دولي

تكتيك صهيوني كلاسيكي

القلم الفلسطيني

 

لا يُمكن النظر إلى قرار الحكومة الإسرائيلية الأخيرة بشأن المباشرة ببناء 300 وحدة سكنية في مستوطنة بيت أيل القابعة في قلب الضفة الغربية المحتلة (شرق رام الله) إلا في سياق التكتيك الصهيوني الكلاسيكي الذي يستندُ إلى منطق فرض الاستيطان كأمر واقع حتى يُطلب من الجانب العربي عندئذ قبول ما يسمى بالحقائق على الأرض. واللافت حقاً أن إسرائيل بقرارها هذا إنما تعكس قراءةً دقيقة للعقلية الغربية التي "تتفهم" مسألة وجود حقائق على الأرض، وهو أمرٌ كُرّس برسالة الضمانات سيئة السمعة التي بعث بها الرئيس بوش إلى رئيس وزراء إسرائيل أرئيل شارون في عام 2004 والتي تعهد فيها بأن تأخذ الولايات المتحدة بالحسبان حقيقة التواجد اليهودي في الأرض الفلسطينية ما فُسّر إسرائيلياً بأنه تأييد أمريكي ضمني لفلسفة التوسع. 

"إسرائيل" لا تعترف بأن الاستيطان مخالف للقانون الدولي على اعتبار أن من حقها "تسمين" المستوطنات القائمة استجابة للتغيرات الديمغرافية داخل هذه المستوطنات، والحق أن نتنياهو أقدم على هذه الخطوة الأخيرة استجابة لضغوط مارسها عليها أعضاء كنيست من حزبي الليكود والبيت اليهودي، وهي ليست المرة الأولى التي يستجيب فيها نتنياهو لضغوطات داخلية وإن كانت على حساب الأرض الفلسطينية، فنتنياهو يعمل وفق مبدأ رد الجميل لحلفائه في الحكومة الذين عادة ما يمثلون مصالح المستوطنين، فمقابل تأييدهم لسياساته ومنحهم الثقة به يسدي لهم خدمات حتى وإن كان ذلك على شكل توسع استيطاني. وحتى بعد أن أصدرت محكمة العدل العليا الإسرائيلية قراراً بهدم بعض الوحدات السكنية غير القانونية (وكأن هناك بناء استيطاني قانوني!) فإن أعضاء بارزين من الحكومة الإسرائيلية يتحدون القرار بطريقة لا تخلو من التهكم، فهذه وزيرة العدل المتطرفة ايليت شاكيد والتي من المفترض أن تكون حريصة على تنفيذ القانون بوصفها وزيرة للعدل تصرح بأن قرار المحكمة يجب أن ينفذ على أن يعاد بناء الوحدات مرة أخرى، وقالت أن " هذه الطريقة اليهودية، فعليك ألا تفقد الأمل وتستمر في البناء ثم البناء ثم البناء". ومثال آخر على الإصرار الصهيوني على ترسيخ الأمر الواقع القائم على التوسع هو ما قاله وزير المعارف الإسرائيلي وزعيم حزب البيت اليهودي نفتالي بينيت عندما قال: أن عمل المحكمة هو إصدار الأحكام في حين أن من واجب الحكومة بناء الوحدات السكنية وأن هذا هو الرد الصهيوني المناسب وهكذا يتم بناء الدولة. فهذه العينة من الوزراء تستهين حتى بالقانون الإسرائيلي أن كان من شأن تطبيقه إبطاء المسيرة الصهيونية التي تستلزم التوسع. 

من غير المنتظر أن تكون هناك معارضة إسرائيلية فعّالة لقرار بناء الوحدات السكنية، فالمعادلة الناجزة إسرائيلياً هي أن هناك تزايداً مستمراً في أعداد المستوطنين وأعداد الوحدات السكنية ولا يبدو أن ديناميكية التوسع الإسرائيلية ستقف عن الاستمرار في مشروع التوسع على حساب الجانب الفلسطيني. وحتى الانتقادات الأمريكية لا تحدث أثراً لأن الجانب الإسرائيلي لا يدفع ثمناً لعدم احترامه للموقف الأمريكي المعارض – وإن كان على استحياء – لسياسة الاستيطان. فالخارجية الأمريكية وعلى لسان مارك تونر نائب المتحدث باسمها عبرت عن قلق الولايات المتحدة لإعلان "إسرائيل" بناء المئات من الوحدات الاستيطانية الجديدة في مستوطنة بيت ايل وفي القدس الشرقية، وأضاف مارك تونر بأن من شأن هذا العمل أن يهدد حل الدولتين ويشكك في احترام "إسرائيل" لحل الصراع من خلال التفاوض. 

طبعا من شأن ذلك أن يتهدد حل الدولتين! ف"إسرائيل" تنشر المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية على نحو سيجعل من إقامة دولة فلسطينية مستقلة ومتواصلة جغرافيا أمراً مستحيلاً، فالمستوطنات بشكل عام مقامة على أبواب كبريات المدن الفلسطينية لتفصل التجمعات السكانية الفلسطينية عن بعضها البعض، واللافت أن المسافة التي تفصل مستوطنة بيت أيل عن بيت الرئيس الفلسطيني محمود عباس هي بحدود ثلاثة كيلومترات! واستنتاج أن حل الدولتين بات غير قابل للتطبيق إلا إذ تم تفكيك هذه المستوطنات هو أمر لا ينكره حتى الكثير من الإسرائيليين، لذلك نشط البعض من بينهم وبخاصة بعض المفكرين الاستراتيجيين في كتابات نشرت في مركز بيغن بجامعة بن غوريون يطالبون فيها بالتوقف عن التفكير في وهم حل الدولتين والتفكير في خيارات أخرى لن تفضي إلى إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية. ونشرت العديد من الدراسات التي تبشر بحلول إقليمية ليس من بينها حل الدولتين. 

وعلى ضوء ما تقدم يحق لنا التساؤل فيما إذ لم يحن الوقت بعد ليستفيق الجانب العربي والفلسطيني على وجه التحديد بأن "إسرائيل" لا تقيم وزنا لمقاربة حل الدولتين التي راهن عليها النظام العربي الرسمي والسلطة الفلسطينية؟! والأمر لا يبدو وكأن الجانب الفلسطيني لا يرصد التكتيك الصهيوني الكلاسيكي المتعلق بخلق حقائق على أرض الواقع وإنما لا يبدو أن هناك رغبة فلسطينية لدى السلطة في الخروج من مأزق حشرت نفسها فيه إذ راهنت السلطة الفلسطينية على أن المجتمع الإسرائيلي قد يتغير وأن المجتمع الدولي لن يسمح لـ"إسرائيل" بالتملص من استحقاق حل الدولتين. بالتجربة نقول أن هذا الرهان خاسر وأن التكتيك الصهيوني هذا مستمر إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. 


حسن البراري 

من نفس القسم دولي