دولي

أنت من الأولين

القلم الفلسطيني

 



لطالما شاركتُ الصحابية أسماء بنت يزيد تلك الحرقة على مكانة المرأة التي شكتها لرسول الله صل الله عليه وسلم وهي ترى أفضلية ظاهرية للرجال في كل مواطن العز والتضحية مع أنه بُعثة بدين الإسلام للرجال والنساء على حد سواء إلى أن أفهمها طبيعة الأدوار والتشاركية التامة في الأجر.
 ولقد كان بالإمكان لامتعاضي أن يتجدد في العصر الحالي لولا ظهور أمثلة نسائية أحسنت فهم مقاصد النزول والتنزيل القرآني وتراكمية تجربة النساء في السيرة وعصور الخلافة.
ومن هذه الأمثلة الساطعة المرابطات في الأقصى اللواتي وصلن الحاضر بالماضي المجيد وقدمن نموذجا متفوقا التحم بالعصور الزاهرة فلم تعد أم عمارة ولا أم حرام ولا أسماء ولا خولة ولا سمية مجرد صفحات انقضت وإنما عادت أرواحهن وأدوارهن لتحيا في أجساد معاصرة تثبت أن الشهداء لا يموتون أبدا بل يبقون آية حية متجددة في كل عصر توجد به خامة بشرية قابلة للتشكل في قوالب العظماء.

إن النموذج لا يمكن أن يصنع دون فهم فالقدوات لا تنبت نبتا فجائيا وليست هوائية دون جذور وإنما تصنع على عين الله في محطات تزكية وتمحيص حتى إذا اكتمل الاعداد جاءت لحظة إطلاق البطل والبطلة في مواقف امتحان لكل ما سبق.
 لقد أنزل الله اية عظيمة في القرآن لأصحاب وصاحبات الفهم وهي "و ليس الذكر كالأنثى" والغريب أن عصور الانحطاط الفكري للمسلمين كانت تسوقها في معرض تفضيل الذكر وضعف الأنثى، بينما غُيّب المعنى الأهم فما يلحق بحرف التشبيه وهو في هذه الحالة الأنثى هو الذي يعطى المكانة والتميز والثناء ويعضد ذلك تفسير الزمخشري للآية إذ يقول: والله يقول لامرأة عمران أن الأنثى التي وُهبت لك خير من الذكر الذي طلبت، وهبة الله لا تكون إلا في موقع الرفعة والتفضيل وحسن النعمة وكمال الأداء، والله سبحانه لم يكرم بهذا مريم ابنة عمران فقط بل كانت الرسالة لحفيداتها وللأمة جميعا أن سيكون للنساء في هذا المكان خصوصا بصمة ودور ستفضل فيه الرجال، ولن يغني الرجال عن دورها وقد تحقق ذلك قديما، فكانت مريم الأم بوابة الانطلاق للمعجزة عيسى عليه السلام فما كان له أن يقوم بدورها، ولا أن تقوم هي بدوره وانما تكامل لا تنافس وشقائقية لا شقاق.

 وحديثا أخذت المرابطات في القدس والمجاهدات في فلسطين ذات الدور في اطلاق زخم المقاومة والتضحية فلولا الانوثة واستهداف الانوثة والشرف والعرض وما يولد ذلك من همة ونخوة وغضبة في نفوس الرجال الرجال لما كان هذا التصاعد المستمر والعزيمة واعادة الانبثاق من بعد خذلان والانتفاضة من بعد سبات فاستهداف الشرف والعرض في ذلك المكان المبارك المقدس تحديدا كان وسيكون وسيظل له من الاثر والاشتعال والوقود ما لن يكون لو استهدف جمع من الرجال، فإصابة الرجال في هذا عظيمة وثأرهم لعرضهم لا يهدأ وهم ينزلون الشريفات العظيمات منازل محارمهن وتلك الاسئلة تقرع اذهانهم كانفجار القنبلة: أترضاه لأمك، أترضاه لزوجك، أترضاه لأختك فينطلق الشريف ليجيب بدمه لا بلسانه! لولا النساء وهذه الافضلية الربانية أكان الرد ليكون بذات العنفوان؟! نعم صدق الله "وليس الذكر كالأنثى".
ثم يأتي جهلة يمرقون من الدين كما يمرق السهم ويقولون بقول الدين ويسوقون الأدلة بلا فهم ليتشدقوا: أعيدوا النساء إلى منازلهن حتى لا يمس شرفنا وكأن المعتدي يفرق بين شارع مفتوح او بوابة مسجد او فناء منزل مغلق ولا ينتهك الخاص قبل العام؟!!!! لقد جاءت السيرة لتعالج هذه الجزئية ايضا وتزيل الحرج في قصة استشهاد سمية فجاء الوصف الدقيق لطريقة استشهادها وقد استهدفت في مكان عفتها ومع ذلك صبرها الرسول وبشرها ولم تأخذ بالرخصة كابنها وكأن في الأمر رسالة أن هذا النوع من الاستهداف للنساء سيحصل ولكن لا يجب أن يثنيهن عن الجهاد والمقاومة فالشرف هو الدين ورايته ورسالته وقتال الاعداء والصمود لهم والله هو الذي يرفع الذكر ويبيض الصفحات.
 وحتى في الأدوار الاسنادية فما من ميدان الا وقدم الدين المرأة فروت الحديث الأشهر في الامداد امرأة هي ميمونة بنت سعد عن رسول الله ليس بينها وبينه رجال رواة فكانت الحاملة الاولى لامانة التبليغ عنه للأمة ونعم ما اختار الرسول لرسالته فقد كانت على درجة من العلم وعرفت أن الاقصى دين وعقيدة فسألت عنه كأمر شرعي بكلمة أفتنا وبها أرسل الرسول رسالة خصوصية إلى أتباعه من النساء ايضا عن دورهن في الانفاق المادي وفي المبادرة خصوصا وهن المسؤولات عن تدبير الانفاق في المنزل وحياة الاسرة وهن الناشئات في حب الحلي من ذهب وفضة وتضحيتهن بهذه الأمور الأثيرة هو جزء من جهاد النفس، والتاريخ يحفل بنساء اوقفن مال وضياع وقصور للأقصى وخُلدت اسماؤهن من بوابة القدوة تلك هذا غير من تزوجت للأقصى من جاءها فاتحا باسم صلاح الدين ومن ضحت بقيمة الجمال واهبة جمالها وجدائلها لخيول تقاتل الصليبيين، ومن علمت الخلفاء كأم الدرداء الصغرى يجلس إلى درسها في الأقصى عبد الملك بن مروان.
أما أنت أيتها المرأة فليكن شعارك قول الرسول لام حرام "أنت من الأولين" وميدانك كأم عمارة لا تدع موضعا إلا ويشهد لها بحسن البلاء، ومن قبل قدوتك في الأنبياء رضوان الله عليه اجمعين يوم قالوا "وأنا أول المسلمين" "وأنا أول المؤمنين" ليس سبقا زمانيا فحسب ولكن سبق عمل وتحفيزا للنفس على إدراك منزلة الأوائل وكأن الدين والمسؤولية ابتدأت بهم.
الدين جعلك من الأولين فيالتعس من رضيت بدرك الأسفلين
"أنت من الأولين" فلا ترضى بغير ذلك منزلة
د. ديمة طارق طهبوب

من نفس القسم دولي