دولي

الاتجاه صوب التطوع والخدمة... مستقبل العمل النقابي الفلسطيني

القلم الفلسطيني

 

عندما تمت دعوتي لحضور مؤتمر التجمع الدولي للمؤسسات والروابط المهنية الفلسطينية في لبنان أواخر نوفمبر 2015 لم أكن متشجّعاً للمشاركة فيه نظراً لكثرة التجارب النقابية الفلسطينية ذات الانحيازات الحزبية الفصائلية التي كنتُ شاهداً على ميلادها وشيخوختها المبكرة ثم وفاتها قبل أن تحبو، ولم أكن متشجعاً أيضاً للحضور نظراً لحالة الجمود والترهّل والتبعية والفشل والشلل والإفلاس... التي أصيبت بها نقاباتنا؛ لكن شعار المؤتمر الذي حمل فكرة خدمة المجتمعات الفلسطينية في الشتات البعيد والقريب جذبني للاقتراب من هذا الكيان الجديد فلبّيتُ الدعوة، ثم أكرمني القائمون على المؤتمر بإدارة ورشة الكتاب والأدباء والتي خرجت برؤى وتوصيات جريئة لعلها تجد سبيلها للإقلاع. وبما أنني أنتمي إلى شريحة الكتاب والأدباء والمثقفين في التصنيف المهني فقد رأيتُ أن أتخصص هنا في الكتابة بما يعنيني ويعني هذه الشريحة الفلسطينية، فقد عانت هذه الشريحة من اغتيالات الأحزاب والسياسيين بالتدخل السافر في اتجاهاتهم الفكرية وتصنيفهم إلى موالين ومعارضين، وتكون الامتيازات على الولاء والخدمة، لذلك عاش الأديب والمفكر في ذيل السياسي الذي يتبع له ولم يحقق الاستقلال المنشود، وظل قلمه خادماً لسيده وإن خالف توجهاته الحقيقية. وكما عانت هذه الشريحة من التهميش والتبعية فقد عانت أيضاً في المعونة والكسب إذ أن هؤلاء في ظل سيادة الثورة وأولوياتها السياسية والأمنية والعسكرية والإعلامية والتنموية لم يكن لهم مكان إلا إذا اشتغلوا مع جهة ذات أولوية إذ لا وقت في منطق الثورة للكلام كما كان يتصرف بعض من تسيّدوا على بعض مربعات الثورة في بعض الحقب! الجديد في المؤتمر أنه يهدف إلى خدمة هذه الشريحة وتمكينها من رعاية نفسها والاهتمام بحاجاتها، إضافة إلى تمكينها من خدمة التجمعات الفلسطينية في مجال اختصاصها من خلال آلية تنسيقية فاعلة. وفوق ذلك كله فهذا التجمّع لا ينحاز سياسياً ولا يتبني مواقف سياسية مباشرة إذ يستند إلى قيمة الوطن وإلى قيمة التحرير بغض النظر عن الانتماء الفكري والسياسي ما دام الوطن الكبير في مستوى عينيك، وقدّم التجمّع نفسه على أنه إطار تنسيقي فاعل ليس بديلاً عن أحد وليس خصماً على أحد، بل إنه إضافة وامتداد لتاريخ فلسطيني ثري من العطاء النقابي الوطنيّ؛ وهو بهذا الفهم لن يدخل في صخب البحث عن الشرعية، أو يصطف في صفوف منتظري الأدوار في الاتحادات والنقابات الشبيهة، فهذا التجمع جزء من الحركة النقابية الفلسطينية وهو أوسع منها في الوقت نفسه لأنه تجرّد من مستوى الفكر السياسي المحدود إلى مستوى الخدمة العامة، أي أنه فضّل العمل مع الجماهير مباشرة وبينهم. لقد عانينا كثيراً من صعوبات تأليف وجهات نظر الفرقاء في نقاباتنا المختصة بالأدباء والأدباء والفنانين، وعانينا من تغوّلات القطاعات الأمنية والسياسية عليها، واشتراطات أصحاب النفوذ عليها، وقد أن الأوان لنتحرر من تسلّط مفردات التكتيك الخاضع للظروف لنحلق في فضاء الاستراتيجية القيميّة الثقافية، وأن نفرّ من منطق المكاسب الشخصية والتكتيكية والحزبية إلى مفاهيم التطوع والخدمة والبذل والتواضع لشعبنا الصامد العظيم، فهذا أكرم هديّة نقدّمها لهذا الشعب الذي تفضّل علينا بكل هذا الحضور والاستنفار.
إنني أشعر اليوم أنني أمام تجربة جديدة أرجو أن تتهيّأ لها فرصة النجاح والالتفاف، وأرجو أن يرحمنا ذوو المواقع والمناصب من تخرّصاتهم واستنتاجاتهم الناظرة بعين حولاء أو عوراء، وأن ننضم جميعنا إلى فضاء الخدمة المباشرة للجمهور الفلسطيني مع هذا التجمع أو أي إطار خدميّ آخر فالحقل الواحد يتسع للكثير من الزهور ويقبل جميع ألوانها الجميلة... المهم أن تكون زهرة فلسطينية زاهية الألوان فوّاحة العطر.


د. أسامة الأشقر

من نفس القسم دولي