دولي

أزمة "الأونروا": اسألوا عن "إسرائيل؟"!

القلم الفلسطيني



العلامة الأكبر للأصابع الإسرائيلية والصهيونية في مسببات أزمة وكالة "غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (الأونروا)، هي السكوت الإسرائيلي والصهيوني الرسمي اللافت في الآونة الأخيرة. فهذا سكوت يأتي بعد أن باشرت "إسرائيل"، قبل أكثر من ثلاث سنوات، مبادرة لوقف عمل "الأونروا"، بهدف ضرب قضية اللاجئين الفلسطينيين، وعدم الاعتراف بأبناء الجيل الثالث وأكثر من هؤلاء على أنهم لاجئون. وقد نجح اللوبي الصهيوني في سن قانون أميركي يهدف إلى تقليص الدعم الأميركي لوكالة الغوث.
وكنت قد عرضت تفاصيل مركزية للمؤامرة الصهيونية ضد "الأونروا" في مقال في "الغد" قبل ثلاث سنوات. وللتذكير، فإن نائبة من حزب "العمل" في حينه، تدعى عينات وولف، وكانت باحثة سابقة، استأنفت عملها لاحقا، فيما يسمى "معهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي" التابع للوكالة الصهيونية، قد أطلقت مبادرة تعمل بموجبها إسرائيل والصهيونية على إقناع العالم بوقف عمل وكالة غوث اللاجئين، وعدم الاعتراف بأحفاد اللاجئين ومن يأتي من بعدهم، كلاجئين فلسطينيين؛ بمعنى تصفية اللجوء الفلسطيني.
بطبيعة الحال، فإن وولف لم تكن مبتكرة لهذه المبادرة، فهي صيغت أساسا في ذلك "المعهد" الذي يتولى رئاسة مجلس إدارته مستشار الرئيس الأميركي السابق دنيس روس. وفي منتصف العام 2012، أقر الكونغرس الأميركي مشروع قانون بادر له أحد النواب الداعمين للصهيونية وإسرائيل، يقضي بإلزام لجنة المساعدات الأميركية اشتراط تقديم الدعم السنوي لوكالة "الأونروا"، بالحصول سنوياً على عدد اللاجئين الفلسطينيين منذ العام 1948، من دون الأبناء والأحفاد، على أن تكون هذه الخطوة تمهيداً لمبادرة أخرى، تهدف إلى قطع المساعدات عن الأبناء والأحفاد، بهدف دفعهم على التوطن في أماكن اللجوء.
وبعد مرور ثلاث سنوات، لا نعرف مصير هذا القانون الذي عارضته في حينه الخارجية الأميركية. إلا أن التقارير الإخبارية تتحدث عن تراجع في الدعم الأميركي لوكالة الغوث.
ونذكر تماماً أن الدبلوماسية الإسرائيلية نشطت في أروقة الأمم المتحدة في العام 2012 تحديداً، لإقناع الدول الغنية بتصفية "الأونروا". لكن في العامين الأخيرين، ساد هدوء إسرائيلي ملحوظ بشأن هذا الملف. والفرضية الأساسية التي يجب أن نتمسك بها، استناداً لتجارب السنين، هي أن الصهيونية لا يمكنها التنازل عن فكرة أو مؤامرة ذات بعد استراتيجي في أقصى درجات الأهمية بالنسبة لها. ولهذا، فإن الصهيونية تعمل من دون شك عبر القنوات الهادئة، ولن نتفاجأ إذا تكشف لاحقاً أن أذرع الصهيونية ساهمت بشكل واضح في إقناع دول بتقليص مساهماتها في وكالة الغوث، أو التقاعس عن تسديد قسطها في ميزانية الوكالة.
وإذا سكتت القنوات الصهيونية والإسرائيلية المركزية، فإن الأذرع الأخرى تستمر في عملها. ففي بحث في أخبار الأشهر الثلاثة الأخيرة، كنموذج، تبين أن ما يسمى "معهد استراتيجيات الصهيونية"، وهو أحد معاهد اليمين الأشد تطرفا وإرهابا، بات يتحرك في الأشهر الأخيرة في الولايات المتحدة وغيرها، داعيا إلى تصفية "الأونروا". وقد نشر المعهد "بحثا" يشكو في استنتاجه من أن وكالة الغوث لم تساعد الفلسطينيين على التوطن في الدول العربية، حسب تعبير "البحث".
كذلك، وجدنا معهداً آخر، من معاهد اليمين، أخذ لنفسه اسم "معهد يروشلايم لتسيدك" (معهد يروشلايم للعدالة)، شرع بحملة في أروقة الكونغرس الأميركي لتصفية "الأونروا"، لكن هذه المرّة تحت مزاعم أن الوكالة تشجع ما يسميه الاحتلال الإسرائيلي "إرهاباً".
إن الدول "المانحة" لوكالة غوث اللاجئين لا تقدم دعماً مالياً "ككرم أخلاقي فوق العادة"، بل هذا واجبها، لأن غالبية هذه الدول، خاصة "الكبرى" منها، تتحمل قسطاً من مسؤولية جريمة الاحتلال الإسرائيلي المستمر، والعربدة الصهيونية في فلسطين والعالم، بسبب تواطؤها مع السياسات الإسرائيلية والصهيونية، ما يشجع على بقاء الاحتلال وتثبيته، والقضاء تدريجياً على فرصة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعودة اللاجئين، وحرمان شعب بأسره من أن يعيش في وطنه، حراً كريماً كباقي الشعوب.
إن شلّ وكالة غوث اللاجئين "الأونروا"، أو تقليص خدماتها اضطراراً، أو تقليص أعداد المستفيدين من خدماتها، هو جريمة أخرى من جرائم الاحتلال. لكن في هذه الحالة فإن الأمم المتحدة تكون شريكة فعالة بهذه الجريمة.


برهوم جرايسي

من نفس القسم دولي