الوطن

خبراء: تخلف المنظومة البنكية يعمّق من الأزمة الاقتصادية التي تشهدها الجزائر

رغم حديث الحكومة عن مساعٍ لتطويرها



•    سراي: التعاملات البنكية في الجزائر من أوجه البيروقراطية التي تقف أمام الاستثمار
•    بوجمعة رشيد: بقاء المنظومة البنكية متخلفة سيسمح لمزيد من النهب والفساد المالي

لا تزال المنظومة البنكية في الجزائر تعاني التخلف خاصة إذا تحدثنا عن البنوك ذات الطابع العمومي التي تسيطر على حوالي الـ 80 بالمائة من التعاملات... هذه التعاملات التي يطبعها في أغلب الحالات بطء كبير في وتيرتها بسبب الطرق والأساليب التقليدية التي لا تزال هذه البنوك تتبعها، فرغم حديث الحكومة مؤخرا ووزارة المالية عن مساعٍ لتطوير هذه المنظومة، إلا أن الوضع لم يتغير بعد، ما يجعل المواطن يفضل اكتناز أمواله في البيت على فتح حساب بنكي، ويجعل كل حديث عن استرجاع رؤوس الأموال المتداولة في السوق السوداء والمكتنزة أمرا جد صعب إن لم نقل شبه مستحيل قبل إجراء إصلاحات حقيقية لتطوير القطاع البنكي والمصرفي.
لا تزال أغلب البنوك في الجزائر ذات الطابع العمومي تفرض على زبائنها إجراءات جد معقدة بعيدة كل البعد عن متطلبات التطور التكنولوجي الذي يعرفه القطاع المصرفي على المستوي الإقليمي والدولي، ما جعل الفرق شاسعا في التعاملات بين البنوك العمومية والمصارف الخاصة في الجزائر قبل أن نتحدث عن الفرق بين البنوك في الجزائر وباقي دول العالم، ففي الوقت الذي بلغت فيه العديد من البنوك في عدد من الدول العربية مستوى رقمنة المعاملات المصرفية، والتي يتمكن من خلالها الزبون إجراء عمليات السحب والإيداع عن طريق الإنترنت دون الحاجة للتوجه إلى شبابيك الوكالات البنكية، لا تزال المعاملات البنكية في الجزائر تسير بخطى "السلحفاة"، بل أن بعض البنوك العمومية تفرض على الزبائن الانتظار لمهلة 24 ساعة لسحب أموالهم، فيما تفرض بنوك أخرى على الزبون إجراء معاملاته على مستوى وكالة واحدة دون سواها لأن حسابه البنكي تم فتحه على مستواها هذا دون الحديث عن الفوضى التي تعيشها أغلب البنوك وضعف تكوين عمالها، وإطاراتها سواء من الناحية المهنية-التقنية أو من ناحية التعامل مع الزبائن ودون التطرق لضيق أغلب مقرات البنوك وكذا الاكتظاظ الذي تشهده طيلة أيام الأسبوع، خاصة وأن البنوك العمومية تعمل بدوام 5/7 أيام ومن الساعة التاسعة صباحا حتى الساعة الثالثة والنصف زولا وهو ما يحرم الزبون من توافر الخدمة واستمرارها على مدار الساعة.

•    بوجمعة رشيد: بقاء المنظومة البنكية متخلفة سيسمح لمزيد من النهب والفساد المالي

وفي هذا الصدد قال المحلل الاقتصادي والمالي بوجمعة رشيد في تصريحات لـ"الرائد" أن التخلف الذي تشهده الجزائر فيما يخص الخدمات المصرفية محير، مضيفا "حقيقية يمكن أن يكون للظروف السياسية والاقتصادية التي عاشتها الجزائر في الخمسين السنة الأخيرة علاقة بما تعرفه المنظومة البنكية من تخلف، لكن ماذا ينتظر المسؤولون من أجل تطوير وتحديث هذه المنظومة الذي يؤثر تخلفها حتما على الوضعية الاقتصادية وحجم الاستثمارات". وأضاف بوجمعة أن بقاء المنظومة المصرفية تسير بهذه الطريقة التقليدية المؤسسة على طرق ومكنزمات أوائل القرن الماضي يعد بيئة صلبة تسمح بمزيد من الفساد المالي، وشخص بوجمعة أسباب تخلف المنظومة البنكية في الجزائر إلى عدد من الأسباب وعلى رأسها تسيير المؤسسات المالية من طرف أناس غير مؤهلين بشكل كافٍ وهو ما يحول دون تسيير مواكب للتطورات على مستوى هذه البنوك، ويجعل تسيير البنوك كمؤسسات إدارية عمومية بعيداً عن فلسفة المؤسسات الاقتصادية المطالبة بتحسين السلع والخدمات لجني الأرباح وتقليص المخاطر. وأشار بوجمعة أن الزبون عند ولوج فرع بنك في منطقة من مناطق الوطن يشعر وكأنه دخل مصلحة للحالة المدنية أو ما شابهها وأن أي خدمة ستكون إما رديئة أو مبنية على "معريفة". من جهة أخرى ومن بين الأسباب التي يراها بوجمعة ساهمت بشكل مباشر في تخلف المنظومة البنكية في الجزائر الحفاظ على الطابع العمومي لأغلبها وعدم فتح المجال للبنوك الخاصة للنشاط في الجزائر منذ مدة، الأمر الذي ألغى مبدأ التنافسية التي تلد منتوجات وخدمات جديدة تطور القطاع، بالمقابل حمّل بوجمعة الوزراء المتعاقبون على وزارة المالية المسؤولية بمعية البنك المركزي الذي يتحدث كل مرة عن تطوير المنظومة دون أي إجراءات واقعية وملموسة.
•    سراي: التعاملات البنكية في الجزائر من أوجه البيروقراطية التي تقف أمام الاستثمار

من جهته قال المحلل الاقتصادي عبد المالك سراي أن التعاملات البنكية في الجزائر لا تزال متخلفة وتعد شكلا من أشكال البيروقراطية التي تقف عائقا أما تطوير الاقتصاد الوطني والاستثمار، مضيفا من غير المعقول أن يتحدث مسؤولو وزارة المالية والبنك المركزي عن إجراءات لاسترجاع رؤوس الأموال المتداولة خارج القنوات الرسمية دون الحديث عن تطوير هذه القنوات الرسمية وجعلها أكثر مرونة. وقال سراي أن الخدمة البنكية بالجزائر وخاصة الإلكترونية منها غير متنوعة فالبنوك بالجزائر يضيف سراي لا تعرض سوى نوعا واحدا من البطاقات البنكية، على سبيل المثال وهي بطاقة السحب البنكية، والزبائن لا يتعاملون إلا بقناة واحدة وهي أجهزة الصراف الآلي أو بعض الوحدات الصرفية الموجودة بالبنوك ومؤسسات البريد. هذا وقد أرجع سراي التخلف الذي تعيشه المنظومة البنكية حسب رأيه للصعوبات التي تشهدها أغلب البنوك على المستوى التقني والعملي، ويظهر ذلك -يضيف سراي- في اقتصار خدمات البنوك العامة على أيام الأسبوع دون أيام العطل وساعات النهار فقط، مضيفا أن توافر الخدمة واستمرارها على مدار الساعة يتطلب بنية تحتية قوية وإدارة كفأة واستجابات فعالة لتلك الإمكانات.
من جهة أخرى قال سراي أن الجزائر عرفت نوعا من التحسن والتطور في استعمالات البطاقة البنكية مقارنة بالسنوات الماضية إلا أن هذا التحسن لم يرق لما هو معمول به عالميا، وهذا راجع حسبه لمشكل الثقة بالتعاملات الإلكترونية التي تحد من تطور الخدمة البنكية الإلكترونية في الجزائر، فأغلب الزبائن ليس لديهم الثقة اللازمة لاستعمالات التكنولوجيات البنكية، بالإضافة إلى عدم توفر الأمان والخصوصية بالبنك في التعاملات البنكية عبر الإنترنت، ما خلق حسب سراي ضعفا في الإقبال على الخدمات الإلكترونية وعدم القناعة بتطبيقاتها وأهميتها.
س. زموش

من نفس القسم الوطن