دولي

"أونروا" والسلطة والعقل الاستراتيجي الفلسطيني

القلم الفلسطيني




 تخرج علينا بين الحين والآخر مشاريع مبتكرة تهدف إلى تفريغ "أونروا" من مضمونها سواء من خلال خنقها ماليا أو محاولة الاستيلاء على وظيفتها، وإضعاف مركزها القانوني كضامن لحق العودة. ومن هذه البرامج مشروع رئيس الوزراء الكندي الأسبق «ستيفن هاربر» الذي كان يجوب البلدان العربية من دول الطوق في محاولة لرسم معالم مشروع يهدف إلى تهجير اللاجئين الفلسطينيين، وخصوصا من لبنان إلى كندا، ومشاريع أخرى تارة فرنسية وأخرى بريطانية تحت عناوين أن الأجدى أن تبذل هذه الأموال والجهود لإعادة الفلسطينيين إلى أرضهم المحتلة سواء في أراضي 67 أو 48، أو أن توجه الأموال والجهود كحد أدنى لدعم «أونروا» التي لازالت تعاني من عجوزات مالية تهدد قدرتها على تقديم الخدمات للفلسطينيين اللاجئين في قطاع غزة والضفة ودول الطوق «الأقاليم الخمسة».
محاولات لا تتوقف لنقل مهام "أونروا" لتتحول إلى جزء من مهام الدول والمؤسسات الرسمية العربية تحت عناوين متعددة وبرامج متنوعة، خصوصا بعد أن تحولت "أونروا" إلى رمز وكيان قانوني يعبر عن حق الفلسطينيين بالعودة، وأداة من أدوات الصمود في قطاع غزة والضفة ومناطق اللجوء، والأهم من ذلك شريان حياة يساعد على صمود الضفة والقطاع في ظل الحصار المالي والاقتصادي الذي يعانون منه.
"أونروا" ونتيجة للنضال الفلسطيني المتواصل تحولت من أداة لتوطين الفلسطينيين إلى أداة للتأكيد على حقهم في الأرض والعودة، لا يختلف حالها عن حال السلطة الفلسطينية التي أنشئت بموجب اتفاق "أوسلو" لتصفية القضية الفلسطينية، لتتحول بفعل النضال الفلسطيني شيئا فشيئا إلى أداة محتملة لمقارعة الاحتلال في الضفة وغزة.
الأولى بالدول الأوروبية والغربية المتحمسة لمعالجة معاناة الفلسطينيين دعم هذه المؤسسات ماليا بدل بذل الجهود لمحاولات خنقها واستبدال أدوارها بأدوار هزلية هنا وهناك، فإنشاء الجمعيات والمؤسسات المدنية لخدمة المجتمع الفلسطيني في الضفة والقطاع والشتات شأن فلسطيني بحت، وعلى الدول الغربية ألا تحاول استثماره بطرق ملتوية، وإذا أرادت دعمه فإن بإمكانها تعزيز التمويل لـ"أونروا" للقيام بهذا الدور بدلا من محاولات "التذاكي" والالتفاف عليها. شطب "أونروا" من القاموس السياسي والقانوني والاستيلاء على مهامها المقررة قانونيا، لا يقتصر خطره على زيادة معاناة الفلسطينيين اقتصاديا واجتماعيا، أو على تحطيم الأجسام القانونية القادرة على تأكيد حقهم بالعودة، بل إنها تمتد إلى محاولة نقل الصراع العربي مع الكيان الصهيوني إلى الساحات العربية من خلال دخول الفلسطينيين في مواجهات سخيفة هنا وهناك مع أطراف لا تملك وعيا سياسيا أو تفكيرا استراتيجيا، وأكثر ما يميزها الضحالة، وهو ما يزهد به الفلسطينيون كثيرا في الماضي والحاضر، وتزداد حالة الزهد الفلسطيني ترسخا ونضجا يوما بعد يوم على وقع تطور حالة عدم الاستقرار والأحداث الدامية في العالم العربي. تعيدنا هذه القراءة إلى مناقشة أحوال السلطة، فالسلطة تحولت شيئا فشيئا إلى عبء على الكيان الإسرائيلي وتهديد حالها كحال "أونروا"، لذلك فإن الرؤية الاستراتيجية الفلسطينية لا تذهب نحو تصفيتها أو إسقاطها بل إلى دفعها للتكامل والتماهي مع المقاومة والانتفاضة الفلسطينية، كما تماهت أونروا مع الثورة الفلسطينية من قبل في مرحلة صعبة من مراحل الصراع في العقود الأربعة الماضية، وهنا تبرز أهمية المصالحة وإنضاج استراتيجية فلسطينية تتعاطى مع بقاء السلطة أو اندثارها. لابد من التذكير مرة أخرى في أن السلطة بدورها لا تختلف -في الأصل- من حيث الوظيفة الآخذة في التطور عن دور أونروا، غير أن ما يميزها القدرة على توظيفها لملاحقة الكيان الإسرائيلي قانونيا وجنائيا في أروقة المؤسسات القانونية الدولية، لتتحول شيئا فشيئا إلى كابوس لقادة الكيان بعد أن كانت «جنة عدن» التي حلم بها الاحتلال، وهي حتمية تاريخية مؤكدة فالخبرة والتجربة الفلسطينية الثرية طورت عقلا جمعيا استراتيجيا قادر على إعادة تكيفيها، وإعادة إنتاجها لتصبح أداة من أدوات المقاومة والمواجهة.
حازم عياد

من نفس القسم دولي