دولي
ملامح انتفاضة الضفة... عودة الفدائيين تضع عباس أمام الامتحان
بعدما هدّد بعدم التزام السلطة بالاتفاقيات مع إسرائيل
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 03 أكتوبر 2015
في الوقت الذي سارع فيه المستوطنون إلى استغلال مقتل اثنين منهم، يوم الخميس الفارط في عملية إطلاق نار باتجاه سيارتهما، بشن حملة اعتداءات واسعة النطاق، بدعم من الجيش الإسرائيلي وحراسته، لجأت القيادات الأمنية في إسرائيل ممثلة بوزير الأمن، موشيه يعالون، إلى التهديد بضرب أي مقاومة في الضفة الغربية و"محاربة الإرهاب". وقام الاحتلال بنشر الحواجز ونصبها، في مختلف أنحاء الضفة بموازاة استدعاء أربع فرق عسكرية في المرحلة الأولى، لتأمين تقطيع الضفة الغربية وتحويلها إلى ثلاثة قطاعات أمنية، للحدّ من تحركات الفلسطينيين.
وجرى نشر قوات مكثّفة وكبيرة حول منطقة الخليل وحلحول وبيت لحم، ومجموعات أخرى بين مدينة نابلس وصولاً إلى رام الله، حتى مشارف القدس المحتلة، وتم رصد قوات لشمال الضفة الغربية، وتحديداً منطقة جنين. تنذر التطورات واشتعال المواجهات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال من جهة، وبين الفلسطينيين والمستوطنين تحت حراسة الجيش من جهة أخرى، باشتباكات مفتوحة لا يمكن التكهّن بمداها على الصعيدين الزماني والمكاني، خصوصاً في حال امتنعت قوات الأمن الفلسطينية عن التحرك لضبط إيقاع التظاهرات في الضفة الغربية، وهي لا تملك عملياً سلطة حتى لمواجهة المستوطنين، وتقتضي مهامها باستدعاء وحدات من مكاتب التنسيق والارتباط وتسليمهم مستوطنين، في حال تمّ القبض عليهم داخل مناطق "أ" التابعة للسلطة الفلسطينية.
وتشكّل الحرب و"الانفلات" الأمني للمستوطنين برعاية قوات الاحتلال، أوّل امتحان عملي على أرض الواقع للرئيس الفلسطيني، محمود عباس، والذي هدّد بعدم التزام السلطة بالاتفاقيات مع إسرائيل، "إذا واصلت حكومة بنيامين نتنياهو سياستها الاستيطانية والتهرب من المفاوضات". كذلك ستكون الأيام المقبلة مصيرية في تحديد حركة الشارع الفلسطيني، وإذا ما كانت الأراضي المحتلة ستدخل مرحلة جديدة، ينهار فيها التعاون الأمني بين قوات السلطة الفلسطينية وبين قوات الاحتلال.
وفيما يقف الجانب الفلسطيني الرسمي مرتبكاً، تأتي عملية مقتل المستوطنيْن لتساعد نتنياهو في دعايته ضد السلطة واتهامها في التحريض، وبالتالي "تسهيل" عملية رضوخه لمطالب المستوطنين "الأمنية والاستيطانية"، كما صاغها وزير التربية والتعليم، زعيم البيت اليهودي، نفتالي بينت، والتي تتلخّص بإقامة حي أو مستوطنة جديدة قرب مكان وقوع العملية من جهة، وإطلاق يد الجنود وجيش الاحتلال في مواجهة الفلسطينيين، بما في ذلك التساهل مع السلاح الذي يحمله المستوطنون بحجة الدفاع عن النفس، من جهة أخرى.
ويتوقّع مراقبون أن تشهد إسرائيل مطلع الأسبوع المقبل، تصعيداً في دعوات إضافية من وزراء من الليكود وليس من أحزاب المتدينين والمستوطنين فقط، لانتهاج "قبضة حديدية" وتشريع وتسهيل أوامر إطلاق النار في الضفة الغربية، بعد الركون إلى عزل القدس كلياً عن الضفة الغربية، وربما أيضاً، عن القرى والأحياء الفلسطينية التي ضمّتها إسرائيل بعد الاحتلال مباشرة إلى منطقة نفوذ بلدية الاحتلال. وقد تتركّز المواجهات، بحسب المراقبين أنفسهم، كما في مرات سابقة مماثلة، بشكل أساسي، عند نقاط التماس الرئيسية، وأهمّها عند حاجز الرام ومطار قلندية، وشمال القدس، مقابل شن الاحتلال حملات اعتقالات واسعة في مدن الضفة الغربية وبلداتها، مع تعزيز نشاط الشاباك والمخابرات الإسرائيلية في القدس والضفة الغربية المحتلة. لكن التصعيد الأكبر المحتمل، في حال استمرت المواجهات، هو إعلان نتنياهو وقيادة الجيش عن شن حملة عسكرية في مدن الضفة الغربية، وتقديم لوائح بأسماء عناصر مطلوبة للاحتلال إلى السلطة الفلسطينية، واضعة الأخيرة أمام اختبار بين أن تظهر كمتعاونة تعمل أساساً لضمان أمن الاحتلال ومستوطنيه، وبين الرفض، والمجازفة باحتمال حملة تحريض وتشويه يشنّها نتنياهو، تمهيداً لوصول وفد الرباعية الدولية إلى المنطقة، والمقرّر بعد أسبوعين. وتدخل الساحة السياسية في حالة تحريض ضد الفلسطينيين والمطالبة بالانتقام، وفقاً لما أعلنه دون استحياء، نفتالي بينت، قائلاً أن "الدم اليهودي المستباح، لن يبقى على ما هو عليه، أن الأوان ليدفع أعداؤنا الثمن". في غضون ذلك، يمضي الجيش الإسرائيلي في عملية نشر الحواجز وتقييد حرية الفلسطينيين في الضفة، بانتظار قرار من المستوى السياسي لحجم العمليات المطلوبة، وارتباط ذلك بالوفد المرتقب، مع توظيف حالة "التدهور الأمني" لخدمة الدعاية الإسرائيلية. وقد يكتفي نتنياهو في الأيام القريبة، بالحفاظ على مستوى معين من ألسنة اللهب، يمكنه من خلالها، فرض وقائع جديدة على الأرض، مثل الإعلان عن وقف تجميد أعمال البناء في المستوطنات، أو التجاوب مع ضغوط اليمين، ببناء حي استيطاني، أو مستوطنة جديدة. لكن التحذيرات من دفع الأمور باتجاه مواجهات عارمة قد تخرج عن سيطرتي الجيش الإسرائيلي وأجهزة السلطة الفلسطينية، والتي قد تؤدي إلى اندلاع انتفاضة ثالثة، عبّرت عنها أجهزة الأمن الإسرائيلية في تقديرات سابقة لها، من أن تكون مصحوبة هذه المرة بعمليات مسلّحة وليس مجرد انتفاضة شعبية أو "سلمية".
وتتعلّق تداعيات ما قد يحصل، أخيراً، برد السلطة الفلسطينية وتعاملها مع موجة الغضب الفلسطينية في مواجهة الاعتداءات التي ينفّذها المستوطنون منذ وقوع العملية. ويعتبر مراقبون أن إصدار الرئيس عباس أوامر تمنع عناصر الأمن الفلسطينية التابعة للسلطة من مواجهة المتظاهرين في الضفة الغربية، سيزيد من ارتفاع ألسنة اللهب، وقد يؤدي إلى تفجير مواجهة عنيفة مع الاحتلال، قد تصل في حال استمرارها إلى إعلان إسرائيل عملية اجتياح برية للضفة الغربية، تكراراً لسيناريو عام 2002، عندما شنّ عدوان السور الواقي وفرض الحصار على الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات في مقرّه في المقاطعة.
أمال. ص