الوطن

تأخر تعديل الدستور يحرك المراقبين

بتصريحات إعلامية وزيارات حزبية واحتجاجات اجتماعية

 

  • فاعلون يتموقعون.. سفارات ترصد والشارع متوتر!



تميز الأسبوع الأخير بتحركات كثير من الفاعلين السياسيين وخاصة بعد صدور رسالة الفريق توفيق، والتي اعتبرت سابقة أولى من نوعها وما أحدثته من هزات داخل سرايا النظام قبل المعارضة وحتى من تحركات السفراء المعتمدين عند بعض الأحزاب، كما أن الرسالة أكدت وجود انسداد حقيقي بين مكونات النظام قبل الأطراف الأخرى، مما تسببت في بدايات تحركات لا تمر مرورا عاديا كالعثور على كميات من الأسلحة في العاصمة، وانطلاق حركات احتجاجية حتى ولو بشكل مختصر على غرار إضراب عمال مصنع سوناكوم برويبة وتوقف عمال النقل الحضري.
تتسارع الأحداث في البلاد بشكل يوحي بأن الترتيبات التي يقوم بها المقررون الجدد بدأت تتضح معالمها على الأقل من خلال استهداف إقصاء بعض القوى الوطنية التي اعتادت حضور مثل هذه الترتيبات، كما هو الحال بالنسبة لمجموعة الجانفيين التي تدفع مجموعة المرادية بقوة لأن يلتحق بهم الفريق المقال محمد مدين حتى يتم إبعاده نهائيا عن أي ترتيبات مستقبلية. وواضح من خلال تحركات أمين عام اأأفلان الذي بدأ يتواصل مع قوى أخرى لم تكن على صلة بالمرحلة السابقة وخاصة في دعم الرئيس بوتفليقة ضمن مسار ومسعى واضح هو الحشد الواسع ولكل التيارات ضمن أجندة واضحة عنوانها المعلن جبهة داخلية تتصدى للمخاطر المحدقة بالبلد، ولكن مضامينها غير متفق عليها ولا تكاد تظهر إلا بعناوين خافتة كإبعاد بعض الأسماء التي يبدو أنها رأت الساحة متاحة من أجل تسجيل طموحاتها والأمر يخص بالدرجة الأولى احمد أويحيى الذي بدوره لم يفوت الفرصة ويسجل حضوره عبر التأكيد أن الحكومة لا تقوم بدورها وأنها لا تحسن التواصل وشرح توجهاتها.
يحدث هذا في وقت يمارس فيه غريمه التقليدي الشعبوية المضرة بالبلاد وإمكاناتها الظرفية، حتى يقنع من بيده الأمر أنه لا بديل واقعي غيره رغم علمه المسبق أن مبادرة الأفلان جاءت ومن أهدافها قطع الطريق عليه دون غلقه نهائيا ولكن كمؤيد وليس كقائد أو مؤطر، ويبدو أن لعبة القط والفأر ستستمر لفترة الحسم النهائي بين الرجلين أويحيى وسعداني لأنهما في النهاية سيقبلان خيار القوى النافذة مهما كان الأمر فهكذا كانت عاداتهم دوما.
هذا الحراك داخل قوى السلطة ترجم الخلاف المركزي الموجود بين الفاعلين الأساسيين الذين كانوا عُراب الرئيس بوتفليقة ومن وثقوه في عهداته الأولى وأن الخريطة المتفق عليها في البداية بدأت تتحول إلى عكسها، ففي الوقت الذي كان إبعاد شبح لاهاي على المتسببين في الأزمة أحد عناصر خريطة الرئيس أصبح اليوم إدخال والتلويح بالسجن لكل جنرال يمكن أن يقول لا او يتحفظ على المسار المتبع، ومن شأن مثل هذه الإجراءات التي أفرزت لحد الآن ثلاثة جنرالات مسجونين والقائمة قابلة للاتساع أمر غير مسبوق وله تداعيات كبرى مهما حاول البعض التقليل من حجمها وانعكاساتها على جميع مستويات أجهزة الدولة، وتكون قد أفرزت إرباكا في التحركات والمواقف والتعاطي مع مختلف المبادرات والتصريحات القائمة وتعرض "إنجازات" المراحل السابقة إلى النسف بحكم الشراكة القائمة سابقا.
إن التلويح بتحرك ضباط سابقين في جهاز الدياراس والرسائل الإعلامية التي تحوم حولها شكوك كبيرة حول كاتبيها أمام تسريبات عن أسماء مهمة ومسؤولة ضمن مسعى التشكيك في وطنية وكفاءة الفريق توفيق ليس كشخص فقط وإنما كقوة توازن داخل سرايا النظام في هذه المرحلة الانتقالية، كلها عوامل تؤكد خطورة الوضع وعدم وجود سيطرة حقيقية ولا ترتيبات متفق عليها كما كان الشأن في تقاليد النظام الجزائري من قبل والتي مكنته من تجاوز أخطر المراحل والضغوطات الدولية.
هذا الوضع دفع بالسفارات الأجنبية بالجزائر إلى أن تتحرك يمينا ويسارا من أجل الرصد والقراءة المتباينة للوضع وهو ما ترجم أن أحد السفراء الأوروبيين وفي زياراته لأحد الأحزاب المؤيدة للرئيس يبدي ملاحظاته حول الوضع وقلقهم من عدم خروج وثيقة الدستور التي وعد الرئيس بها لحد هذه اللحظة، رغم أن هذا السفير حرص بأن يقلل من شأن تحركات مجموعة تسعة عشر وحتى من ثقل رسالة الفريق توفيق، ولم تكتف السفارات التي تنسق أدوارها وخاصة الغربية منها في تعدد المصادر من المعارضة إلى الأحزاب المحسوبة على السلطة إسلامية ووطنية وعلمانية، حرصا منها على الرصد الواقعي لمجريات الأحداث في البلاد أمام تزامن الترتيبات الدولية لحل الأزمات في بعض الدول العربية كما لم يغب عن السفارات محاولة فهم مؤتمر المعارضة القادم ومدى جديتها في التحضير إليه وتوسع قواه ومكوناته.
أحزاب المعارضة هي الأخرى تسعى إلى تأجيل خلافاتها والاستمرار في الاجتماع على الحدود الدنيا، ورغم التباين حول المؤتمر القادم بدءا من تاريخ انعقاده إلى الجديد الذي يمكن أن يحصل في محتواه إلا أن أغلب القوى مدركة لحجم التطلعات التي يضعها الرأي العام الوطني في نجاح مسعى المعارضة وتفويت الفرصة على السلطة التي راهنت دوما على فشل هذه الأخرى وعدم قدرتها على تقديم بديل حقيقي مقاوم ومستمر.
يحدث هذا في وقت يبقى فيه الشارع الجزائري منهكا بالحديث عن التقشف وتعطل المشاريع وخائفا من مخرجات قانون المالية لسنة 2016 وتداعيات ذلك على قدراته الشرائية وربما أيضا تحطم آماله في نيل السكنات الموعود بها رغم محاولات الطمأنة المتكررة وخاصة ممن يشرفون على قطاع السكن والصحة والتعليم، إلا أن التجربة واستمرار هوة الثقة هي التي تساهم بشكل كبير في الاحتقان الاجتماعي والتوتر والقلق أمام استمرار تغييب النقابات المهنية والعمالية من طرف السلطات مما يجعل الحلول التي يمكن أن يلجأ إليها الشارع هي تلك التي أمنّت لها في الفترة السابقة مكاسبه اليوم

سليمان شنين.
 

من نفس القسم الوطن