الوطن

أسعار النفط في 2016 ستقترب من تكلفة الاستخراج وستقضي عل ما تبقى من الاقتصاد!!

توقع وصول معدلات التضخم والبطالة إلى مستويات غير مسبوقة، ناصر سليمان في حوار مع "الرائد":


•    تزايد مرتقب في عجز الميزانية والخزينة وقانون مالية تكميلي أكثر إثارة للجدل في الأفق



وقف أمس المحلل الاقتصادي والمالي سليمان ناصر في حوار لـ"الرائد" على منحى أهم المؤشرات التي تؤثر في الوضعية الاقتصادية للجزائر سنة 2016 حيث أشار الدكتور بجامعة ورقلة في توقعاته أن أسعار النفط ستعرف مزيدا من الانهيار لتصل نهاية 2016 إلى حدود 20 دولارا ما يرهن كل حسابات الحكومة ويجعل سعر بيع البرميل يقترب من سعر تكلفة الاستخراج في حد ذاتها الأمر الذي يؤدي إلى تزايد العجز أكثر في الميزانية والخزينة.

•    أسعار النفط ومنذ بداية 2015 وهي تسير وفق منحى تنازلي الأمر الذي رهن كل إجراءات الحكومة، هل تتوقعون تعافي هذه الأسعار سنة 2016 أم أن العكس سيحدث؟

بالنسبة لأسعار النفط فقد نزلت إلى حوالي 35 دولارا للبرميل نهاية 2015 أي أقل من السعر المرجعي المبرمج في قانون المالية لسنة 2016 وهو 37 دولارا للبرميل وهذا الانهيار الكبير كان بفعل تباطؤ النمو العالمي الذي سبّب نقصًا كبيراً في الطلب وبفعل الإمدادات الكبيرة التي سببت فائضًا في العرض يقدّر حالياً بحوالي 2 مليون برميل يومياً.
وبالنسبة لتوقعاتنا وبما أن الولايات المتحدة الأمريكية قد قررت العودة إلى تصدير النفط بعد 40 سنة من توقفها عن ذلك، إلى جانب عودة إيران قريباً إلى السوق الدولية بعد رفع العقوبات الغربية عنها، في ظل إصرار دول الخليج وعلى رأسها السعودية على عدم تقليص الإنتاج بسبب رخص تكاليف الاستخراج لديهم، كل ذلك يجعل الأسعار مرشحة للانهيار أكثر بسبب التزايد المرتقب للمعروض النفطي، هذا بالإضافة إلى توقعات بقصر فترة برودة الطقس في أوروبا والولايات المتحدة هذه السنة، وبهذا قد تصل الأسعار مع نهاية سنة 2016 إلى حدود 20 دولارا للبرميل، وهذا سيضر الجزائر كثيراً بسبب نزول السعر إلى أقل من السعر المرجعي المعتمد لديها من جهة، وبسبب اقتراب السعر المرتقب من سعر تكلفة الاستخراج من جهة أخرى، مما يعني تزايد العجز أكثر في الميزانية والخزينة.

•    أكيد أن أسعار النفط لها ارتباط وثيق بقيمة العملة الوطنية خاصة أن الحكومة عمدت طيلة سنة 2015 لخفض هذه القيمة أكثر من أجل تحقيق جباية بترولية أكبر، هل تتوقع مزيدا من الانهيار لقيمة العملة الوطنية سنة 2016؟

بالنسبة لقيمة العملة الوطنية (الدينار الجزائري) فقد أكثر من 20 بالمائة من قيمته أمام الدولار الأمريكي منذ سنة 2014، وهي أعلى نسبة تخفيض في شمال إفريقيا بعد مصر بـ 11 بالمائة، وهذا الانخفاض المستمر أخلط حسابات الحكومة في تقليص فاتورة الواردات ومواجهة انهيار أسعار النفط. ورغم أن 50 بالمائة من واردات الجزائر يتم شراؤها باليورو إلا أن فاتورة وارداتها من الصين (والتي جعلتها أكبر ممون للجزائر بأكثر من 4.2 مليار دولار) هذه الواردات يتم دفعها بالدولار، مما جعل المستوردين يعمدون إلى رفع أسعار الفواتير لمواجهة انهيار الدينار، وهذه الفاتورة يتحملها في النهاية المواطن إلى جانب التضخم. هذا إضافة إلى فاتورة 1.5 مليار دولار واردات الجزائر من الولايات المتحدة ومعظمها مواد أولية، ومما يزيد الأمر تعقيداً انتعاش سعر صرف الدولار في الأسواق العالمية، مما يجعلنا نتوقع انهياراً أكبر للدينار باستمرار انخفاض أسعار البترول المستمر (كما أسلفنا)، وفي معظم الأحيان سيكون ذلك تخفيضاً متعمداً من الحكومة، كحل سهل لمواجهة نقص المداخيل بالدولار من جهة، ولتصحيح قيمة الدينار الذي لا يزال بعيداً عن قيمته الحقيقية من جهة أخرى.

•    وفيما يخض التضخم ماذا تتوقعون؟

بالنسبة للتضخم فقد كانت توقعات الحكومة بمستوى 4 بالمائة خلال سنة 2015 و2016، ولكن انهيار أسعار النفط والتخفيض المستمر للدينار أخلط كل الحسابات، وحسب إحصائيات الهيئات الدولية وحتى وزارة المالية فإن نسبة التضخم خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2015 قد بلغت 5.9 بالمائة وقد وصلت إلى 6 بالمائة في نهاية 2015، ومع دخول قانون المالية لسنة 2016 حيز التنفيذ والذي يتضمن زيادات معتبرة في بعض المواد أهمها الوقود والذي سينعكس على كل أسعار السلع والخدمات الأخرى تقريباً، فإننا نتوقع ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات مسبوقة لم تصلها منذ سنوات طويلة، وقد تصل إلى معدلات تتراوح بين 8 و10 بالمائة مع نهاية سنة 2016.

•    من جانب آخر وبعد أن قررت الحكومة التوجه نحو سياسة شد الحزام فأغلب القطاعات تأثرت ولعل هذا التأثير يظهر في تجميد أغلب الوزارات للتوظيف، الأمر الذي يؤثر على معدلات البطالة، فماذا تتوقعون سنة 2016 فيما يخص هذه الأخيرة؟

توقعات صندوق النقد الدولي فيما يخص معدل البطالة في الجزائر حددها بـ 11.6 بالمائة سنة 2015، و11.7 بالمائة سنة 2016، بعد أن كانت في حدود 10.6 سنة 2014. إلا أننا نتوقع (في ظل الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة التي تمر بها الجزائر) وصول معدل البطالة إلى حوالي 15 بالمائة سنة 2016، خاصة وأن الرقم المعلن عنه حالياً لا يعكس معدل البطالة الحقيقي في البلاد والذي قد يصل إلى 12 بالمائة، لأن توقعات صندوق النقد الدولي تعتمد غالباً على الأرقام الرسمية للحكومة وهي بعيدة نوعاً ما عن الواقع.
وبالنسبة لمعدلات النمو فقد توقع صندوق النقد الدولي بالنسبة للجزائر في البداية نسبة نمو تقدر بـ 3 بالمائة سنة 2015 و3.9 بالمائة سنة 2016 مقابل نسبة 3.8 بالمائة سنة 2014، قبل أن يعلن عن توقع نسبة 2.6 بالمائة فقط لسنة 2015 بعد انهيار أسعار النفط. ونحن نتوقع معدل نمو حقيقي أقل من هذا ويتراوح بين 2 و2.5 بالمائة لسنة 2015، وقد يبقى مستقراً أو يتراجع قليلاً خلال سنة 2016 لأن الزيادة فيه مستبعدة في ظل الظروف الحالية.

•    الحكومة ومنذ بداية الأزمة تحاول البحث عن مخرج لهذه الأزمة منها ما أقرته سنة 2015 فيما يخص التجارة الخارجية وإقرارها لرخص الاستيراد، برأيكم هل ستساعد فعلا هذه الإجراءات في التخفيف من حدة الأزمة؟

بالنسبة لفاتورة الاستيراد وعلى سبيل المثال فإننا نتوقع تراجعاً أكبر في واردات السيارات خلال سنة 2016، وذلك بسبب تطبيق دفتر الشروط الجديد والخاص بهذه المهنة من جهة، وبسبب تراجع مداخيل البلاد من العملة الصعبة من جهة أخرى. فبالنسبة لهذه الواردات فقد سجلت تراجعاً بأكثر من مليار دولار خلال الثمانية أشهر الأولى من سنة 2015 مقارنة بنفس الفترة من سنة 2014، أي انخفاض بحوالي 30.67 بالمائة (حسب أرقام الجمارك الجزائرية)، وفي ظل الظروف المالية الصعبة التي تمر بها البلاد، فقد تلجأ الحكومة إلى وضع إجراءات جديدة لتقليص هذه الواردات خلال سنة 2016، سواء تلك المتعلقة بالتراخيص لاستيراد السيارات أو اللجوء إلى تحديد الحصص الممنوحة لكل وكيل من الوكلاء المعتمدين في هذه العملية. لكن هذا لا يعني أن الجزائر ممثلة في الحكومة ستتمكن من كبح الاستيراد في كل المجالات فالبنسبة لواردات الجزائر من القمح مثلاً، فهي تستورد حالياً حوالي 8.5 مليون طن سنوياً، وهي بذلك تحتل المرتبة الثانية بعد مصر بحوالي 10 مليون طن سنوياً. والتوقعات تشير إلى ارتفاع واردات الجزائر من هذه المادة إلى حوالي 11.5 مليون طن، وذلك بسبب الجفاف الذي يضرب الجزائر حالياً والذي جعل توقعات بانخفاض الإنتاج لديها من هذه المادة ليصل إلى 3 أو 3.5 مليون طن خلال سنة 2015، مقابل 3.4 مليون طن سنة 2014 و4.9 مليون طن سنة 2013. وبما أن الأمر يتعلق بمادة أساسية للمجتمع الجزائري، فستجد الحكومة نفسها أمام تحدٍ صعب يتعلق بزيادة الواردات من هذه المادة الأساسية وأيضاً بزيادة مبلغ الدعم المخصص لها، مما يشكل أعباءً إضافية على ميزانية الدولة.

•    قانون المالية لسنة 2016 حمل موادا مست جيوب المواطنين بصفة مباشرة، كيف ترون سنة 2016 فيما يخص القدرة الشرائية للجزائريين؟

على المستوى الفردي فإننا نتوقع تدهوراً أكبر في القدرة الشرائية للمواطن سنة 2016 وإن كانت عودة القرض الاستهلاكي المرتقبة مع بداية هذه السنة الجديدة قد تخفف قليلاً من آثار ذلك التدهور، كما أن هذا القرض قد يكون من ناحية أخرى في صالح تشجيع الإنتاج الوطني.

•    بصفة عامة وكخلاصة لما سبق وما ذكرتموه كيف تصفون واقع الاقتصاد الوطني سنة 2016؟

على مستوى الاقتصاد الوطني فإننا نتوقع تزايداً في عجز الميزانية والخزينة قد يصل إلى حدود 60 مليار دولار سنة 2016، مما يعني تآكلاً أكبر لرصيد صندوقي ضبط الموارد واحتياطي الصرف، ومما يعني في النهاية أن المرور إلى قانون مالية تكميلي خلال سنة 2016 ضرورة حتمية وقد يكون مثيراً للجدل مثل قانون المالية الأساسي بسبب الإجراءات التقشفية أيضاً والتي قد يتضمنها.
سألته: سارة زموش

من نفس القسم الوطن