دولي

الغرب والإرهاب «الحلال»

القلم الفلسطيني


يمارس الغرب الاستخفاف بوعي المسلمين والعرب والفلسطينيين عبر اتخاذ مواقف «رافضة» للاستيطان اليهودي، في الوقت الذي يسمح فيه بمد المشاريع الاستيطانية بالاحتياط البشري الأكثر إرهابية وعنصرية، علاوة على سماحه بتدفق المساعدات والتبرعات لجماعات إرهابية يهودية تجاهر بعزمها على تدمير المسجد الأقصى. فقد أظهرت دراسة أصدرتها الباحثة اليهودية سارة هيرتشهون أن اليهود الأمريكيين، الذين هاجروا حديثاً يشكلون ما نسبته 15% من المستوطنين الصهاينة في الضفة الغربية. وهذا عدد كبير لأن هؤلاء هاجروا منذ وقت قريب، مما يعني أن هذه النسبة مرشحة للزيادة بشكل كبير. والمفارقة الأكبر هنا تكمن في أن معظم قادة وأعضاء التنظيمات الإرهابية اليهودية هم من اليهود الأمريكيين، الذين يحتفظون بجنسياتهم الأمريكية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف يستقيم الموقف الأمريكي الرافض للاستيطان مع سماح الولايات المتحدة لمواطنيها بالاستيطان في الضفة الغربية، مع العلم أن هؤلاء المستوطنين يظلون يحافظون على الجنسية الأمريكية. ومما يشي بحجم التواطؤ الأمريكي الرسمي حقيقة أن الإدارة الأمريكية تسمح للجماعات المسيحية البروستانتية، سيما الإنلجيكانية بتقديم الدعم للمنظمات اليهودية التي تجاهر بالتخطيط لتدمير المسجد الأقصى. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن هذه المعلومات مستقاة من تحقيق تلفزيوني بثته قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية مؤخراً ودلل على أن الجماعات المسيحية الإنجليكانية في الولايات المتحدة تقدم عشرات الملايين من الدولارات سنوياً لدعم تنظيمات إرهابية يهودية، تسعى إلى بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى. ليس هذا فحسب، بل أن التحقيق كشف عن أن الجماعات الإنجليكانية تنظم سنوياً عدداً من المؤتمرات في أرجاء الولايات المتحدة لدعم فكرة إقامة الهيكل على أنقاض الأقصى، حيث يحرص لإنجليكانيون على تمويل سفريات أعضاء الكنيست اليهود وقادة اليمين الذين يشاركون في هذه المؤتمرات وإقاماتهم في الولايات المتحدة. أليس هذا تحريضاً على الإرهاب، الذي صدعت أمريكا العالم بالحديث عن محاربته والتحالف ضده؟ لكن إذا عرف السبب بطل العجب، فالجماعات الإنجليكانية تمثل العماد الفقاري لمصوتي الحزب الجمهوري، الذي يسيطر على مجلسي الكونغرس، فلا أحد يجرؤ على محاسبتها أو مراجعتها. من هنا لم يكن مستهجناً أن الوزير الصهيوني السابق الحاخام بني أيالون، الذي ينادي بطرد الفلسطينيين، يجاهر باعتماده على دعم الإنجليكانيين في مساعدة التنظيمات اليهودية على تدمير المسجد الأقصى. ولا يقتصر السعي لتعزيز العلاقة مع الإنجليكانيين على هوامش اليمين الديني المتطرف في «"إسرائيل"»، بل أن جميع الأحزاب الصهيونية في اليسار واليمين تسعى لتعزيز للتواصل مع هذه الجماعات. ومن أجل استنفاذ الطاقة الكامنة في التحالف مع الجماعات الإنجليكانية فقد تم تدشين لوبي في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) لتعزيز العلاقات معها، تحت سمع وبصر الإدارة الأمريكية. المفارقة أن الجماعات الإنلجيكانية تجاهر بعرض مسوغاتها الدينية لتفسير حماسها الشديد لتدمير المسجد الأقصى. فهؤلاء يرون أن نزول المسيح مجدداً يتوقف على عودة اليهود لـ «أرض الميعاد» وإقامة وطن «قومي لهم واندلاع حرب يأجوج ومأجوج في أرض «"إسرائيل"»». ويؤمن الإنجليكانيون بأن نشوب حرب «يأجوج ومأجوج» لن يتم إلا بعد أن يصبح «الشعب اليهودي هو صاحب السيادة» في هذه الأرض، وأن يتمكن من إعادة بناء الهيكل للمرة الثالثة، وهذا ما يجعل الإنجليكانيين مستعدين للتضحية من أجل توفير الظروف التي تضمن هذه النتيجة. ويعتقد الإنجليكانيون أن العرب هم الذين يعيقون تدشين الهيكل من جديد، وهذا سر تحالفهم مع «"إسرائيل"» واليهود، وكراهيتهم العمياء لكل ما هو عربي. وإن كان هذا لا يكفي، فأن الإنجليكانيين يرون في المستوطنات اليهودية «معجزة صهيونية» تحققت بعد أن «عاد شعب «"إسرائيل"» إلى أرضه، سيما يهودا والسامرة (الضفة الغربية) التي تمثل أرض التناخ». لكن الأمر لا يتوقف على الأمريكيين، ففرنسا تسمح لغلاة المتطرفين من اليهود لديها بالقدوم لـ"إسرائيل" والتطوع في الوحدات المسؤولة عن عمليات القمع ضد الفلسطينيين، ومواصلة الاحتفاظ بالجنسية الفرنسية. وتدلل المعطيات التي كشفت في «"إسرائيل"» مؤخراً على أن الشباب اليهودي الفرنسي يظهر حماساً للانضمام للواء «كفير»، الذي يتمركز في الضفة الغربية، ويتولى تنفيذ كل العمليات العدائية والإجرامية ضد الفلسطينيين. ويعتبر ضباط وجنود لواء «كفير» مسؤولين عن معظم عمليات القتل التي يتعرض لها المدنيون الفلسطينيون في الضفة. ويسهم هذا اللواء في حماية المستوطنين وحراستهم حتى عندما يقومون بعمليات الاعتداء على الفلسطينيين. بالمناسبة، ما ينطبق على الولايات المتحدة وفرنسا ينطبق على معظم الدول الأوروبية، وروسيا وكندا ودول في أمريكا الجنوبية، التي تسمح برفد الكيان الصهيوني بالإرهابيين، وبعد ذلك تسمح لهم بالاحتفاظ بجنسياتها. هذه الدول شريكة مباشرة في العمليات الإرهابية التي تنفذها «"إسرائيل"» وعصاباتها ضد الشعب الفلسطيني، وعليها أن تتحمل مسؤولية ذلك عبر رفع دعاوى ضدها في المحافل الدولية.



د. صالح النعامي

من نفس القسم دولي