دولي

الفوضى الأمنيّة في نابلس تؤرق السلطة الفلسطينيّة

القلم الفلسطيني



في الوقت الذي تزداد فيه الاقتحامات الإسرائيليّة لمدن الضفّة الغربيّة تنتشر بوادر فوضى أمنيّة بين أجهزة الأمن الفلسطينيّة ومجموعات مسلّحة تابعة لتيّارات داخليّة في فتح، ما أدى إلى شيوع أجواء من التوتّر الأمنيّ تركّزت بصورة واضحة في نابلس، كبرى مدن الضفّة الغربيّة، ما يبثّ شعورًا بالقلق في السلطة الفلسطينيّة.
هذه الحوادث تسلّط الضوء على حال الفلتان الأمنيّ، الّتي تسود الضفّة الغربيّة في الأشهر الأخيرة منذ بداية عام 2015م، لاسيّما في بعض المدن الرئيسة مثل جنين ونابلس في شمال الضفّة، سواء أكان على خلفيّات مشاكل عائليّة أم اشتباكات بين مسلّحين من فتح والأجهزة الأمنيّة، ودفع تدهور الوضع الأمنيّ في الضفّة الغربيّة الحكومة إلى عقد جلسة لقادة الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة للاطّلاع على الأوضاع الأمنيّة في الضفّة. مظاهر الفلتان الأمنيّ في الضفّة الغربيّة حصدت منذ بداية العام الجاري 2015م نحو 26 قتيلًا فلسطينيًّا، وكانت حصّة مدينة نابلس وحدها 7 قتلى، وأغلب المتورّطين في أحداث الفوضى الأمنيّة من عناصر الأجهزة الأمنيّة، وهو ما دفع الأجهزة الأمنيّة في 5 (سبتمبر) إلى بدء حملة أمنية لاجتثاث الفلتان الأمنيّ منها، واستقدمت قوّات معزّزة للمدينة تضمّ 3 فرق أمنيّة مدرّبة في الأردن، وهدّد محافظ نابلس أكرم الرجوب العناصر المتسبّبة بالفلتان الأمنيّ بالملاحقة والاعتقال؛ لأنّ الفوضى الأمنيّة أصبحت لا تطاق في المدينة. ودفع تزايد الفلتان الأمنيّ في الضفّة عضو المجلس التشريعيّ السابق عن فتح حسام خضر إلى أن يشنّ هجومًا حادًّا على الرّئيس محمود عبّاس؛ لأنّه يتجاهل الفلتان المسلّح، وتجارة المخدّرات في نابلس، ومستشاروه يخفون حقيقة التسيّب الأمنيّ عنه، ولا يضعونه في صورة واقع الأراضي الفلسطينيّة. منذ قدوم السلطة الفلسطينيّة في عام 1994م تشهد نابلس تنافرًا واضحًا بين قياداتها الأمنيّة والسياسيّة، لاسيّما بين عضو اللّجنة التنفيذيّة لمنظّمة التّحرير غسان الشكعة، وهو رئيس البلديّة السّابق الّذي استقال في 10 أوت إثر احتجاجات شعبيّة على سوء خدمات البلديّة، وعضو اللّجنة المركزيّة لفتح محمود العالول، وهو المحافظ السّابق للمحافظة، بجانب الصراع بين أكرم الرجوب وعضو المجلس التشريعيّ عن فتح جمال الطيراوي، ويتورط في الفوضى الأمنية التي تعيشها الضفة الغربية محمّد دحلان القياديّ الفتحاويّ، الذي بات له تأثير واضح في الضفّة، عبر تحالفه مع غسان الشكعة وجمال الطيراوي. وتمتلك هذه الأطراف الأربعة عناصر قوّة أمنيّة ودوائر نفوذ سياسيّة كبيرة، فالشكعة رئيس بلدية سابق، والعالول لديه تاريخ كفاحيّ ضد الكيان العبري منذ التحاقه بفتح في سنوات السبعينيات، وخاض معارك ضده في الأردن ولبنان خلال هذه المدة، ودحلان يمتلك موارد ماليّة يستطيع بها شراء ولاءات تنظيميّة داخل فتح، وهذا التّنافر يلقي بظلال سلبيّة على مخيّمات اللاجئين في نابلس، خصوصًا بلاطة، عقب تدخّل مسلّحين تابعين لكتائب شهداء الأقصى الجناح المسلّح لفتح، الذين ينضمون إلى أحد أطراف الصراع، ويصدرون بيانات متبادلة، ويخوضون اشتباكات مسلحة منذ بداية 2015م. تزداد خطورة الفوضى الأمنية في مخيمات اللاجئين بالضفة الغربية؛ لأنها تعاني إهمالًا خدميًّا من قبل البلديات، ولا تحظى بالرعاية اللازمة من قبل السلطة، ما يزيد من احتقان الفلسطينيين الذين أبدوا تضامنًا في بعض الأحيان مع المسلحين ضد أجهزة أمن رام الله في الأشهر الأخيرة. هناك حوادث أمنيّة في الضفّة تسفر عن انتشار الاشتباكات المسلّحة بسبب تجارة السلاح والمخدّرات والسيّارات، وحاولت السلطة الفلسطينيّة في الأشهر الماضية القيام بحملات أمنيّة عدّة لضبط الوضع الأمنيّ في الضفّة، بعد أن وصلت إليها معلومات بأنّ دحلان يزوّد بعض المجموعات المسلّحة بالعتاد والذخيرة، وانضمام مخيّمات أخرى إلى ظاهرة الفوضى الأمنيّة مثل: بلاطة، وعين بيت الماء، وعسكر، والفارعة، نظرًا إلى وصول ظاهرة انتشار المسلحين إليها، ورفض سكانها ما يعدونه اعتداءات تنفذها الأجهزة الأمنية ضدهم.
أخيرًا، تعيش الضفّة الغربيّة على صفيح ساخن من الفوضى الأمنيّة الّتي تزداد يومًا بعد يوم، وليس هناك من بوادر مشجّعة للقضاء عليها أو التّخفيف منها، وسط تقديرات بازديادها، إذا غادر عبّاس المشهد السياسيّ من دون ترتيبات أمنيّة وسياسيّة متّفق عليها مع قادة فتح، ما يفسح المجال لتحذيرات من نشوء مناطق نفوذ أمنيّة منعزل بعضها عن بعض داخل الضفّة الغربيّة.


د. عدنان أبو عامر

من نفس القسم دولي