دولي
ليست المشكلة عند "أونروا"
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 15 أوت 2015
عندما نتقصّى أسباب القصور المتفاقم، في خدمات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)؛ يخرج واحدنا بخلاصة مفادها أن هذه الوكالة، بمعيار الفحص السياسي؛ تتعرض لضغوط ثقيلة ومُنسّقة، هدفها الأساس محو صفة اللاجئ، عن الفلسطيني الذي سُلبت حقوقه، والتي هي حقوق أبنائه من بعده. فالحلقات الأولى، من "زمبركات" الوكالة، هي إدارتها وأرزاقها، بينما الحلقات المتأثرة هي اللاجئون الفلسطينيون، المستفيدون من خدماتها. نقول ذلك ليس دفاعاً عنها، على الرغم من بعض مآخذنا على الأكلاف العالية لإدارتها، وهي تخصم من الأرزاق التي تتاح لها، في حاليْ وفرتها وضآلتها.
أنشئت، أصلاً، بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 للعام 1949، منظمة لمساعدة المتضررين من العرب الفلسطينيين ومن اليهود الذين نزحوا من بيوتهم، كما في الصيغة الأولى لإنشائها، وقد تسلمت إسرائيل بعد أن تأسست على أرض فلسطين، المسؤولية عن اليهود. ومن حيث المبدأ، استند إنشاء الوكالة إلى الفقرة 11 من القرار 194 الصادر في ديسمبر 1948، وهنا يكمن سبب استهداف "أونروا" الآن. ومنذ البداية، حددت الوكالة مَن تنطبق عليه صفة اللاجئ، وهو الذي كانت فلسطين مكان حياته وإقامته الطبيعية، من 1 يونيو/حزيران 1946 إلى 15 ماي 1948.
"المشكلة ليست من عند الوكالة، بل هي بدأت وأخذت سياقها بمفاعيل صهيونية، أرادت، ولا تزال، تغيير الأساس الذي قامت عليه الوكالة، وتريد الإجهاز على حق اللاجئين في أرضهم وممتلكاتهم"
ممولو "أونروا" الأساسيون هم الأوربيون والولايات المتحدة. وقد نمت موازنتها، ووصلت إلى مليار ومئتي مليون دولار في العام 2009، لكنها لم تتلق من هذا المبلغ في ذلك العام سوى 948 مليوناً، ثم بدأت الموازنة تتأرجح. لكن المفارقة أن الأميركيين ظلوا هم الذين يسهمون بالجزء الأكبر من موازنة الوكالة، بل إن هذا الإسهام ارتفع من 239 مليون دولار في العام 2011 إلى 294 مليوناً في العام 2013. وفي هذه المفارقة، يكون الأميركيون مثل الذي يضرب الكف ويعدّل الطاقية. في الثانية، وهي تعديل الطاقية، ظلوا يدفعون، لكن الأمر في الأولى، وهي ضرب الكف، أو الصفعة، على وجه "أونروا"، هي أن حملة مسعورة، في الغرب، قامت ضدها لتغيير قاعدة تفويضها وعملها.
في العام 2004 بدأت الحملة. أطلقتها البروفيسورة اليهودية نيتزا نخمياس التي تلعب في الوسطين الأكاديميين، الإسرائيلي (جامعة تل أبيب ومعهد سديروت) والأميركي (جامعة ميريلاند). قالت نيتزا: أصبحت "أونروا" شبه دولة لها ثقافتها، وقد أصابتها أعراض الشيخوخة التي يصح تناولها بمنظار علم الأمراض (أسبابها وأعراضها) كانت تلك توطئة الكلام، وجاءت السطور لتكشف عن المقاصد: العَرَض المرضي يمثله تحجرها، ومقاومتها تعديل وضعها وفق تغيرات البيئة السياسية، ورفضها أن تخطو في اتجاه تسليم مسؤولياتها للسلطة الفلسطينية!
ما إن تفشت أقوال نيتزا، في الفضاء الصهيوني؛ حتى بادرت "أونروا" نفسها في العام 2007 إلى تنفيذ برنامج تطوير تنظيمي لرفع كفاءة أدائها، لكن الصهاينة لاحقوها بالاتهامات، فمن قائل إن بعض مستخدميها باتوا من المقاتلين الفلسطينيين المعروفين، فيما هي تعمل على إدامة اعتماد الفلسطينيين عليها. ومن قائل، إنها (بالمحصلة) تساعد على شيطنة إسرائيل، وتقتنص المال من حكومات الغرب، لتضعها في جيب السلطة الفلسطينية التي تشتري به السلاح لممارسة الإرهاب (!). وكأن السلطة تقبض من "أونروا" مثلما يقول هؤلاء الكذابون، وأنها تشتري السلاح لتقاتل إسرائيل.
بعدئذٍ، نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مقالاً مشتركاً لضابط الارتباط الإسرائيلي، عساف روميرويكسي (عمل في الضفة) والآثاري الأميركي الصهيوني، ألكسندر جوفي (فشل في العثور على دليل واحد على يهودية فلسطين)، كتبا فيه: بصراحة، إن وظيفة "أونروا" هذه، هي إدامة النزاع. فعلى الرغم من الهدف الظاهر لعملها؛ يصعب القول إنها أنشأت مؤسسات فلسطينية ترعى مجتمعاً مدنياً حقيقياً. لذا، لا بد من حل هذه الوكالة، لكي يتحمل الفلسطينيون بأنفسهم، المسؤولية عن بناء مجتمعهم المدني.
للإنصاف، قاومت "أونروا" الهجوم عليها، ونطقت بما ينبغي أن تنطق به، ففي العام 2011 أعلن الناطق باسمها، كريس غانيس، من القدس (وبالحرف، أنقله عن الإنجليزية): إن اللاجئين الفلسطينيين، ما زالوا لاجئين، فالأسباب التي جعلتهم يغادرون بلدهم ما زالت قائمة. فقط بتكريس العدالة والوضع الدائم لحياتهم، بما ينسجم مع القانون الدولي، والتوصل إلى حل على أساس حق اللاجئين؛ سيتغير الوضع. هذه مسؤولية حصرية، تقع على عاتق اللاعبين الكبار على مسرح السياسة الدولية. فلا يُعقل أن يكون بديل ذلك القول للاجئين اذهبوا بعيداً واندثروا، أو تفرقوا في الكوكب الأرضي، أو أن يتوخى آخرون الحل في شطب "أونروا".
هنا، تتبدى وجاهة الرأي، إن المشكلة ليست من عند الوكالة، بل هي بدأت وأخذت سياقها بمفاعيل صهيونية، أرادت، ولا تزال، تغيير الأساس الذي قامت عليه الوكالة، وتريد الإجهاز على حق اللاجئين في أرضهم وممتلكاتهم. فوقوع "أونروا" بين مطرقة الاستهداف السياسي وسندان قاعدة تفويضها، هو الحال الحرجة التي وُضعت فيها الوكالة أمام الفلسطينيين. هنا، يصح الافتراض أن هناك محليين متواطئين ومرتشين في الإقليم، يتبدّى موقفهم وكأنهم في مأزق، وكأن الوكالة "اللئيمة" ستضع على كاهلهم المرهق أصلاً مزيداً من أعباء اللاجئين الفلسطينيين، لا سيما في خدمات التعليم والصحة. من هنا، ينبغي أن نبدأ ونعمل.
عدلي صادق