دولي

دردشات تسبق الهدنة

القلم الفلسطيني


 

ترددت في الآونة الأخيرة تصريحات منسوبة إلى قيادات من حركة «حماس» تشير إلى «دردشات» حصلت مع بعض الدول الأوروبية حول اتفاق هدنة طويل الأمد مع الكيان، يتم من خلاله تخفيف الحصار المفروض على قطاع غزة. وهذه ليست المرة الأولى التي تخرج بها مثل هذه التصريحات، فقد سبقتها الكثير من التسريبات حول الأمر. وبغض الطرف عن ضرورة الاتفاق في الوقت الراهن على الصعيد الفلسطيني، إلا أنه يدل على أن «إسرائيل» قد أدركت أخيراً أن أمنها لا يتحقق إلا باتفاق يعيد بعضاً من الحقوق المسلوبة إلى أهلها.
يسعى الفلسطينيون و«الإسرائيليون» إلى تحييد المواجهة في الوقت الراهن، مع بقاء فرضية الانفجار موجودة في أي لحظة، فمن المعروف عن الصهاينة الإجرام والغوغائية، وقد يدخلون في مغامرات غير محسوبة تودي بهم إلى الهزيمة والهلاك، ككل مرة، في حين يريد الجانب الفلسطيني من الهدنة تخفيف وطأة الضغوط المتصاعدة على الشعب المحاصر، وبناء ما دمر في الحروب السابقة. بيد أن استمرار الحصار قد يدفع الفلسطينيين إلى التمرد على واقع التهدئة الهشة أصلاً، والدخول في مواجهة مع الاحتلال.
بعد أن فشل العدوان «الإسرائيلي» على غزة صيف عام 2014، بالإضافة إلى علو أصوات قطاع واسع من «الإسرائيليين» منددة بسياسات الحكومة التي أدخلتهم في مغامرات غير محسوبة، أدرك اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو، أن العصا بدأت تفلت من يده، وأنه لم يبق أمامه إلا حل سياسي يحيِّد من خلاله جبهة غزة، في ظل وجود جبهات أخرى ساخنة قد تشتعل في أي لحظة.
حاول المبعوث الدولي السابق للرباعية الدولية توني بلير، الدخول في وساطة، وذلك لم يأت من دافع إنساني لتحقيق غايات نبيلة تهدف إلى إنصاف المظلومين، بل جاء بعد إيعاز «إسرائيلي»، للدخول بالوساطة مع الفصائل الفلسطينية في القطاع، لتلملم خسائرها.
الكيان الغاصب أبدى استعداده للموافقة على إنشاء منفذ بحري تحت مراقبته لتسهيل الحركة، ورفع الحصار بشكل كامل عن غزة، والسماح لآلاف العمال بالتنقل بين القطاع والأراضي المحتلة عام 1948، مقابل توقف المقاومة عن حفر الأنفاق وإطلاق الصواريخ، وتهدئة تمتد إلى ثماني سنوات على الأقل.
تحفظت السلطة الفلسطينية على مبدأ الاتفاق، وأكدت أنها كانت على دراية باللقاءات، واعتبرت أن أي اتفاق بين «حماس» و«إسرائيل» يعني أن حماس أطلقت رصاصة الرحمة على احتمال المصالحة، بما أنها لم تعد ملتزمة بالإطار القيادي الفلسطيني الموحد، وانفرادها بتقرير مستقبل سكان القطاع بشكل أحادي، بما لا يمت للتوافق الفلسطيني بصلة. وبهذه التصريحات ندرك أن قضية فلسطين في طريقها إلى الضياع مع قيادات مشتتة مكانياً وسياسياً، فقيادات غزة لا تقبل بقيادات الضفة، والعكس هو الحاصل.
فمع ضرورة وجود اتفاق هدنة ينشل الغزيين من الويلات التي لحقت بهم جراء الحروب، إلا أنهم اليوم أحوج إلى مصالحة حقيقية تجمع شقي الوطن بحكومة فاعلة على الأرض، تقوم بالدور المنوط بها، وتسعى إلى عقد اتفاق هدنة مؤقتة مع الصهاينة تتوافق عليها الفصائل الفلسطينية دون استثناء. أولوية الفلسطينيين هي هدنة داخلية توحد الصف، ومن ثم الانطلاق نحو الكيان لمحاصرته في الميادين كافة، وانتزاع الحقوق منه.
علي قباجه

من نفس القسم دولي