دولي
التهدئة مع "حماس" تُغري الاحتلال الإسرائيلي
نتائج الحرب الأخيرة عززت قناعات قادة اليمين بأنه لا يمكن حسم المواجهة مع المقاومة بالوسائل العسكرية
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 18 أوت 2015
ينسجم الحرص الإسرائيلي على التوصل لتهدئة طويلة الأمد مع حركة "حماس"، مع المنطلقات الأيديولوجية والتوجّهات السياسية الأمنية لنخب اليمين الحاكم في تل أبيب. فعلى الرغم من الغموض الذي يكتنف نتائج الجهود التي يبذلها مبعوث اللجنة الرباعية السابق توني بلير بشأن التوصل للتهدئة في قطاع غزة، فإن هناك عدداً من الأسباب تغري حكومة بنيامين نتنياهو بالتوصل للتهدئة مع "حماس"، مقابل رفع الحصار عن القطاع.
فقد عززت نتائج الحرب الأخيرة قناعات قادة اليمين بأنه لا يمكن حسم المواجهة مع المقاومة في قطاع غزة بالوسائل العسكرية، إذ أن قوة النيران التي استخدمها الجيش الإسرائيلي في هذه الحرب فاقت ما تم استخدامه في أي من الحروب العربية الإسرائيلية، باستثناء حرب 73، ومع ذلك، فقد ظلت "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، تطلق الصواريخ حتى قبل دقائق من موعد وقف إطلاق النار.
وباستثناء وزير الخارجية السابق للكيان الصهيوني أفيغدور ليبرمان، فإن أياً من القادة السياسيين والعسكريين لا يؤيد خيار إعادة احتلال قطاع غزة، الذي يعد وصفة لتورط طويل المدى في الوحل الغزي، علاوة على الثمن الكبير الذي سيدفعه الجيش الإسرائيلي قبل إنجاز مهمة إعادة الاحتلال. ومما يزيد أهمية استقرار البيئة الأمنية في جنوب إسرائيل للائتلاف الحاكم الحالي، حقيقة أن المستوطنين الذين يقطنون هذه المنطقة يمثلون جزءاً مهماً من القاعدة الانتخابية لليمين، مما يجعل حكومة نتنياهو تبدي حرصاً خاصاً على استقرار البيئة الأمنية في المنطقة.
في الوقت ذاته، فإن نخب اليمين في تل أبيب تنطلق من افتراض مفاده أن التوصل لتهدئة مقابل تحسّن الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، يسهم في إبقاء فتيل الانقسام الداخلي الفلسطيني مشتعلاً، مما يمنح الحكومة التي يقودها حزب "الليكود" المسوغات للطعن في التحركات الفلسطينية في المحافل الدولية، والهادفة إلى تأمين اعتراف أممي بالدولة الفلسطينية. فقد سبق لعدد من وزراء "الليكود" أن زعموا أن الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية يعني أن السلطة الفلسطينية لا تفرض ولايتها السياسية على القطاع، وهذا يدل على أنها غير قادرة على السيطرة على المناطق التي تطالب بإعلان الدولة الفلسطينية عليها.
من هنا، فإن حل مشاكل قطاع غزة الاقتصادية بمعزل عن توافق فلسطيني داخلي يعني منح إسرائيل الفرصة للتشبث بمواقفها الرافضة لفكرة الدولة الفلسطينية، ووقف الاستيطان والتهويد. في الوقت ذاته، فإن التوصل لتهدئة طويلة الأمد يمثّل مصلحة لقيادة الجيش الإسرائيلي، التي تكرر، أنه لا حل أمني لـ "معضلة" قطاع غزة.
فقد نقلت صحيفة "يديعوت أحرنوت" أخيراً عن الجنرال يوآف بن أيفن، قائد شعبة التخطيط في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، قوله أن التشبث بالخيارات العسكرية لمواجهة غزة يعني إبقاء الأوضاع على ما هي عليه.
وقد سبق لكبار المعلّقين العسكريين أن اقتبسوا عن أعضاء في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي قولهم، إنه يتوجب تحسين الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة إلى الحد الذي يقنع الأهالي في القطاع بأن هناك الكثير مما يمكن أن يخسروه في حال اندلعت مواجهة جديدة مع إسرائيل. وتزيد حالة انعدام اليقين بشأن طابع التحوّلات التي يشهدها الإقليم من الرغبة في التوصل لتهدئة مع غزة. ففي حال انفجرت الأوضاع على الجبهة الشمالية، أو توجّهت "ولاية سيناء" لتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية في النقب أو إيلات، فإن الحاجة لتهدئة مع غزة تزداد.
• الكثير من التطورات التي يمكن أن تسهم في وضع نهاية لأي تهدئة
لكن بغض النظر عن طابع الاعتبارات التي تحكم إسرائيل و"حماس"، فإن هناك الكثير من التطورات التي يمكن أن تسهم في وضع نهاية لمثل هذه التهدئة. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تُقدم إسرائيل على خرق التهدئة في حال واصلت حركة "حماس" بناء قوتها واستعداداتها للمواجهة المقبلة، ولا سيما على صعيد حفر الأنفاق الهجومية. فقد ادعى جهاز الاستخبارات الداخلية الإسرائيلي "الشاباك" أخيراً اعتقال ناشط في "حماس" اعترف بحفر 10 أنفاق هجومية على الأقل منذ انتهاء الحرب. وسيُقلّص اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية بمثل هذه التطورات هامش المناورة المتاح أمام القيادة السياسية في تل أبيب، وقد يدفعها للعمل ضد "حماس".
من جهة ثانية، فإن التطورات في الضفة الغربية يمكن أن تؤثر على صمود أي اتفاق تهدئة مستقبلاً. فعلى سبيل المثال يمكن أن تفضي العمليات التي تنفذها الجماعات الإرهابية اليهودية، واليأس الشعبي العام من نجاح التحركات الدبلوماسية للرئيس الفلسطيني محمود عباس، إلى انفجار الأوضاع في الضفة الغربية بشكل يؤثر سلباً على صمود التهدئة.
أمال. ص