دولي

إبداعات حماس

القلم الفلسطيني





في مقال لهما نشرته جريدة "الواشنطن بوست" الأمريكية واسعة الانتشار كتب اثنان من المحللين العسكريين توصيفا للأداء العسكري لكتائب القسام - الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" بأنها "الأكثر احترافية والأكثر مهارة على كوكب الأرض، وذلك بعد المعارك الأسطورية التي خاضتها ضد الجيش الصهيوني الذي يصنف على أنه خامس أو سادس أقوى الجيوش في الكون، وبحسب المقال فإن "حماس" تطورت كثيراً عام 2008 أثناء العملية" التي أطلقت عليها المقاومة اسم "معركة الفرقان" وفي ضوء هذا المقال وما خلص إليه؛ أقول:
ليست المواجهة العسكرية وفروضها المادية والنفسية وما نتج عنها على أرض الواقع هي كل ميزة حماس وإن كانت هي الأهم بالنسبة لها كحركة مقاومة نصبت نفسها لهذه المواجهة وصارت أهم نجاحاتها ما تحققه من تكسير وإفشال لمخططات وحروب العدو، وهي الأهم بالنسبة للكاتبيْن ذويْ الثقافة والاهتمام العسكري؛ لكن إبداعات حماس وقوتها وتفوقها – في تقديري - أبعد مدى وأكبر أثراً من أن تختزل في سبب واحد أو في محصّلة نهائية واحدة. والحقيقة أن حماس – وكتائبها – قد أبدعت في مواجهة العدو وفي تكسير هيبته وفي تجاوز فروق القوة النسبية معه لعدد من الاعتبارات؛ أحدها الذي تناوله المقال المشار إليه.. لكن إذا أردنا أن نلتفت إلى الأسباب التي أدت لهذا التفوق الذي تتمتع به حماس وأوصلتها إلى الجدارة والحرفية – كما أشار المقال - فإننا حينئذ لا نتجاهل جملة حقائق تعلقت بها قوة حماس وإنجازاتها.. وأهمها من وجهة نظري: أولاً: أن حماس صاغت علاقة صحيحة مع الشعب الفلسطيني وطورت خطاباً إعلامياً يستوعب كل الشعب الفلسطيني؛ خطاباً إسلامياً عمومياً وطنياً جامعاً وقومياً صريحاً بعيداً عن لغة الفئوية والفصائلية والتلاوين الفقهية والخلافية، وبعيداً عن الإسلامي العائم على بحر التناقضات التأويلية والفقهية والسياسية.. ومن خلال تقديمها استراتيجية إعلامية تعالج كل عناوين الصمود وتتناول اعتبارات المقاومة، وثوابت القضية، وتبرير المقاومة، وحشد الرأي العام لدعم جهودها.. هذه العلاقة حاول العدو وأذنابه دائماً تشويهها مرة بالحصار التحريضي ومرة بالفتن الداخلية ومرة بالدعايات المسمومة لكنها ثبتت واستقرت أمام هذه المحاولات التي باءت بالفشل بقدر ما فشل العدوان نفسه. ثانياً: أن الصورة الأخلاقية العامة لحماس جمعت كل أسباب النصر والثبات من ارتباط بالعقيدة الصحيحة والتزام بالفكر الراشد والسلوك المحترم والتزام المبادئ والتمسك بالثوابت في حين أن غيرها يعانون التهرؤ وصاروا يساومون على كل شيء وصار التميع السياسي والكذب لديهم ذكاء وواقعية وفذلكة.. 3- وإعادة حماس القضية إلى بعديها الإسلامي والعربي وإعادتها المعركة لرايتها وشعارها الموضوعي وربطها بتاريخ الصراع صفْوا من النعرات وخلْوا من الجاهليات والتغريبيات والتشريقيات في زمن يعج بالصراعات القومية والإثنية والمذهبية التي تقسم الأوطان المتحدة وتفكك القيم المؤتلفة. ثالثاً: أنها جمعت بين أربع تقنيات؛ تقنية الجيش التقليدي وحيازة وتركيز مناطق نفوذ، وتقنية حرب العصابات بمنطق الكر والفر والمبادرة والمناورة، وتقنية صناعة الجندي الممتاز عقيدة وقيماً وسلوكاً ودربة، وتقنية الذاتية في التسلح والقرار وعدم الخضوع لاعتبارات الديبلوماسية المحكومة بالقوى الإقليمية وسياسة المحاور.. هذه التقنيات التي جمعتها حماس وكتائبها المقاتلة هو ما لم تحمله نظمنا الرسمية حتى الآن على محمل التنبه والجد ونحت بدله إلى الخوف من جيش العدو والهبوط أمامه وأحياناً إلى الدنية والمؤامرة معه. رابعاً: يضاف إلى ما سبق أمر في غاية الأهمية وهو متعلق بالعدو ذاته وكينونته النفسية والفكرية وهو ضعف جبهته الداخلية أمام الخسارات، فالصهاينة إنما يأتون للكيان بدافع تحسين أوضاعهم ودعم مشروعهم السياسي المنتصر أكثر من أن يكونوا مؤمنين بالتضحية والفداء أو طامعين بالفوز بالجنة أو مؤمنين بحق تاريخي.. لذلك وجدنا العدو لا يحتمل أسر جندي واحد، ووجدنا المستوطنين وهم الأكثر بين الصهاينة تزمتاً وتطرفاً يسعون في كل الحروب والأزمات الأمنية للهجرة المعاكسة.. آخر القول: أن حماس اليوم هي التجسيد الواقعي لقول الله تعالى في سورة الصافات (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون) وما وفقت إليه فيما مضى حقيق أن توفق إليه فيما يأتي أن ظلت على ما عهدناها وهذا حري أن تحرص عليه وأن تعتز به.
عدنان سليم أبو هليل

من نفس القسم دولي