دولي

معبر رفح.. وحقيقة المؤامرة

القلم الفلسطيني





كثيراً ما ينتظر الفلسطينيون بشغف فتح معبر رفح البري، في كل وقت وحين، للتخفيف من حدة الأزمة المتفاقمة في القطاع، بتراكم أعداد المسافرين أصحاب الحاجات الملحة للسفر لأكثر من 25 ألف حالة إنسانية استثنائية.
 حالات يغلب الظن فيها أن أكثرها ممن تفشى المرض في أجسادها، وطرقت أبوابهم لعنات الأوجاع والآلام بكافة صورها وأشكالها، وطلاب فاتت عليهم مقاعد الدراسة ونفضوا جيوبهم للالتحاق بجامعاتهم في الخارج، ناهيك عن أصحاب الإقامات المنتهية الذين ترفضهم الدول عودتهم لحضن أبنائهم وزوجاتهم، بالإضافة لأصحاب الجنسيات الخارجية الذين أرغمهم حنين الوطن للعودة لارتشاف جرعة مريرة مع عوائلهم، والحكاية تطول بها السطور للسرد. ليس هناك اختلاف ولا تباين في أن مصر المسئولة عن معاناة المواطنين في غزة، وتكدس الآلاف في سجلات السفر، كما أن هناك إجماعا واحدا بالقول أن الاحتلال وحصاره الذي يناهز عامه العاشر المسئول الأكبر عما يحدث من أزمات متلاحقة بالقطاع. لم ولن يستثنى معبر رفح من صراعات الأطراف الفلسطينية التي تتناوب على توجيه أصابع الاتهام بإفشال الحلول، التي من المؤكد أنها حلول ضبابية لن تفي يما يتمناه المواطن من تسهيلات وحرية بات مصيرها مجهولا. صراعات متواصلة، دون أي حلول في الأفق، تضمن فتح المعبر بشكل دائم وكامل، ففتح أقصى مُناها تسلم المعبر، في وقت تبدي حماس المرونة الكاملة، أما واقع الحال يبقى المعبر قضية معلقة، وما يدور داخل الدواليب السياسية أعظم وأكبر سوءاً مما يراه المواطن. في فتح المعبر الأخير، كُشفت القضية وبانت ملامحها، وسقط القناع عمن يدّعون فوق الطاولة مصلحة المواطن، وتحت الطاولة يدسون المكائد ويضعون الخطط لإظهار أنفسهم مظهر الطاهر النقي، فلم يألوا جهداً أن يفتخروا بجهودهم لفتح المعبر، بعد 100 يوم من الإغلاق. جهود في ظاهرها تخفيف الأزمة التي تتفاقم في غزة، أما في باطنها إلقاء الكرة في ملعب الحاكم في غزة، وإظهاره بمظهر السوء أمام المواطن المحاصر المكلوم الذي ينتظر فتاتاً من الفرج، من خلال الاتفاق على فتح المعبر بالشكل المفاجئ الذي أُعلن. إعلان أسقط مصر والمتآمرين في أخطاء واضحة، أولها أن الإعلان تجاوز للبروتوكول المعمول به بين مصر والجانب الفلسطيني على أن يتم الإبلاغ قبل أيام كما المعتاد كي يتسنى تنظيم عملية السفر وتجهيز سجلات المسافرين، دون معوقات. ثانيها: ما ظهر من إرباك واضح في عملية تجهيز سجلات السفر واستدراك وزارة الداخلية بغزة نفسها لوضع الأولوية لأصحاب الحاجات الملحة للسفر، ولكن رغم ذلك طفت المشكلات على الساحة والاحتجاجات وحالة الاستنكار والغضب الشديدين في صفوف المسافرين، جراء قيام مصر بإجبار الجانب الفلسطيني على تسفير أصحاب التنسيقات المصرية الخالصة -الذين دفعوا الأموال الطائلة لجهات فلسطينية مصرية متنفذة- وإهمال الحالات الإنسانية التي تنتظر دورها. ثالثها: نظام المقايضة الجديد الذي استخدمه مسئولو التنسيق المصري مع دائرة التنسيق الفلسطيني، بطلبهم حافلات التنسيقات مقابل تسفير فتات الأعداد من الحالات الإنسانية، الأمر الذي خلق حالة من التخوف لدى التنسيق الفلسطيني بتنفيذ الطلب المصري ومن ثم إغلاق المعبر والاكتفاء بحافلات التنسيق، لذلك حدثت الجدالات والمناكفات التي بسببها توقفت عملية السفر لساعات طوال. ومن هنا بدأ استكمال الدور؛ احتجاجات تدعو لها أطراف مجهولة، ودفع المسافرين للتدافع تجاه بوابات المعبر لخلق حالة من الاحتقان والمشاحنة، يقوم على إثرها المحرضون بتصوير الحدث، واستغلال بعض المشاهد التي تؤجج حالة الاحتقان والغضب. نشطاء الإعلام ومغردون كانوا جزءاً من الذين استغلتهم أطراف فلسطينية لاستكمال مسلسل الإدانة لمن يدير معبر رفح، وتشويه الصورة الناصعة التي دأب مديرو ملفات المعبر على صناعتها سنوات طوالا، في ظل انعدام الاستحقاقات والإمكانيات، فجهدوا وجاهدوا أنفسهم على إظهار الحالة التي صنعها المتآمرون مسبقاً، (الرشاوى والواسطات وعدم الشفافية والمحسوبية وتقاضي الأموال الطائلة)، والمتهم في قفص المؤامرة. السفارة الفلسطينية في مصر كالحاضر الغائب، لكن قناع صمتها سقط مع حالة المؤامرة القائمة مع الأحداث التي تدور داخل أروقة المعبر، فهم يكتفون بالمشاهدة والانبهار بالنجاح الذي حققوه في حملة التحريض التي يشرفون عليها مباشرة من القاهرة، والهدف إضعاف الثقة بين حماس والمواطن. رضخت حماس لإملاءات السلطات المصرية وقبلت بنظام المقايضة؛ حرصاً منها على مصلحة المواطن والتخفيف من أزمة السفر التي تتكدس أمام بوابات المعبر، فقامت بإدخال حافلات التنسيق، والتي قابلها الجانب المصري ببدء تسفير كشوفات سفر اليوم الثاني في ساعات متأخرة من الليل. وهنا اكتملت الحكاية التي حاكها المتآمرون بدقة متناهية، لكن الفصل الأخير منها كان بإعلان الجانب المصري عن بحثه عن أحد الهاربين من باصات الترحيل في المعبر، لتكون ذريعة كي يقرر إعادة العالقين للقاهرة والتهديد بإغلاق المعبر. أُغلق المعبر وانتهى مسلسل الإدانات والاحتجاجات وترك خلفه المنتشون بالنصر الفاضح، الذي أسقط القناع عن كل المتنفذين خلف الكواليس، مناصفة مع جهات مصرية مستفيدة، وترك الباب موارباً للنشطاء كي يطلقوا الحملات المتواصلة، ليضعوا العنوان الأخير للحكاية، بضرورة أن يتم.
جمال عدوان

من نفس القسم دولي