دولي

القدس أكبر من فلسطين

القلم الفلسطيني



 
التصعيد الإسرائيلي المتعمد في مدينة القدس هذه الأيام ليس عفويًّا، وإنما يجيء في إطار الاستراتيجية اليهودية الرامية إلى "بسط الحقائق على الأرض بالقوة؛ بهدف استرداد المدينة المقدسة من أيدي المحتلين العرب"، لذلك لن يقتصر الاعتداء الإسرائيلي على المقدسات الإسلامية عند حدود التقسيم الزماني والمكاني لبيت المقدس، وإنما سيتواصل العمل حتى الاستحواذ الكامل على المدينة، وما على العرب والمسلمين المنقسمين على أنفسهم إلا التفتيش عن مكان آخر غير (أورشليم)، يمارسون فيه شعائرهم الدينية.
ويؤكد ما سبق عقد نتانياهو اجتماع خاص ليلة أمس، ضم عددًا من الوزراء المعنيين بالقدس، وضم قادة الأجهزة الأمنية كلهم، وضم قائد الجبهة الداخلية، وناقش معهم ما بعد التقسيم الزماني للمسجد الأقصى، وقد ظهر ذلك في تصريحاته عقب الاجتماع إذ قال بلهجة تحدٍّ: "لن نسمح للمتظاهرين الفلسطينيين بأن يمنعوا المصلين اليهود من ممارسة عباداتهم، ولن نسمح لأحد أن يمنع زيارات اليهود إلى المسجد". بهذا الحديث الصريح الواضح حسم نتانياهو مصير القدس كلها، وأعلن الحرب على العرب والمسلمين "الأشرار" جميعهم؛ فهم الذين يحتلون المقدسات اليهودية _من وجهة نظره_ وهم الذين يعتدون على اليهود المساكين، الذين يحاولون تأدية شعائرهم الدينية بسلام. ويدرك كل متابع للأحداث أن تزييف الحقائق على الأرض يفرضه اليهود بأجسادهم وبنادقهم، وهم سادرون في تهويد القدس برمتها، وتصريحات قادتهم لا تتوانى في تأكيد شطب القدس الإسلامية، وتأكيد وجود (أورشليم) اليهودية. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو: "إن الحجارة العتيقة في المدينة تكشف عن العلاقة بين الشعب اليهودي وعاصمته المرتبطة به وحده، والتي لن تقسم أبدًا، أن (أورشليم) لم تذكر في القرآن، ولو مرة، لكنها ذكرت في كتاب (تناخ) مئات المرات، سنحافظ على (أورشليم)، سنبنيها، سنطورها، سيبرّك أحدنا الثاني ببركة (أورشليم) العامرة"، وهذا ما ذهب إليه رئيس (الكنيست) الإسرائيلي رؤوفان ريفلن حين قال: "منذ أكثر من ألفي سنة نحن نحلم بالعودة إلى (أورشليم)، اليوم تحقق الحلم وعدنا، ولن نسمح لقوة على وجه الأرض بالحيلولة بين اليهودي وحلمه"، ليدلي شمعون بيرس" برأيه عن القدس، فيقول: "إن (أورشليم) ليست قبلة العرب، (أورشليم) لها أولوية في سياستنا وديننا اليهودي، وستظل (أورشليم) موحدة، وعاصمتنا الأبدية، وستظل الأماكن المقدسة اليهودية والمسيحية والإسلامية تحت سيادتنا". تلك التصريحات اليهودية لا تحتمل التأويل، وهي تؤكد يهودية المدينة، وتؤكد أن الوجود الإسرائيلي في هذه البلاد قد أسس على قواعد دينية، وأن عودتهم المزعومة إلى ما يسمونه أرض (إسرائيل) قد جاءت من منطلقات دينية، وليست بدوافع سياسية أو اقتصادية كما يبسطها بعض السياسيين، الذين ضيقوا على القدس آفاقها الإسلامية، ونسوا أن القدس أكبر من فلسطين، ونسوا أن المدينة المقدسة تخص كل العرب والمسلمين، وخلاص القدس لا يتحقق بالتهديد، ولا تنتصر القدس بالشعارات الرنانة، ولا بالاتصال الهاتفي بين القادة، ولا بالاحتجاج السلمي والمنشورات اللغوية. القدس التي يدافع عنها شبابها وشاباتها بأجسادهم تنتظر الدعم والإسناد من إخوانهم شباب وشابات الضفة الغربية وقطاع غزة وفلسطينيي الـ(48)، فالحرب على مدينة القدس هي حرب على رام الله ونابلس والخليل وغزة والناصرة وكفر قاسم؛ لأن القدس عنوان الأمة، وهي تنتظر القادة الرجال، القادة الذين يؤمنون بأن القدس من شرقها حتى غربها أرض مقدسة عربية إسلامية، لا "سيادة" يهودية عليها، وهي لب الصراع الدائر على أرض فلسطين.

د. فايز أبو شمالة

من نفس القسم دولي