دولي

الدعوة السيساوية لدمج إسرائيل في المنطقة

القلم الفلسطيني





دعا عبد الفتاح السيسي في حديثه مع وكالة أسوشيتدبرس على هامش الدورة 70 للجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى توسيع عملية السلام مع اسرائيل لتشمل دولا عربية أخرى، في سياق حديثه عن ضرورة تعاون كل دول "الشرق الأوسط" لمكافحة الارهاب الذي يهدد الجميع.
ليؤكد بشكل علني ولأول مرة ما سبق وردده نتنياهو كثيرا، من أن هناك دولا عربية كبرى، في اشارة إلى مصر والسعودية والخليج، ترغب في التحالف الاستراتيجي مع اسرائيل ضد العدو المشترك المتمثل في الإرهاب.
وبالفعل التقط نتنياهو الخيط منه فورا وأصدر بيانا رحب فيه بدعوة السيسي. ونشرت صفحة "إسرائيل بالعربية" عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي تويتر النص التالي "ترحب الحكومة الإسرائيلية بدعوة رئيس مصر السيسي لتوسيع دائرة السلام مع إسرائيل لتشمل دولاً عربية أخرى ونتنياهو بانتظار أبو مازن لدفع السلام".

وهو ما يذكرنا بمسرحية زيارة السادات إلى القدس، ومقولته الشهيرة، باستعداده إلى الذهاب إلى اقصى مكان في الارض، بل إلى القدس ذاتها من اجل السلام. وهي الكلمات التي انتهت بكارثة اتفاقيات كامب ديفيد.
وفى حقيقة الأمر أن السيسي ليس بعيدا ابدا عن السادات، فهو يحرص بشكل ملفت بل ومبالغ فيه، كلما أتيحت له الفرصة، على تقديم نفسه إلى الغرب على انه خليفة السادات والراعي العربي الاول للسلام مع إسرائيل.
فلقد وصف السلام بين مصر واسرائيل في ذات الحديث "بالهائل والعظيم". وان لا أحد منذ 40 عاما كان يتوقعه هكذا. وهو المعنى الذي كرره كثيرا في مناسبات متعددة، مثل حديثه في مؤتمر دافوس في جانفي 2015 عن عبقرية السادات في مبادرته للسلام. وأيضا ما قاله من قبل من أن السلام أصبح في وجدان المصريين، وانه لا عبث في هذا الموضوع، إلى آخر عشرات التصريحات والمواقف المماثلة التي صدرت منه على امتداد العامين الماضيين.
***
ما هو وجه الخطورة في هذه الدعوة التي وجهها السيسي؟ وما الجديد فيها؟
خطورتها تتمثل فيما تطرحه من "رؤية عربية غير مسبوقة ومختلفة" لإسرائيل، ليست بصفتها دولة احتلال وفصل عنصري وكيان إرهابي دأب على ارتكاب جرائم حرب وإبادة في حق الفلسطينيين والشعوب العربية، وليست بصفتها دولة مزروعة ومعادية وشاذة وغريبة ومصيرها إلى زوال. بل بصفتها دولة طبيعية في المنطقة تتعرض لذات التهديدات الارهابية التي نعانى منها جميعا، وهو ما يخلق فيما بيننا روابط أمنية ومصالح مشتركة في مواجهة هذه المخاطر.
ويزيد من خطورتها صدورها من مسئول عربي، وليس أي مسئول فهو رئيس أكبر دولة عربية.
لقد ضرب السيسي بهذه الدعوة رقما قياسيا جديدا في التنازلات العربية التي بدأت بكامب ديفيد مرورا باتفاقيات اوسلو ووادي عربة ثم مبادرة السلام العربية عام 2002.
أما اليوم فمرحبا بإسرائيل جارة و"شقيقة" في مواجهة العدو المشترك الذي يهددنا جميعا. مرحبا بها ولو لم تقبل بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967. مرحبا بها رغم ابتلاعها لمزيد من ارض الضفة الغربية كل يوم. ورغم كل جرائم الحرب التي ارتكبتها في غزة في صيف 2014 وما قبلها. ورغم كل ما ترتكبه اليوم من تقسيم زماني للمسجد الاقصى كمقدمة لتهويده تهويدا كاملا.
لنكون امام مشهد غريب ومزرٍ، يقوم الصهاينة باقتحام المسجد الاقصى، فنكافئهم بالدعوة إلى توسيع السلام معهم، بدلا من أن نسحب السفراء، ونقطع العلاقات، او حتى نلوح بقطعها.
***
وليحتل الموقف العربي الرسمي مرتبة دنيا جديدة في عصر الانحطاط العربي:
فالموقف الذي بدأ بلا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف. وحتمية تحرير فلسطين العربية من النهر إلى البحر. والكيان الصهيوني ومشروعه يهددان مصر والامة العربية كلها وليس فلسطين وحدها.
ثم تراجع إلى مبدأ "خذوا ارض 1948 وأعطونا ارض 1967" الذي اسموه كذبا وتضليلا مبدأ "الارض مقابل السلام".
أصبح اليوم هو " السلام مقابل المشاركة في مكافحة الارهاب".
مع العلم بطبيعة الحال أن الارهاب في المفهوم الصهيوني هو "المقاومة الفلسطينية للاحتلال".
***
لقد رفضنا التنازلات التي قدمها السادات ومبارك من اجل استرداد سيناء؛ رفضنا مقايضة سيناء بفلسطين، رفضنا الاعتراف بإسرائيل والصلح والتطبيع معها، وسحب مصر من الصراع العربي الصهيوني، رفضنا نزع وتقييد سلاح سيناء وقواتها، رفضنا تسليم مصر للأمريكان.
فهل يُعقل أن نقبل اليوم تنازلات عبد الفتاح السيسي الجديدة لإسرائيل، والتي لم تتوقف لحظة منذ توليه المسئولية، مقابل تدعيم شرعيته الشخصية وشرعية النظام الذي يؤسسه.
محمد سيف الدولة

من نفس القسم دولي