دولي
وماذا لو حظرتم الحركة الإسلامية؟!
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 09 نوفمبر 2015
موجة تحريض غير مسبوقة تتعرض إليها الحركة الإسلامية هذه الأيام، يتبوّأ صدارتها ويحمل وزرها ويتصدّر جوقة المحرضين رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو". صحيح أن هذه الحملة المسعورة مستمرة ومتواصلة منذ سنين طوال، وقد اتخذت لها أشكالا مختلفة؛ مثل إغلاق العديد من المؤسسات والجمعيات، ومصادرة أموال، وسجون واعتقالات، ومنع من السفر، ومنع من دخول القدس والأقصى، وحملات تحقيق مخابراتية لا تتوقف، لكن حملة التحريض المستعرة هذه الأيام، والتي بدأت منذ موسم اقتحامات المسجد الأقصى الأخيرة، والتي انطلقت مع بداية "رأس السنة العبرية" يوم 11/9/2015، جعلوا لها عنوانا وهدفا هو "إخراج الحركة الإسلامية خارج القانون"، حتى أن الحركة الإسلامية كانت في صلب محادثات "نتنياهو" مع المستشارة الألمانية "ميركل"، ومع وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري"، ومع أمين عام الأمم المتحدة "بان كي مون"، ويقينا مع زعماء عرب في المنطقة، هذا عدا عن كون الحركة الإسلامية كانت في صلب اجتماعات الحكومة الإسرائيلية والمجلس الوزاري المصغر، وبالطبع عند الأجهزة الأمنية.
إنني أؤكد أن موجة التحريض هذه على الحركة الإسلامية، ورغم شراستها وضراوتها، لن تفلح في ثني الحركة عن أداء دورها، ولا أن تتراجع عن ثوابتها؛ وفي مقدمتها الدفاع عن حقنا في المسجد الأقصى المبارك، هذا الحقّ الأوحد الذي لا نقبل أن يشاركنا فيه أحد، فهو غير قابل للقسمة ولا المحاصصة؛ لا زمانا ولا مكانا.
ثم إنني أؤكد أن موجة التحريض السافرة هذه على الحركة الإسلامية إنما هي جزء من مشروع عالمي حاقد، يستهدف كل من يعمل لخدمة المشروع الإسلامي الوسطي، حيث يجري حبك ونسج رواية وتهمة لتبرير الاستهداف، وفق ظروف كل بلد وبلد؛ ففي الداخل الفلسطيني تستهدف الحركة الإسلامية لأنها وفق سمفونية "نتنياهو" تحرض على العنف في المسجد الأقصى، ولأنها وراء حملة "الأقصى في خطر". وفي الضفة تستهدف وتلاحق من سلطة رام الله، لأن الحركة الإسلامية هناك -مع تشابه الأسماء واختلاف الظروف- تسعى لإفشال مشروع "أوسلو" البائس والفاشل، وفي مصر فإنّ الحركة الإسلامية هناك تُلاحَق وتُضرَب، ويُعلن عنها جماعة محظورة، لأنها اختارت العمل البرلماني من أوسع الأبواب، فاختارها الشعب واختار ممثليها للبرلمان ومرشحها للرئاسة الدكتور محمد مرسي، فكان ما كان من انقلاب السيسي ومجازر في حق الجماعة، وما يوم "رابعة" عنا ببعيد!
إنه وبالعودة إلى الهجمة المسعورة والتحريض الأرعن والسافر على الحركة الإسلامية والدعوة إلى حظر نشاطها، مع ما يرافق ذلك من إجراءات، كما يتردد في وسائل الإعلام العبرية، نقلا عن مصادر أمنية مثل اعتقالات إدارية وغيرها، هذا الإجراء الخاطئ والخطير يشفي غليل بعض الحاقدين من الموتورين والمتطرفين من وزراء وأعضاء كنيست وحاخامات وغيرهم، وقد يرفع أسهم "نتنياهو" ويزيد من رصيد حزب الليكود.. ولكن ماذا وكيف سيكون تأثير هذا الإجراء الأحمق على سير معركة القدس والأقصى؟ وهل بحظر الحركة الإسلامية "ستُقلع السن ويُقلع وجعها" كما يقول المثل؟ أم أنه سيكون بداية أوجاع لا تحتمل وآلام لا تطاق؟ وعليه فإنّي أضعها جملة من الملاحظات والتساؤلات، لا بل أصارح بها "نتنياهو" وكل قياداته الأمنية والسياسية، بل وكل الشعب الإسرائيلي لأقول لهم: وماذا لو حظرتم الحركة الإسلامية؟
- فإذا حظرتم الحركة الإسلامية هل تستطيعون إخراج حب الأقصى ونصرته من قلوب ووجدان ومشاعر أجيال الشباب الفلسطيني، الذي نجحت الحركة الإسلامية في جعل المسجد الأٌقصى قاسما يلتقي عليه هؤلاء؛ سواء كانوا إسلاميين أو قوميين، وسواء كانوا متدينين أو حتى علمانيين..؟ نعم؛ لن "يخلو الميدان لحميدان" كما يقول المثل، ولن تجدوا أبواب الأٌقصى مشرعة ولا ساحاته خالية، إنكم لن تجدوا الأقصى وحيدا، فإذا حظرتم الحركة الإسلامية، فهل تستطيعون أن تحظروا آيات الإسراء والمسجد الأقصى من القرآن الكريم؟ لأنكم لا تستطيعون ذلك، فاعلموا أن علاقة المسلمين مع المسجد الأقصى هي علاقة عقيدة وعبادة، وليست علاقة جماعة أو تنظيم أو حركة، وما دام هذا القرآن يتلى -وهو كذلك- إلى الأزل، فلا تحلموا أن يكون لكم في الأقصى حق ولا موطئ قدم.
- فإذا حظرتم الحركة الإسلامية، بل لو أنكم اعتقلتم بل قتلتم كل أبناء وبنات الحركة الإسلامية، بل كل فلسطينيي الداخل، بل لو أنكم قضيتم على ثلاثة عشر مليون فلسطيني في الداخل والضفة وغزة والشتات، لو أنكم أبدتم 400 مليون عربي -أنتم بينهم كالجزيرة في المحيط- لو فعلتم كل هذا، فهل تستطيعون مواجهة ومصادمة ومعاداة 1600 مليون مسلم؛ لكلٍّ منهم الحق في المسجد الأقصى، ولكلٍّ منهم حقٌّ عندكم لن يفرِّط فيه ولن يتنازل عنه ولن يسامحكم، إنه ليس حقا للحركة الإسلامية، ولكنه حق للمسجد الأقصى الذي هو قبلتهم الأولى، ومسرى نبيهم صلى الله عليه وسلم، فماذا أنتم فاعلون؟!!
- فإذا حظرتم الحركة الإسلامية، وأصبح من كان ينتمي إلى الحركة الإسلامية مخالفًا ويستوجب الملاحقة والعقوبة، فهل تستطيعون أن تمنعوا انتماءه إلى الإسلام؟ ألا تعلمون أن انتماءنا إلى الإسلام هو قبل وبعد انتظامنا ضمن مشروع الحركة الإسلامية؟ وأنّ حبّنا للأقصى ونصرته هو من صميم انتمائنا إلى الإسلام، وأنّ فهمنا للإسلام جعلنا نسخّر انتماءنا إلى الحركة من أجل نصرته؟ ثم أن الحركة الإسلامية هي وسيلة وليست غاية، فغايتنا هو الإسلام، ورضا الله سبحانه وتعالى من خلال نصرة الأقصى، فجعلنا الحركة الإسلامية وسيلتنا للوصول إلى هذه الغاية، فإذا ظننتم -بغبائكم وحماقتكم- أنه بحظر الحركة ستنعدم وسائل نصرة الأقصى، فإنها فعلا الحماقة أعيت من يداويها!.
.... يتبع
الشيخ كمال الخطيب