دولي

إنهم يسيئون لفتح وليس لحماس

القلم الفلسطيني



"سلطان أبو العينين" قائد في منظمة فتح، يقول "إن حماس بحاجة إلى شهادة وطنية من حركة فتح، وإن فتح أطلقت النار عندما كانت حماس تتعلم الوضوء".. وليس من قبيل الرد على الرجل ولا الدفاع عن حماس؛ ولكن لأنها فكرة تنطلي على قوم ليس يدرون الخبر، ولأنها تمس القضية الفلسطينية وتاريخها وددت أن أكتب اليوم في ذلك؛ فأقول:
ليست حماس التي تأخذ شهادة بالوطنية من "فتح" ولا من غيرها، كما أنه ليس لحماس أن تعطي شهادة لفتح أو سواها؛ فالوطنية ليست شهادة تعلق على حائط أو تضم للسيرة الذاتية لنوال وظيفة أو تزكية، ولكنها قيمة تثبتها الأحداث ومجريات تؤكدها التحديات، ودماء تنطلق منها المواقف، وهي رأي عام جمعي يؤشر عليها ويقر بها.
فإن تحدثنا بهذه اللغة الجامعة التي تتجاوز الأشكال والمظاهر إلى المخابر والجواهر؛ فإن حماس التي قدمت قادة صفها الأول شهداء لا تقل عن فتح التي قدمت مثلهم ذات يوم.. وإن من ميزة فهي لحماس التي قدمت ولا تزال تقدم فيما غيرها قدم ثم خلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوات واتبعوا الشهوات وبددوا الميراث الثوري ورضوا أن يكونوا مع الخوالف، ويقدسون التعاون مع العدو بما ليس له أي مفهوم سوى الخيانة في أي حركة تحرر وطني عرفها التاريخ – والكلام هنا عن أشخاص وليس عن كل المنظمة – التي لا تخلو من أوفياء وإن مسحوقين ومضيعين!
وبهذه اللغة أيضاً فإن حماس التي خاضت حروباً حقيقية ضد العدو لا تقل عن حروب بيروت وقلعة الشقيف؛ وإن من ميزة فهي لحماس التي هي في كل يوم وفي كل الوقت بين معارك دم يسفك ولحم يقطع وأياد وأرجل تبتر وبيوت ومزارع تهدم وصواريخ تطلق في الجهتين أو بين إعداد واستعداد وتشغيل كل ساعة وكل دقيقة في التجهز للمعركة القادمة من حفر الأنفاق وتصنيع الصواريخ وتحضير للأسباب وتخطط لعمليات كعملية "زيكيم" البحرية وأبو مطيبيق البرية، أو هي تدرب الشبان والفتيان وتخرج الدفعات تعدهم ليوم كريهة وسداد ثغر..
لن أطيل في عد ما امتازت به حماس من الأمجاد والأفعال الحقيقية مما يراه حتى الأعمى ويسمع به حتى الأصم؛ فتلك صفحات مجد أعظم من أن يحيط بها رد على شخص مشكلته أنه لا يريد أن يرى الحقيقة أو أنه يبحث عن دور في منظمته أو عن مرتفع يقف عليه فلا يجد أعلى من حماس وتاريخها النضالي ليعتليه ويزعق من فوقه.
أما الوضوء الذي يعيّر به "أبو العينين" حماس؛ فالحمد لله أن أنطقه بهذه الكلمة التي رفع بها حماس من حيث لم يرد إلا شنأها.. فالوضوء هو عنوان الطهارة والإقبال على الله تعالى وطريق التربية الروحية التي جعلت مجاهداً من حماس – كإبراهيم حامد - يظل في زنازين التحقيق الأشهر الطوال تحت كل أنواع الضغط والإرهاب دون أن يعترف للعدو باسمه، وجعلت آخر (كجمال النتشة) يحقَّق معه خمسة أشهر فلا يقر بشيء ثم يرى المحققون نقله إلى مركز تحقيق آخر ويأتيه الضابط المحقق ليقول له "يا جمال لم تعترف عندي وأقسم أنك لو اعترفت في مكان آخر لأطلقن عليك النار"!!
هذه التربية الروحية هي التي تعصم حماس من العدو لا يخترقها كما اخترق قيادات لدى غيرها، وهي التي تلحّم جهازها العسكري بالسياسي وتصهر الداخل بالخارج فلا تنشق على نفسها كما يحدث لغيرها من تنظيمات المصالح والمهابط؛ وليس هو تلاحم ورضا عن خنوع ومهانة ولكن هو المحبة والثقة والتسابق لإرضاء المولى عز وجل..
فإن أخذنا ما قاله "أبو العينين" على فرض أنه لا يعلم!! فليعلم أن فتح ذاتها كانت جزءاً من إعدادات الإخوان المسلمين وإلا فمن (أبو جهاد وأبو إياد ورفيق النتشة وأبو عمار نفسه) الذين أسسوا فتح ثم قادوها؟
إنهم الإخوان وتربية الإخوان ولغة الإخوان وثمرة الإخوان؛ وهل حماس إلا "الإخوان"؟
فإن شاء أن يعلم عن "الإخوان" - وليس المجال للاستفاضة – وأنا أعلم أنه من النوع الذي لا يقرأ! فليعلم أن البنا أرسل بعد أشهر قليلة من تأسيس الجماعة رسالة للحاج "أمين الحسيني" وتحديدا سنة 27 يخاطبه في مسائل تتعلق بالقضية، وأنه كان يستقدمه لمصر ليحاضر في جمعيات وجموع الإخوان في الوقت الذي كان الشعب المصري لا يسمع شيئاً عن فلسطين.
وإن شاء "أبو العينين" أن يعلم فليسأل بيارات غزة والتبة 86 وليسأل جبال الضفة ومدينة بيت لحم والخليل عن كتائب الجهاد المسلح في الــ47 والــ 48 التي جعلت أول رئيس وزراء للكيان "بن غوريون" يصف إبداعهم وأداءهم وشجاعتهم في مذكراته بقوله "لقد دخل الميدان قوم لا قبل لنا بهم".
وإن شاء "أبو العينين" أن يعلم فليسأل الفتحويين الأصلاء عن معسكرات الإخوان في الأردن تلك التي كان يباهي بها عرفات جماعته ويقول لهم "أريد عمليات كعمليات الشيوخ"!!
الحقيقة أن مصيبة الإخوان كانت دائماً في أمثال "أبو العينين" من النظم العربية المتهرئة التي كانت دائماً تقطع الطريق عليهم والتي هي اليوم تفعل الشيء ذاته مع حماس فيما نرى من الحصار والتضييق والتشويه والمعارك الجانبية والحزازات البليدة التافهة.
آخر القول: على منظمة "فتح" ومع كامل التقدير لماضيها أن تكف هؤلاء"؟؟" الذين يستدعون إلقاء الحجارة على زجاجها، وعليها أن توقفهم عن التنبيش عليها بأخطائهم وخطاياهم؛ بقدر ما عليها أن تحذر من مراداتهم الخطرة على الحالة الفلسطينية عموماً والفتحوية خصوصاً.



عدنان سليم أبو هليل

من نفس القسم دولي