دولي
ترف على هامش الانتفاضة
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 09 ديسمبر 2015
**
ما يزال هناك من يتعامل مع الانتفاضة وفق تصوّرات رومانسية تجاوزتها المرحلة الحالية ولم تعد تستوعبها تطوّراتها الآنية، ومن ذلك التكرار الدائم لمقولة حاجة الانتفاضة لقيادة موحدة تدير شؤونها وتطوّرها، أو على الأقل تحافظ على استمرارها.
للوهلة الأولى يبدو هذا الطرح جذاباً ومعقولاً بل ومطلوبا، لكنّ تجاوز السطح إلى جوهر القضية لا يلبث أن يجعل منه مجرد كلام عام لأغراض الاستهلاك الإعلامي، ولا يلبّي حاجة الواقع، وليس قابلاً للتحقّق لأسباب وظروف عديدة. فأول لبنة من لبنات (القيادة الموّحدة) هو أن تكون جميع الفصائل التي سيشملها الائتلاف الموحّد متوافقة على ضرورة استمرار الانتفاضة وعلى كونها المخرج الوحيد من الجمود الحاصل على مختلف مسارات القضية الفلسطينية. لكن الحال ليس هكذا بكلّ تأكيد، إذ لدينا فصائل محسوبة على السلطة وعلى رأسها حركة فتح المرتبطة بالسلطة ارتباطاً وثيقا، وهي لم تكن أبداً معنية بتفجّر الأوضاع في الضفة بل عملت على منع أو تأخير الوصول إلى اللحظة الراهنة، فيما تجري خلف الكواليس محاولات حثيثة لإجهاض الانتفاضة والتخفيف من وتيرة مختلف أشكالها؛ شعبية ومسلحة، لأن الهدوء على ساحة الضفة كان ولا يزال ضامن بقاء السلطة وتعزيز قوّة حركة فتح وأجهزتها الأمنية، وهو رهانها لإحكام سيطرتها على جميع مناحي الحياة فيها. أما بالنسبة لفصائل المقاومة وتحديداً حركتي حماس والجهاد، فهما معنيتان بالانتفاضة أكثر من غيرهما، ليس فقط لأنها تتقاطع مع مشروعهما المقاوم، بل كذلك لكونها –في حال تصاعدت- ستساهم في تخفيف حالة الخنق التي تعيشها الحركتان في الضفة، وستفكك القبضة الأمنية الممسكة برقبة المقاومة، وتوفر لهما ظروفاً أفضل لاستئناف العمل المسلح بصورة منظمة ومكثفة.
وفي ظل هذا الواقع، يبدو من المستحيل جمع كلّ البيض الفلسطيني في سلّة واحدة كيفما اتفق، فالخلاف لم يعد متعلقاً بتخيّر مسار التحرير المعتمد من قبل كل جهة أو تيار، ولم يعد الهدف الجامع لكلّ المكونات الفصائلية إنهاء الاحتلال، حتى لو وجدنا من يمارس خطاباً وسلوكاً مزدوجاً في هذه الانتفاضة فيظهر بمظهر الحريص على الانتفاضة رغم أنه عملياً ما زال يوجّه لها طعنات متتالية في ظهرها.
يُضاف إلى ذلك أن العمل العلني في قيادة الانتفاضة وتوجيهها لم يعد ممكناً ولا مناسبا، وأية قيادة سيتم تشكيلها سيجد أعضاؤها أنفسهم في اليوم التالي في سجون الاحتلال، هذا إذا سلموا من ملاحقات السلطة، وحالة الضفة لا تُتيح توفير بدائل مناسبة بعد كل ضربة، لأن الضفة اليوم ليست كحالها عام 1987 وما تلاه.
ما تحتاجه هذه الانتفاضة لتستمر ينبغي اجتراحه من فهم طبيعتها وملامحها المتميزة، وهي قطعاً مختلفة عن سابقاتها، وبالتالي فما كانت تحتاجه الانتفاضتان السابقتان قد لا تحتاجه الحالية بالضرورة، وما يصلح لسابقتيْها قد لا يكون صالحاً الآن، وحسن النوايا وحده لا يكفي لتقديم طروحات تبدو برّاقة في ظاهرها لكنها غير ممكنة ولا مطلوبة، ولذلك فمن يملك أن يمدّ الانتفاضة الحالية – غير العارمة ولا الشعبية حتى اللحظة – بعوامل تمنحها الزخم والديمومة وتحميها من التلاشي فدونه الميدان، عملاً وتنظيماً وتخطيطا، أما التنظير المتعلّق بالمطلوب فيسعُ كل شخص أن يقدّمه من مكانه، فليست هنالك وصفة لم تُكتشف بعد وتحتاج من يُخرجها للنور أو يشير لها، خصوصاً حين يكون الفعل وحده سيّد الموقف، الفعل المباشر المجرّد من الحسابات والتعقيدات والتنميطات النظرية كلّها.
لمى خاطر