دولي
عن المقاومة الفردية في الضفة من جديد
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 18 أوت 2015
بحسب صحيفة إسرائيل اليوم"، يسمي جيش الاحتلال موجة العمليات الأخيرة ضد الجنود والمستوطنين في الضفة الغربية باسم "عمليات الاجواء" التي ينفذها "منفذ فرد"، والتي تم ربطها بحرق الرضيع على دوابشة وعائلته. ونقلت عن وزير حرب الاحتلال قوله: "فليعلم كل من يحاول المسّ بجنود الجيش الإسرائيلي؛ شرطة حرس الحدود أو المواطنين الإسرائيليين، بأن دمه في رقبته"، مضيفاً "مكافحة الإرهاب الفلسطيني، سواء أكان من منظمات الإرهاب أم الأفراد، هي مكافحة معقدة وتتطلب يداً من حديد، طول نفس وتفكر؛ وهكذا نحن نعمل".
والحال أن موجة العمليات الفردية التي تصاعدت خلال الشهور الأخيرة لم تكن مرتبطة فقط بجريمة حرق عائلة الدوابشة، فقد سبقتها، وربما بدأ التصاعد منذ حرق الفتى محمد أبو خضير العام الماضي، لكن الأمر مرتبط بشكل أساسي بواقع الاحتلال وبردود السلطة عليه.
لا يحتاج الفلسطيني إلى جريمة هنا أو هناك كي يبادر إلى مقاومة عدوه، فالاحتلال هو أصل كل الجرائم، وهو بحد ذاته مبرر كافٍ للمقاومة، فضلاً عن أن يضيف إلى ذلك جرائم بشعة، ومعها استيطان وتهويد، وعدوان على الأقصى والمقدسات. يعتقد محمود عباس، ومن ورائه الاحتلال أن عملية إعادة تشكيل الوعي التي تمت بدأب عجيب منذ 2004 ولغاية الآن قد آتت أكلها؛ استكانة للاحتلال وقبولاً بواقع العيش في ظله، مع الاهتمام بالرواتب وهموم العيش والاستثمار، وهو أمر لا يمكن إنكاره بحال من الأحوال، ففي الضفة أجواء تشير إلى ذلك من حيث غياب الحاضنة الشعبية الحقيقية لبرنامج المقاومة، إما بسبب ما سلف، أو بسبب الثمن الباهظ الذي يمكن أن يُدفع تبعاً لها، أن كان بيد المحتل الذي يدخل أية منطقة، بما في ذلك مناطق (أ) بحسب تصنيفات أوسلو، أم بيد السلطة التابعة التي لا تتوقف عن اعتقال الشرفاء، ولم نسمع صليات رصاصها إلا في مواجهة المتظاهرين أو المعتصمين السلميين ضد الاعتقال السياسي.
لكن ذلك لا يعني أن كل شيء قد غدا على مقاس الاحتلال وسلطته التابعة، فهنا على هذه الأرض شبان لم تنجح مساعي إعادة تشكيل الوعي في المس بأرواحهم وضمائرهم، وظلوا يتوقون إلى مقاومة عدوهم بكل وسيلة ممكنة.
ولما كانت كل مساعي تشكيل الخلايا التي تقاوم الاحتلال بالسلاح والمتفجرات تفشل عمليا بسبب قدرات العدو الأمنية الرهيبة، وبسبب العمل المخلص من قبل السلطة التابعة، فقد لجأ بعض الشبان إلى المبادرات الفردية، باستخدام السيارات (الدعس)، وبالسكاكين، وربما وسائل أخرى لاحقاً، فيما ذهب آخرون إلى العمل الشعبي، بخاصة في القدس، حيث تغيب السلطة ورجالها المخلصين في التعاون الأمني مع العدو.
وفيما يعتقد المحتلون أنهم بإعطاء أوامر للجنود بقتل كل من يحاول على هذا الصعيد دون هوادة، ولو كان الأمر في دائرة الشك، فإن في فلسطين شبان لا يأبهون بالموت أصلاً، وهو يقاومون بما تيسر مهما كان الثمن.
لا شك أن على الفصائل الفلسطينية أن يكون لها جهد أكبر في تشجيع هذه المبادرات الفردية، والتي لا غبار عليه من حيث المشروعية، حتى وفق القوانين الدولية، فهي تستهدف جنودا ومستوطنين في الأراضي المحتلة عام 67، وينبغي أن تعلن عن تبني جميع من يجترح هذه المبادرات، أن كان أسيراً أم شهيداً، وتدفع حتى شبانها إلى ذلك، بدل تضييع الكثير منهم في عمليات تشكيل الخلايا التي ما يلبث أكثرها أن يكشف دون تحقيق شيء عملي.
لا يعني ذلك أن المسار الأخير ينبغي أن يتوقف، إذ يمكن أن يمضي من خلال المقتنعين به، والقادرين عليه، لكن المبادرات الفردية تبدو أكثر جدوى في الظروف الراهنة، ومعها الأعمال الشعبية، وبالطبع على أمل أن يتطور ذلك كله، وصولاً إلى الانتفاضة الشاملة التي لا بديل عنها للخروج من حالة التيه الراهنة، والتي قد تتعزز باتفاق التهدئة الذي يجري الحديث عنه في غزة.
ياسر الزعاترة