دولي
"فتح" و"حماس".. الأقصى يحترق!
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 16 سبتمبر 2015
تابعنا خلال الأيام القليلة الماضية ـ المشهد ما زال مستمراً ـ ما تعرّض له المسجد الأقصى من تدنيس على يد وزير الزراعة الصهيوني "أوري آرائيل"، ومئات المستوطنين وجنود الاحتلال؛ حيث جرى الاعتداء على المصلى القبلي ودمرت العديد من مرافقه، كما جرى الاعتداء على حرّاس المسجد الأقصى، وطلبة العلم، والمصلين المرابطين والمرابطات في باحاته الطاهرة، ولعله كان أقساها الشيخ السبعيني الحاج "غالب اغبارية" الذي أصيب في عينه ووجهه، وتلك الفتاة التي تعرضت لنزع حجابها على أياد آثمة استباحتنا حتى العظم منا.. إن ما يجري للأقصى وللمدينة المقدسة من عمليات تدنيس، وسرقة للممتلكات، وهدم للبيوت، وتوطين لليهود الصهاينة، وتهجير للفلسطينيين بالقمع والتنكيل والابعاد القسري..، سياسة ليست بالجديدة ولكنها الأخطر من حيث التراكم النوعي والكمي في سياق التهويد الممنهج للقدس، لا سيّما بعد أن قطعت تلك الإجراءات مراحل جد خطيرة، لناحية تقسيم المسجد الأقصى، وتهويد قبلة المسلمين الأولى. الإشكال الملاحظ هنا، أن ردة الفعل العربية والإسلامية، وحتى الفلسطينية ـ سوى أهل القدس المرابطين ـ ردة فعل خجولة ولا ترقى لمستوى الحدث في لحظة حاسمة قد تقرر مصير ومستقبل المسجد الأقصى الذي يعد رمز القضية الفلسطينية، وروح العقيدة السياسية والدينية للشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية..! فقبل نحو 15 عاماً، وفي ذات الشهر سبتمبر من العام 2000، اندلعت انتفاضة الأقصى رداً على تدنيس "آرييل شارون" المسجد الأقصى، أما اليوم فإن الأقصى يُحرق، ويدنس، ويعتدى على أعراض المسلمين فيه، والأمة العربية والشعب الفلسطيني في حالة من الجمود الباعث للقلق على مستقبل القضية برمتها. عند النظر في أسباب هذا الخذلان، والتقصير تجاه القدس والمسجد الأقصى، فإننا نكتفي بمناقشة الأمر على الجانب الفلسطيني فقط، بصفتهم رأس حربة ولا تستوي معركة الأقصى بدونهم، أما العرب والمسلمين فيكفيهم ما هم فيه من حروب داخلية، طائفية، وسياسية تستعمل فيها فلسطين والقدس شماعة لهذا الطرف أو ذاك دون الدخول في التفاصيل. أما على الجانب الفلسطيني فلا بد من التوقف عند العديد من الملاحظات على النحو التالي: تعرض القضية الفلسطينية راهناً لأسوأ حالة سياسية داخلية، حيث الانقسام العامودي الحاد بين فريقين، الأول (فتح) يرى في التسوية السياسية والسلمية سبيلاً للتحرير، والآخر (حماس) يرى في المقاومة المسلحة الاستراتيجية الأنجع لدحر الاحتلال..، والغريب هنا أننا خلال الأيام القليلة الماضية لم نر مسيرة للشموع في رام الله، ولم نسمع بعملية للمقاومة في القدس للضغط على الاحتلال، وهذا في تقديري مرده إلى حالة الانشغال والاستنزاف الداخلي الواقع بين فريقي الانقسام والذي تعيشه قياداتنا السياسية وفصائلنا العتيدة التي اكتفت بالبيان والادانة. فما يجري من تدنيس للمسجد الأقصى يكشف بعدنا عن التفكير والتخطيط المسبق والممنهج تجاه القدس، ظناً منا أن بعض المخرجات الجماهيرية أو الإعلامية الموسمية ـ على أهميتها ـ كافية لحماية القدس والمسجد الأقصى ـ الأمر الثاني أن الاهتمام بالقدس والمسجد الأقصى، تراجع في الأجندة السياسية الفلسطينية عموماً؛ حيث يلاحظ طغيان الهاجس الأمني والتنسيق مع الاحتلال لملاحقة الخصوم السياسيين لدى سلطة "فتح" في رام الله كاستحقاق لاستمرار ضخ الرواتب والمساعدات لخزينة السلطة الفلسطينية. في المقابل طغى على حركة "حماس" التفكير في أزمة حصار غزة، وكيف يمكن توفير رواتب الموظفين، أو الهدنة مع الاحتلال لرفع الحصار.. وهذا في حد ذاته إشكال ساهمنا فيه نحن كفلسطينيين كما ساهم فيه ودفع إليه الاحتلال الإسرائيلي. ـعندما تتعرض القدس أو المسجد الأقصى للعدوان أو التدنيس من قبل الصهاينة يبادرنا السؤال؛ أين الفلسطينيين في الضفة الغربية؟ لماذا لا يأخذون دورهم في الدفاع عن القدس، قلب الضفة الغربية المحتلة؟ وهنا ومن باب التوصف وليس التبرير فإنني أعتقد أن الضفة الغربية قد تعرضت خلال السنوات الماضية لعملية غسيل للعقل الجمعي الوطني، لا سيما في الفترة التي ترأس فيها "سلام فياض" الحكومة الفلسطينية؛ حيث تم تدجين الناس ثقافياً على القبول بواقع وجود "دولة إسرائيل" وأهمية العيش معها بسلام، وعلى التوازي تم توسيع دائرة التوظيف في القطاع العام إلى حد التضخم، لربط الشباب والطبقة الوسطى بالوظيفة كمدخل لحياة أفضل من خلال إغراق الشباب بالقروض البنكية لشراء شقة أو سيارة. وهذا هو بالذات ما كانت تسعى إليه "إسرائيل" وتروج له تحت عنوان السلام الاقتصادي. وعلى صلة بالموضوع لا بد من الإشارة إلى التنسيق والملاحقات الأمنية من قبل أجهزة السلطة ومن قبل الاحتلال بشكل مباشر، فأصبح الفلسطيني يتقي شر هؤلاء رغبة منه في حماية نفسه أو حماية مصدر رزقه المرتبط بالوظيفة والراتب آخر الشهر. وتلك حلقة مغلقة ما زالت موجودة ويُعمل بها حتى بعد غياب "سلام فياض" عن المشهد السياسي العام. القدس وما يواجهه المسجد الأقصى كشف خذلاننا، وتقصيرنا تجاهه، وكشف عيوبنا كساسة وأحزاب، وقيادات مجتمع مدني. وقبل أن نُلقي باللوم على العرب والمسلمين غير المكترثين أو المشغولون بأوضاعهم القطرية، فإنه لا بد لنا أن نعيد النظر بأوضاعنا نحن كفلسطينيين بما نمثله من ثقل أساس للقضية الفلسطينية، وللقدس والمسجد الأقصى، فالاحتلال كان وما زال لا يعيرنا اهتماماً ـ كعرب ومسلمين ـ إلا إذا هُدّدت مصالحه، وامتلكنا القدرة على تدفعيه الثمن الباهظ سياسياً أو عسكرياً أو اقتصادياً
أحمد الحيلة