دولي

وهم الحكومة الفلسطينية المتبدد

القلم الفلسطيني

 

على حماس أن تتوقف عن وهم تشكيل حكومة تدير الضفة الغربية (مع القطاع) وفق معايير المقاومة المسلحة، كما أن على فتح أن تتوقف عن وهم تشكيل حكومة تدير قطاع غزة (مع الضفة) وفق معايير اتفاق أوسلو والتسوية السلمية. 

وما دام الاحتلال الإسرائيلي موجودا على الأرض، خصوصا في الضفة الغربية، يجب تبديد الوهم باعتبار الحكومة الفلسطينية قاطرة للتغيير ومدخلا لنجاح المصالحة، ذلك أن الاحتلال لن يوفر أي بيئة نجاح لحكومة فلسطينية ترعى المقاومة أو تسعى للتخلص منه. أن تشكيل أي حكومة يجب أن يكون جزءا من منظومة عمل وطني تعيد تعريف السلطة الفلسطينية ودورها، وتديرها كإحدى أدوات الصمود والنضال، وبطريقة تستوعب الجميع دونما تمييز، وتحاول خدمة الشعب الفلسطيني، لا أن تكون أداة وظيفية للاحتلال، ولا أداة للضغط السياسي والأمني لطرف فلسطيني على آخر، وإذا ما أراد الطرف الإسرائيلي فرض رؤيته ومساراته، فيجب أن يتحمل عندئذ المسؤولية المباشرة لاحتلاله. ولذلك فإن عمل الحكومة لا يأخذ مصداقيته إلا مع تفعل الإطار القيادي الموحد، وضمن عملية الإصلاح الشامل لمنظمة التحرير الفلسطينية. 

***

مرت في يوم 25/6/2015 الماضي الذكرى التاسعة لعملية "الوهم المتبدد" التي نفذتها حركة حماس بالتعاون مع "لجان المقاومة الشعبية" و"جيش الإسلام"، وأدت إلى مقتل جنديين إسرائيليين وأسر الجندي "جلعاد شاليط"، مما فتح المجال لإحدى أكبر صفقات تبادل الأسرى في التاريخ الفلسطيني الحديث. لعل التوفيق قد أصاب تسمية العملية باسم "الوهم المتبدد"، إذ قدمت في تلك الفترة دليلا حاسما على التزام حماس بخط المقاومة المسلحة حتى وهي في السلطة، وألغت أي أوهام مرتبطة بذلك. كما قدمت دليلا قويا على قدرة المقاومة الفلسطينية على تطوير نفسها وتنفيذ عملية أسر نوعية احتفظت بجندي إسرائيلي سرا لسنوات، في بيئة أمنية معقدة، يملك فيها الاحتلال وأدواته قوة طاغية. وهي من ناحية ثالثة ضربت الأوهام الإسرائيلية بالقدرة على استخدام ورقة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال لكسر إرادة الشعب الفلسطيني، وفرضت إرادة المقاومة بتحرير أكثر من ألف أسير، بينهم أكثر من 300 محكومين بالمؤبد. من جهة أخرى، فإن هذه العملية أعطت مؤشرا لا لبس فيه بعدم إمكانية نقل حماس إلى مربع التسوية السلمية واحتوائها تحت سقف اتفاقات أوسلو واستحقاقاتها. غير أن استتباعات هذه العملية ومجموعة الإجراءات الإسرائيلية التي تلتها (بالإضافة إلى مجموعة إجراءات تلت فوز حماس بالانتخابات) بددت أي أوهام أو توقعات لدى العديد من قيادات حماس ومؤيديها بإمكانية الجمع بين السلطة والمقاومة، تحت الاحتلال الموجود على الأرض، خصوصا في الضفة الغربية. كانت الرسالة الإسرائيلية واضحة بأن حماس لا تستطيع أن تقدم حالة نجاح في إدارة السلطة الفلسطينية ما دامت تتمسك بخيار المقاومة المسلحة، حتى لو فازت بالشرعية الشعبية والتشريعية، وحتى لو قدمت أفضل الكفاءات والخبرات والبرامج، وحتى لو أرادت الدخول في تهدئة تمكنها من العمل، إذ أن منظومة "اتفاق أوسلو" كانت مبنية أساسا على تطويع قوى المقاومة، وجعلها بدون أظافر أو أسنان وجعل الطرف الفلسطيني من دون أي أوراق قوة ضاغطة على الطرف الإسرائيلي. ولذلك قصفت القوات الإسرائيلية قطاع غزة في الـ 45 يوما التي تلت تشكيل حماس لحكومتها (منذ 31/3/2006) بـ 5100 قذيفة مدفعية بمعدل 110 قذائف يوميا، واستشهد نحو 120 فلسطينيا في الأشهر الثلاثة التي تلت تشكيل هذه الحكومة. وارتكبت القوات الإسرائيلية مجزرة راح ضحيتها 14 فلسطينيا في 7/6/2006 منهم سبعة من عائلة واحدة، ثم ارتكبت مجزرة أخرى بعد ذلك بأربعة أيام قتلت فيها 11 فلسطينيا. أي أن الإسرائيليين كانوا يدفعون الأوضاع نحو الانفجار ونحو إنهاء التهدئة بحيث لم يكن من خيار لدى حماس سوى الرد بعمليات انتقامية قبل أن تفقد مصداقيتها وشعبيتها، فقامت بعملية "الوهم المتبدد". واتخذ الطرف الإسرائيلي من هذه العملية ذريعة للقيام بعملية "أمطار الصيف" التي استشهد فيها 400 فلسطيني، ثم عملية غيوم الخريف التي استشهد فيها 105 فلسطينيين، وقامت باعتقال 3500 فلسطيني بينهم عشرة من وزراء حكومة حماس. وفي سنة 2007 كان قد وصل عدد أعضاء المجلس التشريعي المعتقلين المحسوبين على حماس 42 نائبا هم الأغلبية الساحقة لنواب حماس في الضفة الغربية، بمن فيهم رئيس المجلس التشريعي عزيز الدويك. ولسنا بصدد سرد إجراءات الحصار والتضييق والإفشال التي قام بها الاحتلال. وباختصار فإن مشاريع التحرير وحركات المقاومة لا تستطيع (ولا ينبغي أن تنشغل بـ) تحقيق "الرفاه تحت الاحتلال"، وإلا تحول الاحتلال من نقيض إلى شريك، ومن عدو إلى حليف. والعدو أثبت أنه لا يرغب بتسوية تنهي احتلاله وعدوانه، وإنما في سلطة وظيفية تخدم أغراضه وتخفف التكاليف والأعباء عنه، وهذا ما جرى في الضفة الغربية. 


د. محسن صالح


من نفس القسم دولي