الأحزاب ستحاول هي أيضا الاستثمار في التوترات الشعبية وركوب موجة الغضب والاحتجاجات الاجتماعية مع صعوبة قبول المحتجين هذه المواقف أمام استمرار النظرة المقولبة للتصرف الحزبي لدى الناشطين الاجتماعيين عموما.
المعارضة ستعرف هذا العام استكمال مسار بناء تحالفاتها وقد يكون لمؤتمرها الثاني المزمع تنظيمه قبل نهاية فيفري انطلاقة أخرى رغم الخلافات التي تعرفها واختلاف أجندات رموزها إلا أنها تدرك أيضا أن رهان السلطة على الوقت وتفرقها، ولهذا ستمارس أكبر قدر ممكن من التنازل فيما بينها مما يعرض مبادراتها لعدم تفاعل المواطن معها.
كما ستعرف الأحزاب استمرار الظاهرة المعروفة ببروز التصحيحيات على غرار حزب العمال الذي يتوقع أن ينقسم ويشهد سجالا داخليا وربما الأمر نفسه لحركة حمس أمام استمرار الشيخ أبوجرة سلطاني مناوئا ومحاولا توظيف بعض أخطاء رئيس حمس، كما أنه ومن خلال حرصه على تقديم نفسه أنه أكثر اعتدالا ويمكنه أداء أدوار ترغب السلطة الحالية أو تبحث عنها داخل الأحزاب ومن مصلحة السلطة تفكيك حمس الآن بعد أن كانت ترفض المساس بها من قبل.
الحركة التصحيحية ستستمر في الأفلان أيضا ورغم أن المؤشرات الأولية لا توحي بوجود رغبة في الاستغناء على عمار سعداني إلا أن تحركات المناضلين وربما استمرار الأداء السيئ للأمين العام الحالي قد يساعد على تقوية الحركات التصحيحية في الأفلان في هذا العام.

عودة ظهور اليسار!

نفوذ بعض الشخصيات المعروفة بميولاتها اليسارية سمحت بإعادة انتشار اليسار على مستوى المؤسسات وفي المفاصل المهمة وبعض المناصب ذات التأثير المجتمعي ورغم الضمور الحزبي لليسار واستمرار التمثيل المحتشم والخلافات مع التروتسكين إلا أن انتهاء دور لويزة حنون سيوفر مساحات لعودة تأطير اليسار التقدمي في الجزائر وبدعم سلطوي إن استمر الوضع على ما هو عليه، كما سنشهد محاولة إبراز إعلامي لرموز يسارية جديدة واستمرار إدراج مواضيع نقاش خلافية وخاصة ذات صلة بالثوابت، وهو ما سيؤثر ويسرع في عملية التسويق لهكذا شخصيات وواضح أن السلطة القائمة مع استمرار استقواء روسيا في المنطقة تبحث عن تيارات مؤدلجة أمام الاندثار القائم في المشهد العام واستمرار قوة التيار الإسلامي على جميع المستويات رغم عدم التناسب مع العمل الحزبي الموجود.

السلطة والمعارضة.. توتر ونزاع!

 لا يبدو أن الوضع والتهديدات الحقيقية الموجودة على البلاد ساهمت في التهدئة بين المعارضة والسلطة كما أن المساعي الموجودة حاليا تصب في اتجاه استمرار التباين والتراشق بين السلطة والأحزاب كما أن كل حزب سيستمر في خصومته مع النظام وخاصة أصحاب الحظوظ الانتخابية ظنا منهم أن الخطاب وحده يمكن أن يساهم في الاكتساح والتعبئة الجماهيرية.
السلطة ستستمر في التضييق على المعارضة رغم ما جاء من إجراءات في الدستور الجديد كما انه لا يتوقع أن تتبنى أي مبادرة جادة في التهدئة بل ستواصل سياسة فرض أمر الواقع مع مواصلة خطاب التقليل من المسؤولية وتحميل المعارضة عبء عدم التجاوب معها وأنها لا ترغب إلا في الكرسي وغيرها من مفاتيح الخطاب التي أصبحت هي الأخرى مستهلة لدى الرأي العام الوطني وسوف لن يلتقي الطرفان إن لم تتجاوز الانفجارات الحدود المرسومة لها.

تفعيل دور المجتمع المدني!

واضح من خلال مشروع الدستور أن المجتمع المدني ينتظر وظائف جديدة عند السلطة فإضافة إلى التعبئة وعدم احترام القانون بمعنى ممارساته وظائف سياسية على غرار لجان المساندة والدعم يأتي قانون إنشاء اللجنة المستقلة لمراقبة الانتخابات والمشكلة من المجتمع المدني أن السلطة ستستمر في توظيف هذا الفضاء كما سيستعمل في تخفيف الضغط الشعبين ولكن هناك أيضا بدايات تشكيل مجتمع مدني كقوة مضادة للسلطة وقد تتسع في انتشارها في مستويات كثيرة وعلى رأسها الحقوقية والنقابية وخاصة في النقابات المستقلة التي بدأت تأخذ شكلا أكثر قوة ونفوذا من الماضي في مختلف القطاعات وهو ما من شأنه تقديم بدائل مستقبلية بعيدة عن صراعات الأحزاب والسلطة وتمكن المجتمع من استرجاع المبادرة مرة أخرى حتى وإن لم يكن في هذا العام ولكن سيكون 2106 لبنة مهمة في التأسيس لهكذا تجاه.

الفساد بين إرادة مكافحته وتغوله!

إذا كانت سنة 2015 هي سنة فتح ملفات قضايا الفساد الكبرى كالخليفة وسوناطراك وغيرها إلا أن عام 2016 سيكون عام الصراع السياسي بين توفير الإرادة السياسية للمكافحة والوقاية من الفساد مع وجود هيئة دستورية رغم كونها استشارية ولكن أمام تنامي دور المجتمع المدني المستقل كقوة مضادة، كما أن الراغبين في الاستمرار أو الوصول إلى السلطة أمام الحالة المالية التي تعرفها البلاد سيكون هذا الملف أحد الرهانات الأساسية إن لم نقل أهمها، وقد نشهد في هذا العام نداءات إلى إعادة استرجاع الأموال المسروقة وغيرها من المفردات المرتبطة به، كما أن وجود بعض ملفات الفساد في محاكم أوروبية قد تساعد أو تفجر ملفات أخرى عندنا ولعل استمرار الخلافات الداخلية بين صناع القرار بالأمس سيدفع بعضهم إلى إعادة جدولة بعض قضايا الفساد التي لا يبدو أنها أقنعت الرأي العام الوطني ولا القوى الوطنية الأساسية.

الإعلام بين التضييق والتنظيم

المشهد الإعلامي هو الآخر سيعرف في 2016 كثيرا من الاضطرابات فالسلطة عازمة على تنظيم القطاع وفرض مؤسسات تمثله عبر استكمال الهيئات القانونية على غرار سلطة الضبط التي واضح أنها ستكون وفق رغبات سلطوية، كما أنها ستعمل ضمن مسار تنظيم الإعلام وإصدار قانون الإشهار امام سياسات التقشف المعتمدة في كل القطاعات وهو ما يعني بالضرورة التغييب الاختياري لكثير من العناوين الصحفية التي ستجد نفسها دون دعم، كما أن التصريحات الأولية أيضا تفيد بضرورة تصفية القنوات التلفزيونية وإيجاد دفتر شروط غير متكافئ يسمح للبعض المضمون ولو نسبيا وتجريد الباقي من أي دعم قانوني بالدرجة الأولى بالاستمرار في الاستثمار في داخل البلاد.
عام 2016 هو عام وسائل التواصل الاجتماعي بامتياز والثورة المعلوماتية كما هو الانطلاق في 4G وربما حتى فتح السوق لاستثمارات لشركات الاتصالات العالمية سيجعل من العمل وفق المعلومات التكنولوجية أكثر وسائل الاتصال في البلاد ولا يمكن للسلطة لا التحكم ولا حتى التأثير في الرأي العام الذي سيصبح أقل قدرة على عقلية القطعان والتأثر كما كان من قبل.

2016 عام الجيش

إن التهديدات الأمنية إضافة إلى التحديات التي تواجه الجزائر في 2016 ستجعل من هذا العام خصوصية في صياغة الدور المطلوب من المؤسسة العسكرية على جميع المستويات، بدءا بمواصلة مرحلة التحول الهيكلي الذي بدأ منذ فترة وإعادة إصلاح وترتيب أدوار وهيكلة المؤسسات الأمنية كما أن عمليات التحول ستعرف تجديد موقع الجيش عند الشعب والمحافظة على مرجعيته الوطنية لدى مختلف القوى السياسية والشعبية وهو خط أصيل لجيش التحرير ومن المتوقع أن تكون قيادة الجيش أكثر حذرا مما هو متوقع من اختلالات اجتماعية وخلافات سياسية.
الدور الإقليمي سيعرف ديناميكية أكبر في تجميع وتنسيق جهود مكافحة الإرهاب وتزداد الضغوطات الدولية على الجيش لدور أكثر اندماجا مع ما يحدث في مختلف الدول وهذا وحده يبرر الدفع إلى توحيد الجبهة الداخلية التي تعد أحد عناصر تقوية موقف الجيش التفاوضي مع مختلف التحالفات العسكرية القائمة.

 دبلوماسية الإقليم والتقليل من الضغوطات

تسارع وتكاثر التحالفات الدولية ذات الطابع السياسي وبخلفية أمنية تمدد الإرهاب، وانتقال بعض الخلافات السياسية للدول العربية المحورية ستكون ضاغطة على دبلوماسيتنا في هذا العام وخاصة أمام انخراطنا في مساع دولية كإحلال السلم في مالي وتصدرنا المشهد الإفريقي ورغبة الجزائر في التقليل من الخلافات مع العالم العربي الذي يشهد هو الآخر توترات كبرى وخاصة الخلاف السعودي الإيراني وما سينعكس عنه من مواقف وسياسيات إقليمية تمس بالآمن القومي الوطني، كلها ستكون ضاغطة على ديبلوماسياتنا لتبني خيارات ومواقف أكثر وضوحا، كما أن الحرص على التقدم في الملفات الخارجية الأخرى على غرار ملف الصحراء الغربية كلها قضايا جوهرية وحاسمة هي التي ستشغل خارجياتنا في هذا العام.
سليمان شنين

من نفس القسم الوطن