دولي

داود وجالوت

القلم الفلسطيني

 

 

لم يكن الاحتلال الصهيوني بحاجة إلى تشريع جديد لتغطية جرائمه التي يرتكبها يومياً بحق الفلسطينيين، فهو يرتكبها علناً وفي وضح النهار من دون أي رادع، منذ أن وطئت أقدام أول مهاجر صهيوني أرض فلسطين، ولديه من «القوانين والتشريعات» الخاصة به ما يكفي لتبرير هذه الجرائم أمام المجتمع الدولي، طالما بقي التعامل مع الكيان الصهيوني ك «دولة فوق القانون».

وعندما يقر «الكنيست» قانوناً بمعاقبة راشقي الحجارة من الأطفال الفلسطينيين بالسجن لمدد تصل إلى 20 عاماً، فهو يسن تشريعاً جديداً للقتل، ويمنح جنود الاحتلال رخصة جديدة في استباحة دم الفلسطينيين، ويوجه رسالة إضافية لهم، بالتوقف عن المقاومة، وهي رسالة لم يتردد في ترجمتها على الفور، حين قام جنوده، خلال أقل من 24 ساعة، بإعدام فلسطينيين في منطقتي جنين والخليل، بدم بارد، أحدهما أب كان يحاول مساعدة ابنه الجريح بنيران حقدهم الأعمى. ومع ذلك، فالمقاومة الشعبية لم تتوقف، ولم يتوقف معها الرشق بالحجارة، والاحتلال يدرك أن كل تشريعاته وقوانينه لن تردع الفلسطينيين عن المقاومة أو عن المطالبة بحقوقهم، وقد سبق أن فرض غرامات باهظة على الرشق بالحجارة، وامتلأت سجونه ومعتقلاته بالفتيان الفلسطينيين القصر، وحكم على المئات منهم بالسجن لمدد مختلفة، فضلاً عن المؤبدات والأحكام بمئات السنين على الكبار من الأسرى والمعتقلين، والاعتقال الإداري التعسفي بحق من لم توجه لهم أي تهمة، لكن المقاومة لم تتوقف.

أغرب ما في الأمر، هو التبرير الذي ساقه رئيس ما يسمى لجنة الدستور في «الكنيست» نيسان سلومينسكي في عرضه لمشروع القانون، وهو أن «داود (يقصد النبي داود عليه السلام) قتل جالوت، المحارب الفلسطيني الأقوى بواسطة حجر، وبكلمات أخرى الحجارة قد تقتل». لكن هذا المتطرف والعنصري الصهيوني نسي أن داود (عليه السلام) وهو الذي اخترع «المقلاع»، كان يحارب الظلم في ذلك الزمن ولم يعتد على أحد، فيما المحارب الفلسطيني اليوم يواجه وهو يمسك بالحجر أعتى جيش احتلال على وجه الأرض، اقتلع شعباً بكامله من دياره، واغتصب أرضه ووطنه، وارتكب بحقه مئات المجازر الجماعية والفردية، واستخدم كل ما يملك من قوة لمصادرة ما تبقى من الأرض، وسخرها في عمليات الاستيطان والتهويد، في سبيل أن ينعم مستوطنوه، شذاذ الآفاق، المستجلبون من كل أنحاء العالم بالأمن والاستقرار على حساب أرض فلسطين وشعبها. فمن الذي تجب معاقبته، راشق الحجارة الذي يسعى جاهداً بإمكاناته البسيطة والمتواضعة لرفع الظلم والخلاص من الاحتلال البغيض، أم جيش الاحتلال المدجج بأحدث ترسانات السلاح والمتسبب الأساسي بهذا الظلم؟

الأغرب من ذلك كله، هو استمرار بعض الفلسطينيين، داخل السلطة وخارجها، في الرهان على إمكان تحقيق تسوية مع هذا الاحتلال، بدلاً من البحث عن كيفية محاسبته على كل الجرائم التي ارتكبها بحق الفلسطينيين، وجر قادته إلى المحاكم الدولية، لينالوا الجزاء الذي يستحقونه، لكن هذا الأمر يبدو بعيد المنال، في ظل قيادة أصبحت خارج التاريخ، وربما تصبح خارج الجغرافيا، إن لم تبادر إلى التخلي عن الأوهام، والانصياع لرغبات شعبها المستعد لتقديم كل شيء في سبيل الحرية والاستقلال.

يونس السيد 

من نفس القسم دولي