الوطن

الأموات يفرضون التحول نحو الديمقراطية من جديد

بعد الجنازة التاريخية والحشود الكبيرة التي رافقت الزعيم




لازالت الجنازة التاريخية للزعيم آيت أحمد رحمه الله تصنع الحدث على جميع المستويات في البلاد ففي الوقت الذي عبر الشعب عن حضوره وتبنيه للزعيم المعارض من خلال تنوع الحضور والصفة الوطنية التي واكبت الجنازة في كل محطاتها كما عبرت القوى الوطنية والشخصيات والأحزاب عن تجاوزها لخطابات السلطة المستعملة ضد الرجل لأكثر من خمس عقود لم تستطع أن تمحو الذاكرة الوطنية الجماعية عن نضال ومواقف الرجل.
ويبقى السؤال الأكثر إلحاحا هو ماذا بعد الجنازة، هل ستستوعب السلطة الموقف الشعبي المتميز وأنها لن تستطيع مهما حاولت من قبل بكل وسائلها الإعلامية والتعليمية وأدوات السلطة الأخرى في القمع وحتى القضاء من التغيير من قناعات الرجال من جهة، ولا أن تحول الرأي العام عن الصورة التي حملها لكل القوى والرجال العظماء الذين صنعوا تاريخ البلاد وأمجادها.
محاولة ركوب موجة الجنازة لم تنجح حتى وإن نجحت قليلا في تبليغ رسالة حسن النية في إجراء مصالحة تاريخية لأن من يحكمون الآن يريدون أن يستمروا في نهج المصالحة حتى بتكلفته التاريخية التي لا يبدو أن البقية المتبقية ستكون لهم فيها كلمة وخاصة زمنيا، إننا على أبواب إنهاء الشرعية الثورية ولو على مستوى الجيل الأول.
المعارضة في المجتمع حقيقة وواقع ومحاولات تجاوزها لا يمكن أن تكون سهلة ولا ممكنة ورسالة الآلاف من المشيعين كانت قوية في أن انتبهوا مما هو قادم خاصة والبلد تفقد في مرجعياتها الوطنية التي استطاعت أن تفرق بين ظلم السلطة وبقاء واستمرار ووحدة الدولة وأمثال هؤلاء أصبحوا قلائل إن لم يكونوا منعدمين.
المعارضة التي مثلها الرمز آيت أحمد تملك الشرعية الشعبية الكافية لإحداث أي تغيير عن طريق الشعب كما تملك أيضا الوعي الكافي لتجاوز أي مشروع تفتيت وموقف عائلة الزعيم الراحل من الانفصالي فرحات مهني خير رسالة.
آيت أحمد نموذج للديمقراطية رغم توجهه الإيديولوجي ولكن ثقافته وإيمانه بقوة شعبه هو الذي جعله يؤمن بالديمقراطية ويقدمها على مطلب الهوية والثقافة الأمازيغية وسبب له خصومات مع من كانوا معه في منطقته على غرار سعيد سعدي وكل منتسبي الحركة الأمازيغية في بعده الثقافي الوطني وليس الانفصالي، واستوعب آيت أحمد رحمه الله أن الديمقراطية مطلب وطني يحقق كل المطالب الفئوية والمناطقية وهو نفس السبب الذي جعله يرفض الرئاسة التي لا تستمد من الشرعية الشعبية، ونفسه في الوقوف مع الفيس بعد إنهاء المسار الانتخابي، وهو نفسه أيضا الذي جعله ينسحب من انتخابات 99. قد نختلف مع مقارباته ولكن لهذه المقاربة أنصار ونحن في 2015 لا يجب أن نستمر في نفس النهج الذي كان في التسعينيات حتى خصوم آيت أحمد في الماضي أصبحوا يشتركون معه اليوم في أهمية التحول الديمقراطي والمقصود هنا قيادة الجيش في فترة التسعينيات.
صحيح قد لا يكون الدستور هو الخطوة الأنسب في ترجمة رسائل جنازة المرحوم، ولكن القناعة بأهمية التحول الديمقراطي أصبحت ممكنة والدرس جديد على جميع العقلاء حتى نتجاوز مخاطر انفجارات حقيقية قرأها المتابعون في حناجر ونظرات وطريقة تعامل المشيعين للجنازة لكل ما يرمز للسلطة.
سليمان شنين

من نفس القسم الوطن