دولي
15 عاماً على انتفاضة الأقصى... تزايد الاعتداءات وتراجع المقاومة
الصهاينة يبدؤون عهدا جديدا من الاقتحامات ويبالغون في العنف تجاه الأقصى
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 29 سبتمبر 2015
قبل خمسة عشر عاماً، كان كافياً أن تطأ قدما رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، أرييل شارون، باحات المسجد الأقصى، لتندلع انتفاضة فلسطينية استشهد خلالها نحو خمسة آلاف فلسطيني وجُرح واعتقل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وبعد كل هذه السنوات بات اقتحام الأقصى اليوم من قِبل قادة الاحتلال وجنوده أمراً شبه يومي، وبدل الانتفاضة العارمة في كل الأراضي المحتلة، يقتصر الأمر على مقاومة محدودة للدفاع عن الأقصى بما تيسر من مرابطين ومصلين.
وتبدو المفارقات صارخة بعد كل هذه السنوات، إذ تبنى الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، انتفاضة الأقصى وسارع إلى دعم "كتائب شهداء الأقصى" الذراع العسكرية لحركة "فتح"، وبات عرفات رمزاً للانتفاضة التي انتهت عملياً بوفاته مسموماً نهاية عام 2004، قبل أن يُبرم خليفته، محمود عباس، اتفاقاً في شرم الشيخ مع شارون عام 2005 ينهي فيه الانتفاضة ويعلن عن حل "كتائب الأقصى"، ويمنع العمل العسكري ضد الاحتلال.
بعد نحو عامين، هزّ الانقسام الفلسطيني الداخلي بين "فتح" و"حماس" المجتمع الفلسطيني وشق صفوف الشارع، وباتت القبضة الأمنية للسلطة الفلسطينية أكثر حدة من أي وقت مضى، إذ وصل التنسيق الأمني مراحل غير مسبوقة، بذريعة تفويت الفرصة على امتداد "حماس" في الضفة الغربية، لتضرب بذلك السلطة كل معاقل المقاومة من أقصى اليمين إلى اليسار بما فيها حركة "فتح"، وتنهي أية إمكانية لانتفاضة شعبية أو مقاومة منظمة.
قبل أيام فقط، شاهد آلاف الفلسطينيين فيديو لعناصر من الأمن الفلسطيني يعتدون بالضرب على الفتى، محمود رضوان حمامرة، وشقيقه، من بيت لحم جنوب الضفة الغربية المحتلة، في محاولة لصد الشبان عن المشاركة في مسيرة دعت لها الفصائل الفلسطينية، بما فيها حركة "فتح" لنصرة المسجد الأقصى، في إشارة إلى أن الأمن الفلسطيني بات خط الدفاع الأول عن الاحتلال، ويمنع المسيرات التضامنية مع الأقصى.
وتتسق العقيدة الأمنية للأجهزة الأمنية الفلسطينية مع قرارات وتصريحات عباس، الذي كرر وعده أكثر من مرة بأنه لن يسمح بانتفاضة ثالثة في عهده، ولعل تصريحاته الأخيرة في جولته الدولية الحالية من فرنسا وروسيا والولايات المتحدة تؤكد ذلك، حين حذر رؤساء الدول الغربية من أن استمرار اعتداءات إسرائيل على المسجد الأقصى ستقود إلى "انتفاضة لا نريدها". وعلى الرغم من تكرار عباس الدائم بأنه لا يريد انتفاضة ثالثة، واجتهاد الأجهزة الأمنية في نزع فتيل أية مقاومة محتملة في الضفة الغربية، يراقب الشارع الفلسطيني، الذي تقطعت أوصاله بسبب ممارسات الاحتلال، الاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى، وتصدي المرابطين بصدورهم العارية لجنود الاحتلال ومستوطنيه، من دون أن يستطيع فعل أي شيء، لتبقى المقاومة مقتصرة على العمل الفردي الذي ستكون عقوبته مضاعفة من الاحتلال وأجهزة الأمن الفلسطينية لاحقاً.
وبعد أن كان المقاومون يتصدرون المشهد، باتوا يختفون وراء أسماء مستعارة خوفاً من ملاحقة الاحتلال والأمن الفلسطيني، على الرغم من أنهم يواجهون الاحتلال بصدور عارية، كما فعلوا عندما كسروا آخر حصار ضُرب على المصلى القبلي في المسجد الأقصى والمعتكفين فيه.
ويبدي مدير المسجد الأقصى، الشيخ عمر الكسواني، قلقه إزاء ما تقترفه قوات الاحتلال من اعتداءات على المصلى القبلي، ويتهمها بتعمد إلحاق الأضرار في منشآته الداخلية وإحداث أكبر قدر ممكن من التخريب والتدمير، وتحطيم الأعمدة والزخارف التاريخية من خلال إطلاق الرصاص عليها.
وعلى الرغم من أن جنود الاحتلال قاموا على مدى الشهرين الماضيين بأكثر من اقتحام للمصلى القبلي، تخلله تحطيم نوافذه، وتدنيسه وإطلاق الرصاص على المرابطين والمعتكفين داخله، إلا أن ما جرى أمس الأول، الإثنين، من استخدام آلات قص الحديد في تدمير بعض نوافذ المصلى القبلي، وكذلك الترسانات الحديدية المدرعة، ونشر القناصة للمرة الثانية على أسطحه وفي ساحاته، يُعد تطوراً نوعياً في مسلسل الاعتداءات والاقتحامات اليومية، إذ تعمّدت قوات الاحتلال إطلاق الرصاص المطاطي وقنابل الصوت والغاز داخل المصلى. بيد أن الكسواني يوضح، "، أن حجم الضرر الذي تلحقه هذه الاعتداءات على ما يحتويه المصلى القبلي من زخارف إسلامية، كبير، في وقت لا تزال فيه أعمال الترميم مستمرة وكذلك إعادة تركيب النقوش القديمة التي أتى عليها الحريق الكبير في عام 1969، بفعل اعتداء اقترفه آنذاك اليهودي الأسترالي، مايكل روهان. وكانت الطواقم الفنية من مهندسين معماريين، وغيرهم، قد عملت على مدى الأيام الماضية على إصلاح ما تسببت به الأضرار الأخيرة لاقتحامات جنود الاحتلال للمصلى القبلي، ومع ذلك يبقى الاعتداء على المسجد برمزيته ومكانته التاريخية والعقيدية لدى أكثر من مليار ونصف المليار عربي ومسلم أكثر ضرراً ومسَّاً بقداسة المسجد الأقصى، كما يقول الكسواني.
واستخدمت قوات الاحتلال التروس الحديدية في اقتحام المصلى القبلي لأول مرة، ويصف أحد مسؤولي الحراسة في الأقصى، ما جرى بأنه أشبه بعمل حربي في ساحة مواجهة بين جيشين نظاميين، ووصل الجنود تلك التروس إلى مدخل المصلى القبلي، ليلقوا الحجارة والمقذوفات داخله في وقت تولت فيه طواقم أخرى قص النوافذ وتحطيم الزخارف.
• عهد جديد من الاقتحامات
تتيح أعمال التوسعة والتهويد الضخمة القائمة في باب المغاربة، أحد بوابات الأقصى الذي تسيطر عليه إسرائيل منذ عام 1967 بشكل كامل، خصوصاً بناء جسر خشبي بعد هدم تلته التاريخية في عام 2007، "دخولاً سلساً وسهلاً للآليات العسكرية الإسرائيلية". ويقول مسؤول ملف القدس في حركة "فتح"، حاتم عبد القادر، أن "هدم التلة يمهد لإنشاء طريق وممر عسكري يسمح بدخول المدرعات ومئات المركبات العسكرية إلى باحات الأقصى بسهولة كبيرة، وما جرى اليوم (أمس) يثبت ما قلناه في هذا الصدد".
المتابعون لما جرى أمس الأول يشيرون إلى أن سلطات الاحتلال بدأت عهداً جديداً بما يتعلق باقتحاماتها، من خلال العنف المبالغ فيه تجاه الأقصى بجميع مبانيه ومنشآته، وأيضاً تجاه حراسه والمرابطين المعتكفين داخله، مما يعيد إلى الأذهان صوراً مؤلمة حدثت في الانتفاضتين الفلسطينيتين وما تخللهما من مجازر بحق المصلين.
أمال. ص