دولي

الانتخابات الأميركية وعربدة نتنياهو

القلم الفلسطيني

 

رغم كل المعلومات المتراكمة، وتجربة السنين، حول سطوة الصهيونية على الكونغرس ودوائر القرار الأخرى في الولايات المتحدة، إلا أنه أمام كل واحدة من جولات العربدة هذه، يقف الشخص مستغرباً؛ إذ كيف لدولة "عظمى" تسعى إلى فرض سيطرتها على العالم كله، أن تقف ضعيفة أمام مجموعات ضغط تمثل نسبة هامشية جداً من الناخبين، وفي حين أن المكانة الاستراتيجية للكيان الإسرائيلي بالنسبة لأميركا، لم تعد بنفس مستوى الأهمية السابقة؟ وفي هذه الأيام نحن أمام مشهد عربدة بنيامين نتنياهو، والذي فيه كأقل تعبير، تحقير لمؤسسة الرئاسة الأميركية، لإرغام باراك أوباما على إلغاء الاتفاق النووي مع إيران. وعربدة نتنياهو، كممثل للمؤسسة الإسرائيلية الحاكمة والصهيونية، تستند إلى تنامي سطوة الجهات اليمينية المتشددة في اللوبي الصهيوني الناشط في الولايات المتحدة. ونذكر كيف وقف نتنياهو في مطلع (مارس) الماضي، أمام الكونغرس يلقي خطابا، بدعوة مباشرة من زعامة الحزب الجمهوري، من دون تنسيق مع الرئاسة الأميركية التي اعترضت على إلقاء الخطاب. وقد دعا نتنياهو المشرعين الأميركيين إلى إفشال التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن مشروعها النووي. وسعى اللوبي الصهيوني لضمان أغلبية دستورية، من ثلثي أعضاء الكونغرس، لإلزام أوباما بإلغاء المشاركة الأميركية في الاتفاق الدولي؛ بمعنى إفشال الاتفاق برمته. وتبين للوبي الصهيوني في الأسبوع المنتهي، أن الأغلبية في الكونغرس ضد الاتفاق إياه، لن تصل إلى حد الثلثين، ما يبقي للرئيس الأميركي الحق بالمصادقة على الاتفاق، فأعلن نتنياهو مواصلة حراكه في محاولة لتحقيق الأغلبية المطلوبة. وأساس اللعبة الصهيونية واضحة ومعروفة على مر السنين، وهي: المال ثم المال. فنسبة الأميركيين اليهود من ذوي حق الاقتراع لا تتعدى 1.8 % من مجمل الناخبين الأميركيين. وتؤكد استطلاعات الرأي على مر السنين وحتى اليوم، أن ما يزيد على 70 % منهم، لديهم توجهات سلامية، ويؤيدون قيام دولة فلسطينية، ويصوتون للحزب الديمقراطي، ولا يقعون تحت تأثير اللوبي الصهيوني اليميني. ما يعني أن الضغط على المشرّعين الأميركيين ليس بكميات الأصوات التي يحتاجونها، بل بالمال الكبير الذي يضمن لهم حملة انتخابية تلتهم ملايين الدولارات. وهنا يظهر الممولون اليهود، بتوجيه من اللوبي الصهيوني. وحسب تقارير إسرائيلية، فإن 60% من تمويل الحزب الديمقراطي الأميركي يأتي من متبرعين يهود، وبنسبة أقل للحزب الجمهوري. ولهذا، فإنه في واجهة ضغط اللوبي الصهيوني يقف أولئك الممولون، الذين لهم مصالح اقتصادية، أكثر منها سياسية، مع الكيان الإسرائيلي. وقد استعرض تقرير لصحيفة "هآرتس" قبل خمسة أشهر، استعدادات أبرز الممولين اليهود للانتخابات الداخلية في الحزبين الديمقراطي والجمهوري. وقال في حينه الكاتب الإسرائيلي أفنير هوفشطاين، أن المعركة الانتخابية الأميركية ستكون، إلى حد كبير، واقعة من خلف الكواليس تحت سيطرة المتبرعين المناصرين لـ"إسرائيل". وفي هذا ما يدل على علاقة رأس المال بالحكم. مشيراً أيضاً إلى سطوة الأثرياء اليهود على وسائل الإعلام الأميركية الكبرى. لكن هذا لا يعني أن الشارع الأميركي لا يعرف الحقيقة. فنذكر، واستنادا حتى لتقارير إسرائيلية، أنه في أوج الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة في العام 2008، بدأت تظهر أصابع اتهام نحو تكتل الأثرياء اليهود وسطوتهم على نسبة من مفاتيح الاقتصاد، خاصة بعد ظهور جهات نصب واحتيال، أبرزها كانوا يهوداً. وهذه الأصوات أُسكتت بسرعة. وتذكّر من تذكّر في "إسرائيل" بأن هذه الأصوات تعيد إلى الأذهان الأصوات التي ظهرت في أوروبا في سنوات العشرين من القرن الماضي، خلال أزمة 1929. كما أن أصواتاً كهذه ظهرت في روسيا القيصرية في سنوات الثمانين من القرن التاسع عشر. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سيتكرر بقدر أوسع، ما كان في أميركا في 2008، في حال نشبت مستقبلاً أزمة أخرى؟
إن توجيه إصبع الاتهام لمجمل اليهود في أوطانهم فيه غبن، فالقضية ليست قضية دينية بالمطلق، بل حركة عنصرية اسمها الصهيونية، تركب على موجة تفسيرات دينية لتطبيق أهدافها، وترتكز في قوتها على كبار أصحاب رأس المال؛ تعدهم بضمان مصالحهم وتطويرها، في إطار صفقة متبادلة. فالأميركيون اليهود بالمجمل العام، جزء من شعبهم، لا بل أن التوجهات السياسية لدى الغالبية الساحقة منهم إيجابية إلى حد كبير، بعكس السياسة الصهيونية



برهوم جرايسي


من نفس القسم دولي