دولي

الأسرى شهداء أيضاً

القلم الفلسطيني

 

عودتنا حركة النضال الفلسطيني على ولادة أسماء تتلألأ في سماء تلك الأرض الطيبة، وتكون شاهدة على بشاعة الاحتلال الصهيوني ومشروعه الاستئصالي، فبعد استشهاد الرضيع علي الدوابشة في محرقة استيطانية التحق به والده سعد الدوابشة، ومازالت رائحة الموت تحوم حول قرية دوما النابلسية انتظاراً لمصير الوالدة وأحد أبنائها اللذين يصارعان للنجاة من نيران تلك العملية الحاقدة.

في سجون الاحتلال أيضاً هناك جريمة لا تقل فظاعة عن حرق الأطفال، بعدما دخل 148 أسيراً فلسطينياً في إضراب مفتوح عن الطعام وتدهورت حالة الأسير محمد علان وتعتزم سلطات الاحتلال تغذيته قسرياً، لترتكب بذلك جريمة جديدة لا تقل وحشية عن جريمة الأسر ذاتها، حيث يتم اضطهاد نحو خمسة آلاف فلسطيني في معتقلات مختلفة هم شهداء على جريمة يتجاهلها العالم، فكثير منهم انتهت مدد محكوميتاهم الظالمة، ولكن إمعاناً في التنكيل بهم والرغبة المسعورة في كسر إرادتهم تمتنع سلطات السجون عن إطلاق سراحهم وفق ما تنص عليه القوانين والشرائع.

وضع الأسرى البائس، والذي تفاقم في السنوات الأخيرة لاعتبارات عدة، لم يعد محتملاً ولذلك فرضت عليهم معركة يخوضونها بما يملكون وهو الامتناع عن الطعام لعل ضميراً إنسانياً ينتفض فينال هؤلاء الأسرى حريتهم، وفي غمرة هذه الملحمة النضالية يلمع اسم المحامي الأسير في سجن النقب محمد علان المضرب عن الطعام منذ نحو شهرين، ويرقد منذ أيام في غرفة العناية الفائقة بأحد مستشفيات الاحتلال. ويبدو من التقارير المتطابقة أن حالة هذا الأسير حرجة تحاول سلطات الاحتلال تجاوزها بتغذيته قسراً عبر أنابيب وهو في غيبوبة، وربما سترتكب جريمة قتله إذا اختنق أو دخلت السوائل رئتيه، لا سيما أن هذا الأسلوب القهري جرب سابقا وأدى إلى استشهاد عدد من الأسرى. ومهما كان التعامل مع الأسير علان، فالجريمة قد حصلت وبلوغه هذه المرحلة الخطيرة أوصل رسالة مفادها أن الأسر في سجون الاحتلال الصهيوني ما هو إلا استمرار لواقع الجريمة المسلط على الشعب الفلسطيني أينما كان، وما يحدث من انتهاكات وتنكيل في المعتقلات يتضافر مع ما يحصل خارجها لتتشكل صورة القاتل الصهيوني وضحيته الفلسطيني بمختلف أبعادها. ومع كل جريمة تضاف شهادة، ولا فرق بين أن يقتل الفلسطيني حرقاً أو قنصاً أو قصفاً أو أسراً أو حصاراً، فالقاتل واحد، والقضية تستحق كل تلك التضحيات وأكثر، وكأنها معادلة أبدية.

ربما لا تساعد الحالة المتدهورة، التي تمر بها المنطقة في ظل تشرذم الموقف العربي، على التفاؤل بأن حركة ما ستأتي لتردع الكيان الغاصب عن سياساته الإجرامية، ولكن لا بد أن يأتي اليوم الذي سيستعيد فيه الشعب الفلسطيني أرضه ووجوده. وقد يعتقد البعض أن هذا القول هو من قبيل التخفيف من هول المصائب، ولكن ما هو مؤكد أن حركية التاريخ لا تثبت على حال «ومن سره زمن ساءته أزمان»، والشعب الفلسطيني الذي ينكل به الصهاينة في كل ميدان سيقيض له القدر ظروفاً تحرره، ولا بأس إن كان ذلك الحلم بعيداً، ولكنها الحقيقة التي سترسو عليها الأحداث يوماً.

 

مفتاح شعيب 

من نفس القسم دولي