الوطن

الرق في الجزائر تركة اجتماعية لم تحررها قوانين بومدين

"عبيد"، "حراطين"، "سوادين"، "حبشيين"، "معلمين" وما خفي أعظم

 


-    "كوسان وبوزان" بأدرار شاهدة على عهد مقايضة البشر بالملح والتمر
-    الدولة في مواجهة موروثات قبلية ومافيا تهريب البشر
-    عبيد العالم حررتهم التكنولوجية وليس لينكولن

كنا بصدد شد الرحال إلى ديارنا عندما اكتشفنا تلك الحقيقة الصادمة عن هذه المنطقة الصحراوية البعيدة عن العاصمة بقرابة ألفي كلم، دهشتنا كانت كبيرة ونحن نتلقى تلك الكلمات المقتضبة وبالكاد استوعبنا المقصود منها بالضبط " هل تقبلون طفلة صغيرة هدية منا إليكم؟... هي تتقن كل الأعمال المنزلية وستنفعكم مستقبلا".
كانت "فاطمة " في السابعة من العمر أو أكثر بقليل حسب ما قيل لنا وهي يتيمة دون أي معيل، استقدمت إلى بيت أحد سكان برج باجي مختار الحدودية مع مالي قبل أشهر، لكن المعني وجد صعوبة في استقبالها كونه وقبل 20 سنة حرّر كل العبيد الذين كان يملكهم وعددهم بالعشرات، ولم يعد راغبا في تكرار ما من شأنه تذكيره بتلك الفترة من حياته، يقول "..... ومع ذلك فإنه ومهما تكفلنا بها فلن يكون حالها أحسن لو عاشت لديكم في التل (الشمال )".
صاحبنا وبقلة حذر منه جعلنا نفهم أن كثيرا من السكان الذين التقينا بهم طوال أشهر في هذه المنطقة لا يملكون حريتهم أو على الأقل لا يتمتعون بنفس الحق الإنساني الذي يملكه غيرهم واستحضرنا عتاب وجه إلينا سابقا ونحن نتواصل مع طالب ماجيستير تم الطعن فيه لكونه "خادم" لدى إحدى العائلات...
ولم يكن تفكيرنا وقتها قابلا لإدراك الطبقية الموروثة والراسخة في واقع هذا المجتمع الذي اكتشفنا أنه ينقسم إلى ثلاثة طبقات هم الأشراف، العاديون والعبيد، مصطلح تم تخفيفه ليصبح اسمه "الحرطاني" وفي مناطق أخرى كتندوف بأقصى الجنوب الغربي "المعلمين" وأسماء أخرى حافظت على عنصريتها كـ"الحبشي" و"السوادين" وغيرها، وضاعت "فاطمة" بين كل هذه الأسماء لتتحول إلى مجرد شيء قابل للإهداء !
•    هل هناك عبيد في الجزائر ؟؟؟

استغرق بحثنا - الذي امتزج بكثير من الفضول - بعض الوقت، فكثيرون ممن لجأنا إليهم يشيحون بأنظارهم ووجوههم عنا بمجرد محاولتنا الخوض في هذا الموضوع الذي يصنفه سكان الجنوب في خانة الطابوهات وإن لم نقل المحظورات، وبسببه اتُّهمنا بالسعي لإثارة المشاكل والعبث بحساسيات بعض الفئات التي تدرج نفسها وغيرها في الدرجة الثانية من الإنسانية، ولم نجد من حل إلا التنقل إلى إحدى هذه المناطق للوقوف على حقيقة ما يحدث بعيدا عن أعين العالم، وكان لزاما علينا الاستعانة بمن يشرح لنا كيف وصلت "فاطمة" إلى العائلة الجزائرية وكادت تشق طريقها نحو الشمال معنا.
كانت انطلاقتنا من الشارع الرئيس لمنطقة برج باجي مختار، واخترنا الفترة الصباحية لتلافي أشعة الشمس الحارقة وشدة حرارة تتجاوز 60 درجة زوالا، توغلنا في أوسع طرقه التي لا يمكن إلا أن تنقلك عبر الزمن لحقبة غابرة بما تصنعه حركية مختلف الأجناس من صور عجيبة وكأنها تستعير مشاهدها من فيلم الرسالة خاصة مع تجارها الذين يبيعون كل ما يمكن أن يخطر على بالك بزيهم الذي لم يختلف كثيرا عن زي عرب القرون الماضية، وفقط سيارات ستايشن المقاتلة، وأخرى رباعية الدفع والتي تشق الطريق شقا تعيدك إلى زماننا وهي تفرض منطقها وتخرق أي شيء اسمه قانون المرور. مشاهد فوضوية وسلوكيات بدائية عفوية أغرتنا لتحدي أنفسنا في اكتشاف العبيد من أسيادهم بمجرد الملاحظة فكانت النتائج صادمة... صبي لم يبلغ من العمر ست سنوات، أسود البشرة بملامح جميلة تطغى عليها البراءة، يرتدي ملابس رثة يلاحق سيدة عربية تتداول على محلات بيع العطور، اقتربنا منها وبادرناها بالسؤال عن الصلة التي تربطها بالولد وإذا ما كان ابنا لها، ففاجأتنا بردها الذي تعمدت أن تجعله قاسيا "وهل ترضين أنت بابن من السوادين؟" واستدارت إليه ورمقته بنظرة جعلته يتشبث بها تجنبا لنا وباءت كل محاولاتنا في التواصل معه بعدها بالفشل وغادرا المحل على عجل.
كانت شوارع وأزقة "برج باجي مختار" تكتظ بأمثال الصبي باعتبار أن المنطقة بوابة مالي نحو الأراضي الجزائرية فكان اعتقادنا الأولي أن العبيد هم أصحاب البشرة السوداء الذين يستقدمون من الدول الإفريقية وتراهم يكدون في الأعمال الشاقة على غرار تشييد آلاف المساكن في الحي الفوضوي وسط المدينة تحت أشعة الشمس الحارقة، يستغلهم جزائريون في القيام بما يعجزون هم عنه، لكننا اكتشفنا لاحقا أمورا أكثر غرابة ومنها ما قد يصدم الكثيرين إذا علموا أن عائلات في الجنوب تحظى حتى بالأًمًة التي تبقى تملكها حتى ولو تزوجت، وأن العبودية لا ترتبط فقط بأصحاب البشرة السوداء وأن أحفاد العبيد لا يمكن لهم بحال من الأحوال أن يعتلوا أي مناصب محترمة أو أن يخوضوا في السياسة، والأهم أن ثقافة الأسياد والأشراف تصنع أخطر مظاهر الطبقية الاجتماعية في هذه المنطقة من الجزائر رغم الجهود التي بذلها الرئيس الراحل هواري بومدين للقضاء عليها نهائيا.
•    موالين وجواري في زمن التكنولوجية
لا يحلم "الحرطاني" بمصاهرة أسياده، كما لا يجوز للحرطانية أن تتطلّع إلى سيّدها مهما ناضل الكثيرون لتحطيم هذه الحواجز التي تم إقامتها قبل قرون خلت، ومهما حرص آخرون على تمكينهم من الحقوق التي تجعلهم في نفس المرتبة أمام القانون إلا أن الحرطاني يبقى أقل شأنا وأبعد من أن يطالب بإنسانيته راضيا بالدور الذي شب عليه في الحياة، وأكثر اهتمامه أن يكسب بجهده فتات ما يقدم إليه، أما الحرطانية فمنها من تكون أمة ملك سيدها ويمكن الدخول بها متى شاء فإذا ما حملت يكون لها شأن آخر، وعلى العموم لا ترتبط العبودية في جنوب الجزائر بغير الجزائريين فقط، فكثير منهم امتد إليه الوصف ودخلوا خانة الأقل شأنا بحيث تسلط عليهم كل أنواع الظلم الاجتماعي ويلقبون بأكثر من نعت يحط من قدرهم، يقول عبد القادر الهاشمي رئيس مكتب المنظمة الوطنية للمجتمع المدني بتيمياوين المطلة على شمال مالي أن الواقع الكارثي الذي يتصوره الناس عن العبيد هنا ليس صحيحا وأن هذه الصفة تقترب إلى الزوال في مقابل بروز وصف آخر "الحرطاني " والذي اشتق من كلمتين هما "حر وثاني" فهو لم يبلغ درجة "الحر" الذي هو السيد ويبقى تابعا لأسياده حتى ولو حررته القوانين وأضاف قائلا "ينظر إلى الحرطانيين على أنهم تركة ورثوها عن أجدادهم".
وحسب هاشمي عبد القادر فإن سكان المنطقة أضحوا يتحاشون الإعلان عن مصطلح العبيد بعد عام 1965، وإن كانوا لا يزالون يستعينون به أثناء السب والشتم وأمور أخرى، ويعود سبب هذه النقلة إلى القانون الذي أقره الرئيس الراحل هواري بومدين الذي قاد حملة صارمة لوضع حد لهذه الظاهرة في أي قطر من الجزائر وتم اتخاذ إجراءات مستعجلة لتجنيس أولئك " المنسيين " وإيجاد صيغة لإدماج " العبيد " في المجتمع الجزائري من خلال تمكينهم من الحق في التعليم والعمل ومجمل الحقوق التي يتمتع بها أي جزائري، وبدا للوهلة الأولى أن الأمر تحت السيطرة لكن "وبعد مرور أزيد من 35 سنة لازلنا نسمع عن قبيلة العبيد وأن فلان هو في الأصل عبد !!!!.
كلام الحقوقي أعادنا إلى نقطة البداية فهو لخص المشكلة في مجرد أحفاد لقبيلة العبيد المعروفة والتي ينتسب إليها أغلب الخدم المنتشرين في الشريط الحدودي خاصة بتمنراست، لكنه لم يقنعنا بسبب وجود طفلة صغيرة مالية الأصل لدى عائلة جزائرية ومعها صبي السيدة العربية.
•    الملح مقابل الرق وآلاف العبيد يردُون الماء كالإبل
ما يتداوله السكان عن أصل الاستعباد في هذه المنطقة حديث نوعا ما رغم أن الظاهرة قديمة قدم البشرية، يقول الحقوقي هاشمي إن بداية القصة تورط فيها شخص يدعى "كوسن " وهو رجل طارقي درج على استقدام العبيد من النيجر ومالي عن طريق مقايضتهم بالملح وأحيانا التمر مع المدعو "بوزان"، وبيعهم في سوق بالجزائر، حيث بقيت منطقة "كوسان وبوزان" بأدرار شاهدة على تلك الحقبة من الزمان، ورغم أن الأمر اندثر منذ زمن إلا أن مافيا التهريب يضيف هاشمي لم تترك شيئا إلا وهربته وأردف" قبل أسابيع كنت في طريقي إلى تمنراست وشاهدت عشرات الأفارقة " السوادين " يسلمون إلى أحد الأشخاص، وبدا لي أن ما شاهدته كان عملية بيع "، يعلق " هذا الأمر ليس بجديد على كثير من العائلات التي تقوم باستقدام أطفال من الدول الإفريقية للاعتماد عليهم في بعض الأعمال على أن يقضوا حياتهم كلها لدى تلك العائلة التي تكتفي بإيوائهم وإطعامهم وأحيانا تكريمهم، هنا عادت إلينا صورة فاطمة التي يبدو أنها عاشت نفس التجربة ولحسن حظها وقعت بين يدي عائلة رحيمة.
في الجانب الغربي من جنوب الجزائر تنام قصص أخرى وروايات مثيرة عن هذه الظاهرة التي لا تزال إلى يومنا هذا، وإن كانت كثير من العائلات قد حررت عبيدها وأعتقتهم لوجه الله، يروي الباحث طاهر عبد العزيز الذي التقيناه بمدينة تندوف، قصة عن جده عمر ولد العبد الجكاني الرمضاني الذي عايش واقعة استقدام أكثر من ألف عبد من تمبكتو بمالي لبيعهم في المغرب مرورا بتندوف، وهذا في عام 1932، وأسرد ما رأت عيناه من أن العبيد كانوا إذا ما بلغوا حوض البئر يردونه مثل الإبل بحيث يطلقون هكذا في العراء ليشربوا منكبين على رؤوسهم في مشاهد تشمئز لها النفس البشرية.
ويوضح الأستاذ عبد العزيز أن تندوف عاشت هذا الحراك العجيب بحكم أنها كانت طريق عبور القوافل التجارية وأسراب الرق المستقدمين خاصة من السنغال التي لا تزال تحتفظ بأكبر معتقل لهؤلاء كذكرى عن عهد جسد أقسى انواع العنصرية في تاريخ البشرية بحيث كان تجار البشر يقيدون الرق بسلاسل كالحيوانات ويرسلونهم في السفن نحو العالم الجديد "أمريكا"، إلا أن الطابع الإسلامي لتندوف جعل سكانها يتعاملون مع العبيد بما يحكم به الشرع " القرءان أقر بوجود العبد والأمة وحفظ له حقوقه وواجباته... والله سخر بعضهم لبعض.. لا ظلم ولا ضيم مسلط على هؤلاء العبيد لأن في الأمر حكمة ربانية هو سبحانه أدرى بها "موضحا أن هذا العبد يحظى بمعاملة جيدة فله حق الإطعام والإيواء إضافة إلى التكفل بمصاريف تزويجه والعثور له على زوجة من نفس قبيلته على أن يبقى أولاده ملكا لأسياد والدهم وهكذا حتى يقرر كبيرهم تحريرهم بحضور شاهدين ذوي عدل ويقول أعتقه لوجه الله. أما الأمة فعنوان آخر للغرابة إذ يحق للسيد الدخول بالأمة دون مهر أو عقد أو أي شروط للزواج، وتبقى هكذا حتى تحمل وبمجرد الوضع تتحرر تماما وتصبح بنفس مكانة سيدتها، أما إذا تزوجت من عبد آخر فتبقى أمة أو جارية لسيدها حتى يقرر أن يحررها أو تموت دون ذلك.
وأضاف قائلا إنه يجب تصحيح النظرة الخاطئة التي ترى أن العبيد هم أصحاب البشرة السوداء والدليل أن " آخر عبد أعتقناه في عائلتنا كان أبيض البشرة " واستدرك يقول إنه ومهما تحرر هذا العبد فإنه لا يمكن له أن يتطلع إلى سيده كأن يحاول مصاهرته " فسيده ينتمي إلى الأشراف فلا أمه أو جدته بيعت في سوق النخاسة أو سبيت، ولم يكن أبوه أو جده مملوكا أو موالي لأحد ".
•    عبيد الجزائر نتاج حرب عربية أمازيغية
اختلفت أسماء العبيد في الجنوب الجزائري وحرص كثيرون على نفي وجود الظاهرة التي أقر بها حتى ابن خلدون في مقدمته التي أشار فيها إلى أصل بروز هذه القبائل التي وجدت نفسها في مواجهة نظرات دونية توارثها أحفادها لتصل إلى زماننا ولكن بأقل حدّة، وكل القصة تعود حسب الأستاذ عبد العزيز إلى اواخر القرن السادس عشر عندما نزحت قبائل بنو معقل المشكلة من بني سليم وبني كلاب العربيتين عن طريق الهجرة إلى جنوب الصحراء الكبرى ومن ثم إلى الساقية الحمراء واتخذت لها كيانا في ظل نظام غير مركزي وكادت تستحوذ على الطرق التجارية التي كانت معروفة آنذاك "لمتونة" وطريق الذهب بين "سلمجستة" و"بلاد السودان"، وتشير المعطيات التاريخية إلى أن قبائل صنهاجة الأمازيغية " لمتونة، المسوفة، القزالة والملثمين " كانت تسيطر على الصحراء الكبرى وعاصمتها كانت " اوداغوست " ثم " امبيه " التي كانت عبارة عن حلف لقبائل صنهاجة، وبعد عام 1635 ظهرت حركة إصلاحية بقيادة " ناصر الدين أوبك "المنتمي إلى صنهاجة وكاد أن يعيد مجد المرابطين قبل أن تتشنج علاقتها بقبيلة بني معقل العربية التي كانت في تخوم الصحراء خاصة في الساقية الحمراء، ما أدى إلى نشوب معركة دامت سبع سنوات، كان نتاجها وخلاصتها انهزام صنهاجة، ففرضت عليها الإتاوات والضرائب وكثير من الشروط من ضمنها إجبار أفراد قبيلة صنهاجة على تقديم ثلث المياه التي يستخرجونها من آبارهم واستمر الوضع على حاله إلى حين وضعت القبائل الأمازيغية السلاح وانصهرت مع القبيلة العربية، فتولدت عدد من الوظائف الاجتماعية ممثلة في قبائل تحمل السلاح وهي قبيلة " بني حسان "العربية تمركزت في بلاد شنقيط ثم السودان الغربية الذي يتضمن الجزائر والمغرب، وقبيلة أخرى تهتم بالعلم والتربية وفقه الدين، أما الثالثة لم تحظ بالامتيازين فأضحت تابعة لهما وأصبح يطلق عليها لفظ "المعلمين" الذين يصنفون في خانة العبيد.
وأوضح أن سبب وجود العبيد بمختلف أنواعه وأشكاله في المناطق الجنوبية كونها متاخمة للسودان "السود"، مالي، غانا وتمبكتو، "ونعرف تاريخيا أن تجارة العبيد كانت راقية في هذه المناطق حتى أواخر القرن التاسع عشر، وأنا في منظوري كباحث ودارس للتاريخ أقول إن إبراهيم لينكولين ليس هو من حرر العبيد وإنما حررتهم التكنولوجية والآلات، لأن الحاجة إلى العبيد سابقا كانت مرتبطة باليد العاملة وتم استبدالها بالآلات".
•    " المعلمين" وعقدة قتل علي كرم الله وجهه تلاحقهم
يُشار إليهم بأصابع الاتهام -غباء- بتورطهم في قتل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وقرينتهم في ذلك كون أجدادهم صنعوا السيف الذي تمت به الجريمة المرتكبة في حق أحد الشخصيات البارزة في التاريخ الإسلامي، يقول "لفوضيل علي" وهو أحد مواطني تندوف المنتمين إلى قبيلة "المعلمين" أنه إلى اليوم لا يزال يستغرب لهذه المعلومة التي يتعمد أشراف المنطقة من قبيلتي "تاجاكانت" و"الرقيبات" وأحيانا " ولات "ترويجها للحط من قدرهم وحرص أفرادها كل الحرص على إشاعة مثلها الشهير "لا خير في حداد ولو كان عالما"، حيث أجبرتهم هذه النظرة على الاكتفاء بالمرتبة الثالثة داخل مجتمعهم، والويل كل الويل لمن تسوّل له نفسه السعي لمصاهرة القبيلتين " لم نعهد أن أحد المنتمين إلى قبيلتنا تزوج من تاجاكانية أو رقيبية".
استقبلنا "لعلي فوضيل" الموظف في سلك الحماية المدنية في منزله وسط مدينة تندوف مساء، وعرّفنا بأفراد عائلته ومنها ابنته المهندسة في التخطيط والتي قاست الويلات لتنال حقها في الشغل فقد اصطدمت بالعقليات الرجعية التي كانت قد أحكمت سيطرتها على إدارة الوظائف واستكثرت عليها تمكينها من مهنة محترمة تعكس كفاءتها، وروت لنا مظاهر كثيرة لهذه العنصرية التي أصرّت على إبقائهم في ذيل القبائل ومنها حرمانهم من اعتلاء مناصب سياسية أو الخوض في غير مهنتهم في الحدادة وصناعة الأواني والمجسمات النحاسية وغيرها، وسبق أن مورست ضغوطات رهيبة على أحد رؤساء البلدية "م. ص" قبل أكثر من عشر سنوات جعلته ينسحب من المجلس الشعبي البلدي لعدم الاعتراف بإمكانية قيادة شيوخ وكبار المنطقة من قبل شخص أسود البشرة أو ينتمي إلى قبيلة توصف انها دونية.
تقول الابنة إنها تضطر لمعايشة وبشكل يومي مع مثل هذه العنصرية، لكنها تزداد خلال التجمعات الكبيرة كالأعراس مثلا لأنها تجسد تلك الفوارق المصطنعة بشكل فاضح، معبرة عن امتعاضها لوصفها بالعبيد قائلة إن العبد مملوك، ونحن أحرار، وأعادت حادثة توزيع السكنات الاجتماعية التي وقعت بداية السنة الجارية والتي بينت وجود شخصين فقط من قبيلة المعلمين من مجموع أكثر من ألف مستفيد وهو ما اعتبرته أحد أشكال العنصرية والتي لا تزال تتجسد في هذه المنطقة من الجزائر.
•    سيف الحجاج الذي أشهرته الجزائر لا يزال مرفوعا والتقارير الدولية تواصل تشكيكها
لا تعترف الجزائر بوجود استعباد للبشر في أي بقعة من الجزائر إلا من باب الجرائم المنظمة التي ترافق شبكات المافيا التي لطالما ارتكبت تجاوزاتها وخرقت القانون في أكثر من طريقة، وتصنف مثل هذه الأعمال بكونها نوعا من أنواع تهريب البشر وتسلط في حقها عقوبات قاسية وتندد كل التنديد بالتقرير الأمريكي الذي يصنفها في كل مرة في خانة الدول التي ترعى العبودية والرق.
وتتجاهل السلطات الجزائرية مثل هذه التقارير خاصة بعد الجهود الكبيرة التي بذلتها للقضاء على هذه الظاهرة الموروثة عن القرون الماضية، بحيث مكنت الجميع من مجانية التعليم والرعاية الصحية كما حرصت على تجنيس أولئك الذين يصنفون في خانة المنسيين بالاعتماد على شهود وشروط أخرى، مع العمل على إدماج أولئك الذين تنسب إليهم صفة العبد، ودليلها في ذلك أن الآلاف من هذه الفئة بلغت درجة متقدمة من التحضر بحيث اندمجت في المجتمع وإن كان كثيرون لا يزالون لم يتخلصوا من تلك العقليات الموروثة التي لا تزال تصنف الأشخاص حسب القبائل والجنس واللون.
•    المجتمع المدني الصحراوي في المرصاد
قال عبد الله دقاري رئيس جمعية الشاب المثقف بتندوف إن العبيد هو إحدى الظواهر الاجتماعية السلبية القليلة التي ما زالت تعاني منها مجتمعات الصحراء عموما والتي تحمل في طياتها نظرة عنصرية تمييزية والتي ليس لها أي تأصيل شرعي ولا حتى اجتماعي، وأوضح قائلا " دائما كنا نركز في أنشطتنا خصوصا ندواتنا الشهرية على هذا الأمر تحت عناوين ومسميات تعنى بهذا الموضوع ولعل آخرها هو ندوة بعنوان مهددات النسيج الاجتماعي".
وأكد على حرص جمعيته على تتبع الحالات الإنسانية التي تعاني من هذه الظاهرة وتلمس معاناتهم ".
نحن مثلا في تندوف عندنا الكثير من الشرائح الاجتماعية كالحراطين والمعلمين وغيرهم الذين يعانون من التهميش والعنصرية ونظرة الاختلاف التي تقصيهم حتى من أبسط حقوقهم الاجتماعية مثل الزواج والنسب".


روبورتاج: أميرة. أ

من نفس القسم الوطن