دولي

الأقصى تحت الضرب

القلم الفلسطيني

 

 

لقد أدى صلاة الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك الفائت نحو ربع مليون مواطن فلسطيني استطاعوا أن يصلوا للمسجد وباحاته على الرغم من كل الأساليب التي عمدت إليها سلطات الاحتلال للتخفيف من أعداد المصلين القادمين للقدس من مختلف مناطق الضفة الغربية وحتى من مناطق فلسطين المحتلة عام 1948. 

ومن تلك الأساليب منع الرجال دون الخمسين عاماً من دخول الحرم، واشتراط دخول النساء من سن (16-30) عاما لأداء الصلاة في الأقصى أيام الجمعة بالحصول على تصريح مسبق، فيما ينطبق هذا الإجراء على الرجال من سن ثلاثين-خمسين عاماً، واتخاذ سلسلة من القيود الجديدة على مدينة القدس المحتلة وإجراءات التحرك من الضفة الغربية وإليها. 

هذا فضلاً عن إغلاق معبر قلنديا الواصل بين مناطق الضفة الغربية، وهو معبر استحدثته سلطات الاحتلال بعد ضمها الجائر لمدينة القدس إثر احتلالها الكامل للمدينة في جوان 1967، وهو معبر أشبه بـ"غيتوهات" النازية، حيث يمر المواطنون الفلسطينيون عبر مسار حديدي ضيق جداً قبل الوصول إلى البوابة الأولى ومنها إلى الثانية والثالثة، وهناك تفحص بطاقات الهوية والتصاريح الخاصة بكل شخص قبل السماح له بالعبور من عدمه. 

وفي حال نجح الفلسطيني في المرور تبدأ المرحلة الثانية من الرحلة، وهي الحصول على مقعد في حافلة خصصتها سلطات الاحتلال لتقل المصلين، أو حافلة عادية من تلك المخصصة للركاب بين مدينتي بيت لحم والقدس المحتلة. 

لقد كانت صلاة الجمعة الأخيرة من رمضان صلاة مباركة لعموم الناس في فلسطين، كما كانت واحدة من جولات التحدي الذي أبداه الفلسطينيون في الدفاع عن المدينة وأقصاها، وفي مواجهة الاحتلال وعصابات المستوطنين ومجموعات اليهود المتشددين الذين يقومون بين حين وآخر بافتعال المزيد من أعمال الاعتداء والعنف اليومي تجاه المقدسيين، ويحاولون بشكل دائم دخول باحات المسجد. 

وفي الـ26 من جويلية الجاري دخلت مجموعات منهم بحماية سلطات الاحتلال وبقيادة الوزير أوري أرئيل باحات المسجد، فتم تكسير العديد من أبواب الخشبية، واقتلاع بعض السجاجيد، عدا عن اقتحام المسجد والاعتداء على المصلين، وإطلاق قنابل الغاز المدمع والقنابل الصوتية لتفريق من هب من أبناء المدينة للدفاع عن المسجد، فكان هجوم قوات الاحتلال واقتحامها المسجد الأقصى عملاً همجياً ومخالفاً لكل المواثيق الدولية. 

ومن المعروف أن مجموعات المستوطنين والمتشددين من المجموعات اليهودية المتطرفة وحتى غير المتطرفة تستغل سماح "الشرطة الإسرائيلية" لها بدخول المسجد ومعها السياح الأجانب لزيارة الحرم القدسي الذي يضم المسجد الأقصى وقبة الصخرة عبر باب المغاربة. 

هذا فضلاً عن قيام حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة بإخراج العديد من المشاريع الموضوعة في الأدراج، والهادفة لتوسيع عمليات الهدم والتهجير "الإسرائيلية" في مدينة القدس ومحيطها من أجل تحويلها لمدينة يهودية خالصة في سياق المشاريع الهادفة إلى إحداث الانقلاب الديمغرافي لصالح أغلبية يهودية على حساب الوجود العربي الإسلامي والمسيحي، بل وإفراغ القدس الشرقية تماماً من العرب حتى عام 2020، وبناء ما تسميه مصادر الاحتلال الجدار الديمغرافي اليهودي. 

إن قضية القدس تمس الإنسان والأرض والعقيدة عند المسلمين والمسيحيين، والصراع عليها أبعد من صراع حدود ترسمها التصورات "الإسرائيلية"، وعلى ضوء واقعها الحالي وتواصل الاعتداءات على الأقصى من قبل مجموعات المستوطنين والمتطرفين تحت رعاية سلطات الاحتلال، ووقوع عمليات القضم المتتالي لأراضيها لمصلحة التوسع الاستيطاني التهويدي الجائر فإن مهمات فلسطينية وعربية وإسلامية عاجلة تتطلب التحرك من أجل إنقاذ المدينة المقدسة على كل المستويات بدءاً من تنشيط صندوق القدس لدعم المدينة ومؤسساتها الفلسطينية وعموم مواطنيها، والتحرك الفعال داخل الأطر الدولية من أجل إنقاذ الأقصى والإرث الحضاري الكبير الإسلامي والمسيحي في المدينة، وحمايتها من سرطان التهويد الزاحف. 

كما أن هناك ضرورة لتدخل منظمة المؤتمر الإسلامي والدول العربية والإسلامية بالشكل المطلوب والمرتجى، ومغادرة لغة البيانات اللفظية لوقف هذا الجنون "الإسرائيلي الصهيوني" بحق الأقصى والمقدسات الإسلامية، وضرورة تنشيط التحالف بين عشرات المؤسسات المدنية العاملة في مجتمعات الأسرة الدولية لأجل نصرة فلسطين والأقصى المبارك بشكل خاص، فهو والقدس الآن في خطر حقيقي لأن هناك نية مبيتة للنيل منه من قبل الجماعات اليهودية المتطرفة. 

من الضروري أيضاً تكثيف حملات توعية فلسطينية للمواطنين المقدسيين للحيلولة دون انتشار ذلك، حيث سيكون له أثر خطير جداً على مستقبل مدينة القدس وهويتيها العربية والإسلامية. 

علي بدوان

من نفس القسم دولي