الوطن

التوقيت والأطراف المقصودة من تصريح الفريق توفيق

بعد ردة فعل مرتبكة وغير متزنة



أحدثت أول خرجة إعلامية للفريق توفيق نقاشا واسعا في مختلف المنابر ووسائل التواصل الاجتماعي، كما سجلت ردة فعل مرتبكة لدى الأطراف التي وجه لها التصريح، ولم تتضح بعد الرسائل المشفرة التي بعثها مدير الأمن والاستعلامات لأكثر من خمسة وعشرين عاما حتى وإن كان المطلب الواضح في تصريح الفريق هو رفع الظلم على اللواء حسان وإخراجه من السجن.
الواضح من تصريح الفريق توفيق هو عدم التخلي عن مرؤوسيه وتقديم شهادته أمام حملات استهدفت قائمة طويلة من الإطارات الذين اشتغلوا تحت إدارته وأحيل أغلبيتهم على التقاعد، جزء منهم لم يبلغ حتى العقد السادس من عمره وفي توقيت جد حساس تمثل في غياب الرئيس الذي قد يكون وصل أمس للجزائر بعد زيارة خاصة لفرنسا لإجراء فحوصات روتينية، كما تأتي في ظرف يتميز في استمرار المجموعة 19 ناقص عدد قابل للتغير وفق تطورات الوضع، والتي تطالب بلقاء الرئيس مشككة في أنه ليس هو من يحكم البلاد وأن القرارات تتخذ من قوى أخرى غير الرئيس وهو وضع محير ومقلق.
تأتي الرسالة أيضا في ظرف قال عنه وزير الدفاع السابق اللواء خالد نزار إنه يتميز بصراع الأجنحة وعدم وجود تفاهمات داخل النظام بشكله القديم المتعارف عليه، وأكد هذا المعنى أمس رئيس الحكومة السابق مولود حمروش من باتنة أين اعتبر أن الوضع أخطر مما نتصور وهي عبارة تتردد في الأوساط والصالونات السياسية وداخل الأحزاب أيضا. في هذا الظرف والتوقيت فرسالة الفريق توفيق وبالنظر لماضي الرجل والتزاماته الوطنية واضح أنها جاءت لتبعد المؤسسات الأمنية من الخلاط وتصفية الحسابات وأنها ملتزمة بالقانون وتعمل وفق الصلاحيات المخولة إليها وهي رسالة موجهة لأطراف كثيرة داخليا إلى المؤسسة العسكرية التي لم تشهد فترة محاكمة جنرالات كما تشهده الآن، وبتهم كان يمكن التسامح معها وخاصة أنها مست ضباطا يشهد لهم الكثيرون بالكفاءة سواء من الداخل أو الخارج وضباطا قضوا عقودا من الزمن في خدمة بلادهم، ومثل هذه المحاكمات أصبحت تثير الكثير من التحفظات وربما حتى الرفض والإدانة، وتصريح الفريق يأتي ضمن هذا الإطار، وأسلوب التعبير عن توجه واسع داخل الجيش إن لم يدرك فسيكون له انعكاسات سلبية على البلاد واستقرار مؤسساتها.
المطالبة برفع الظلم على اللواء حسان ليست رسالة لبوتفليقة بقدر ماهي موجهة للجهات المخولة بصلاحيات العفو في القضاء العسكري، ويتعلق الأمر بمن يملك صلاحيات وزير الدفاع أو المفوض بها إضافة إلى المحكمة العسكرية، والأكيد أن الفريق توفيق يدرك الجوانب القانونية ولا ينطلق من فراغ ولا من رغبات شخصية في قضية لم ينف أحد ما تداولته وسائل الإعلام من خلال تصريحات المحامين التي أكدت كلها أنها ذات خلفية سياسية وليست قانونية.
الرسالة المشفرة الأخرى التي اتضحت من خلال تصريح الفريق توفيق أن اللواء حسان كان رئيسا لمصلحةٍ مؤسَّسةٍ وفقًا لمرسومٍ وتعملُ تحت مسؤولية الدائرة التي كان يشرف عليها وأنه سَيّر الملفات المكلف بها وِفق القواعد المعمول بها، أي باحترام مدوَّنة العمل والخصوصيات التي تستوجب تسلسلا عملياتيا موصًى به بشدّة في الحالة المعنية في إشارة واضحة للقضية المتابع بها اللواء حسان.
الرسالة تأتي لتعبر عن الالتزام بمحاربة الإرهاب سواء للواء المتابع أو المصلحة التي كان يرأسها مما يضع محاكمته محل تساؤل، هل هي لأخطاء أنكرها مسؤوله الأول وبددها، أم أنها محاكمة لتوجهات غير معلنة ولا معروفة تكشفها الأيام القادمة، والأكيد أن أطرافا دولية يعنيها مثل هذا الحديث وخاصة أن عملية مكافحة الإرهاب ليست ذات اهتمام وطني فقط بل أن عولمة مكافحة الإرهاب تجعل القوى الدولية الكبرى التي هي على علم بتفاصيل الأشخاص والجهات وحتى التجاوزات القائمة.
إن انشغال فرنسا مؤخرا بالتهديدات الإرهابية التي مست ترابها وجعلت الإليزي يقرر التوازن بين الحريات والأمن ويتخلى عن قناعات داخلية، هذا التغير الجذري في باريس له تبعات حتى ضمن المناخ الجيوسياسي لفرنسا، فلا يعقل أن تبقى المنظومة الأمنية التي بدأت تخترق ليس من الداخل الفرنسي وإنما من خلال اختيارات سياسية في الجوار والعمق الاستراتيجي، وباريس ربما تتلقى الرسالة بشكل أكثر برغماتية، وهو ما فسر الارتباك الذي ميز الإجابة المباشرة التي حملتها وسيلة إعلامية والتي تميزت أيضا بلغة فيها كثيرا من الغضب والتوتر وعدم التوازن، ربما لأن الرسالة بلغت بشكل واضح ومحدد للجهات التي يراهن عليها طرف داخل النظام في هذه المرحلة.
سليمان شنين

من نفس القسم الوطن