الوطن

الحكومة تسعى للتقليص من فاتورة الاستيراد بإجراءات إدارية "تظلم" الجزائريين

من خلال منع استيراد عدد من المواد الاستهلاكية والصيدلانية منها الأدوية



يبدو أن الحكومة ماضية في سعيها نحو التقليل من فاتورة الاستيراد بإجراءات إدارية وقرارات وزارية يراها البعض غير مدروسة لا تعالج أساسا الأزمة الاقتصادية كونها تحرم الجزائريين من مواد أساسية لا غنى عنها وتحد من استهلاكهم لها. كان آخرها وضع وزارة الصحة والسكان قائمة جديدة للأدوية الممنوعة من الاستيراد بحجة أنها تنتج محليا رغم أن 80 بالمائة من الأدوية المتداولة في السوق هي أدوية مستوردة، في حين لا تنتج المصانع المحلية إلا 20 بالمائة من الاحتياجات بما في ذلك الأدوية الجنيسة ما قد يخلق الأيام المقبلة ندرة جديدة في بعض أصناف الأدوية في الجزائر ويكون بذلك التقشف حرم الجزائريين من حقهم في العلاج كما حرمهم من استهلاك مواد أخرى وضعتها الحكومة في خانة الكماليات.
أفرجت وزارة الصحة والسكان في آخر عدد للجريدة الرسمية عن قائمة جديدة للأدوية الممنوعة من الاستيراد بحجة أن هذه الأخيرة تنتج محليا لتؤكد مصالح بوضياف ومن ورائها الحكومة توجه السلطات العليا في البلاد نحو التقليل من فاتورة الاستيراد بأي شكل من الأشكال تطبيقا لسياسة التقشف.
•    فاتورة استيراد السيارات، الأدوية، الحبوب، الحليب والمواد الصيدلانية تتقلص والمستهلك هو الضحية

فتقليص فاتورة الواردات لم يمس قطاع الصحة وسوق الدواء فقط، فقد عرفت قطاعات أخرى منذ بداية الأزمة نفس السيناريو أين أعلنت تقارير مصالح الجمارك كل مرة عن أرقام تشير إلى انخفاض الواردات منها انخفاض واردات السيارات التي تقلصت، خلال 9 أشهر الأولى من السنة الجارية، بأزيد من 35 في المائة بالمقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية، نتيجة الإجراءات المتخذة من الحكومة وتداعيات العمل بدفتر الشروط الموجهة لنشاط وكلاء السيارات، بينما من المتوقع أن ينخفض حجم الواردات أكثر خلال السنة المقبلة مع بداية تطبيق رخصة الاستيراد، فاتورة استيراد بودرة الحليب هي الأخرى عرفت انخفاضا كبيرا حيث بلغت خلال الثمانية أشهر الأولى من 2015 770.26 مليون دولار مقابل 1.47  مليار دولار خلال نفس الفترة من 2014 أي بانخفاض نسبته 48 بالمائة، كما استفادت الحكومة قليلا، من التراجع المسجل في أسعار الحبوب في الأسواق الدولية، حيث بلغت فاتورة استيراد الحبوب ما بين جانفي ونهاية أوت 2015 ما قيمته 2.335  مليار دولار، مقابل 2.44 مليار دولار خلال نفس الفترة من السنة الماضية. من جهة أخرى قلّصت الحكومة واردات الجزائر من مادة اللحوم بمختلف أنواعها خلال الفترة الأخيرة، وذلك قبل انخفاض هذا المعدل أكثر بداية من جانفي 2016، بعد إصدار رخصة الاستيراد وتحديد كوطة اللحوم المستوردة، يتم توزيعها على المستوردين في إطار رخص الاستيراد التي ستصدر قريبا، وفي الإطار ذاته تراجعت قيمة واردات الجزائر من المواد الصيدلانية خلال السداسي الأول من العام الجاري إلى 842 مليون دولار، مقابل 1,2 مليار دولار في نفس الفترة من سنة 2014، مسجلة انخفاضا قدره 30 بالمائة، كما كشفت تقارير محلية أن فاتورة واردات مواد البناء قد تقلّصت بنسبة 33 في المائة، خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية، مقارنة بالفترة نفسها من العام المنصرم، خاصة ما تعلق بمادة الخشب والإسمنت والحديد، وهو ما استوجب على المؤسسات الوطنية المنتجة تعزيز قدراتها في الإنتاج.
•    رغم إجراءات تنظيم التجارة الخارجية ميزان المدفوعات يعاني العجز.. فما الخلل؟؟
لكن بالمقابل ورغم كل هذه المساعي للحكومة لا تزال آلة الاستيراد تهيمن بشكل مخيف على الميزان التجاري للجزائر، الذي سجل عجزا بأكثر من 7 ملايير دينار خلال السداسي الأول من 2015 وانخفضت الصادرات خلال الأشهر الستة الأولى من السنة إلى 28,19 مليار دولار مقابل 24,33 مليار دولار خلال نفس الفترة من 2014 أي بتراجع نسبته 42 بالمئة حسب معطيات المركز الوطني للإعلام الآلي والإحصائيات التابعة للجمارك. أما الواردات فقد بلغت 07,27 مليار دولار خلال نفس السداسي مقابل 07,30 مليار دولار خلال السداسي الأول من 2014 أي بانخفاض 89,9 بالمئة وهكذا غطت الصادرات 71 بالمئة من الواردات خلال السداسي الأول مقابل تغطية بلغت 111 بالمئة خلال نفس الفترة من السنة الماضية، هذا العجز يظهر أن هناك خللا في الإجراءات التي تتخذها الحكومة ما يعني أن الاستيراد العشوائي لا يزال موجودا خاصة وأننا لم نسمع عن تقلص فاتورة استيراد "الخردة" من الصين ولا فاتورة استيراد "الشيفون" من تركيا كما لم تسع الحكومة لتقليص فاتورة استيراد مواد أخرى تعتبر من أهم المنتوجات المحلية على غرار التفاح واللوز ومواد أخرى، ما يعني أن سياسية تنظيم الاستيراد تبقى مجرد "بريكولاج" فرضه الوضع الحالي ويدفع ثمنه المواطن الجزائري الذي حرم من العديد من المنتجات صنفتها الحكومة في خانة الكماليات، كما أن سياسة "تنظيم الاستيراد وتقليص فاتورته" تبقى غير مجدية أن لم تقابلها تنشيط للصناعة الداخلية من أجل تعويض الاستيراد وتشجيع المنتوج المحلي من أجل الرفع من نسب الواردات وتحقيق بعض التوازن في الميزان التجاري بالنظر إلى انخفاض الإيرادات بصورة كبيرة بفعل تراجع أسعار المحروقات.
س. زموش

من نفس القسم الوطن