دولي

الأسرى المضربون.. مرارة العيد وإرادة التحدي

بُعد الأحبة.. شوق وحنين ذوي الأسرى يفقدهم بهجة عيد الفطر

 

لا تجد الحاجة عائشة والدة الأسير المضرب عدي استيتي من مخيم جنين معنى للعيد وطقوسه في الوقت الذي يخوض فيه نجلها معركة الأمعاء الخاوية وتصل أخبار سيئة باستمرار عن تردي حالته الصحية مع عزله في سجن ايشل. 

وتؤكد الحاجة عائشة أن العيد هذه السنة صعب للغاية؛ فهو لا يمر فقط في ظل اعتقال عدي خلف القضبان، بل أيضا وهو يخوض إضرابه عن الطعام، فكيف يمكن للعائلة أن تفرح بالعيد أو تتناول مأكولات العيد فيما عدي يعيش على الماء. 

وتشكل حال عائلة عدي استيتي حال كثير من عائلات الأسرى في يوم العيد وإن كانت بهموم مختلفة، حيث يؤكد والد الأسير استيتي أن لا شيء يمكن أن يطمئن العائلة سوى الإفراج عن عدي. ويؤكد أن العيد فاقم معاناة العائلة التي يحترق قلبها كل ساعة، والتي فجر العيد همومها، متسائلا كيف يقضي عدي العيد، ومؤكدًا أن هناك ستة آلاف عائلة أسير تتألم في يوم العيد. 

 

40 عيدًا خلف القضبان

 

وليس بعيدا عن منزل عدي؛ تستقبل عائلة الشيخ إبراهيم الجبر في مخيم جنين العيد وسط غياب أبو مصعب لنحو 40 عيدا على العائلة، فما أن يخرج من السجن حتى يُختطف من بين ذويه مرة أخرى. ولا تستطيع زوجته أم مصعب إحصاء عدد الأعياد التي قضاها وهو داخل القضبان في اعتقالاته الكثيرة التي جاوزت الـ 15 عاما، والمرارة تعتصر قلبها. وتؤكد أن غياب أبو مصعب في العيد يترك جرحا كبيرا يُفتح في كل عيد، وكثيرا ما يتمنى أبو مصعب أن يقضي العيد في الخارج، وفي الأعياد القليلة التي قضاها بالخارج كان يحرص على زيارة مقابر الشهداء وذوي الأسرى خلال العيد. 

 

ولكنّ الأسرى يتحدّون!

 

ورغم كل هذه الجروح المفتوحة في حياة كثير من الأسر الفلسطينية خلال العيد، فإن لكل سجن ولكل أسير حكاية مختلفة خلال العيد، ولكن أهم ما يؤكده الأسرى خلال العيد أنهم لن يسمحوا للسجان بأن يسلبهم إرادتهم وفرحتهم، لذلك خطط الأسرى خلال العيد أن يبرزوا كل مظاهر الفرحة بشكل يوجه رسالة للسجان أن كل إجراءاته قد فشلت في كسر احتفاليتهم بالعيد. ويستعرض الأسير محمد جرادات من سجن النقب لمراسلنا كيف قضى الأسرى أول أيام العيد قائلا: انطلقت التكبيرات بشكل جماعي بعد إفطار آخر أيام رمضان، وعقب الإعلان عن العيد في التلفاز وسط تبادل للتبريكات بين الأسرى. وأضاف " لبس الأسرى ثياب العيد، ثم تجمعوا لأداء صلاة العيد في ساحة القسم، وعقب الصلاة تجمع الأسرى في دائرة كبيرة وبدأوا يسلمون على بعضهم وتبادلوا التبريكات لمناسبة العيد وسط عبارات شحذ الهمم". وأردف أن الأسرى يحضرون حلوياتهم البسيطة بالمواد المتوفرة ووزعوها، ثم ينصرف الأسرى لغرفهم لتبادل التبريكات والزيارات بين الغرف والأقسام. ويؤكد أن الأسرى ورغم الآلام ومرارة الفقدان والبعد فإنهم لا يستكينون للحزن، فهم أصحاب رسالة وقضية وإرادة صلبة أينما حلوا. 

 

بُعد الأحبة.. شوق وحنين ذوي الأسرى يفقدهم بهجة عيد الفطر

 

تزداد جراح البعد والفراق لدي آلاف عائلات الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال مع التحضيرات لعيد الفطر المبارك، فغياب الأسرى وعدم معايدتهم يفقدهم جزءًا كبيرًا من بهجة وحلاوة العيد. أكثر من ستة آلاف أسير و25 أسيرة، وأكثر من 270 معتقلاً سياسيًّا في سجون السلطة، يحل عليهم العيد بعيدًا عن ذويهم؛ فأعياد فلسطين غير أعياد العالم كله، خاصة لذوي الأسرى الذين يفتقدون أحبتهم خلف القضبان، فمعاناة الأسرى في السجون ينال ذووهم جزءًا منها، كونهم يتذكرون أبناءهم الأسرى بمزيد من الشوق والحنين لهم مع أجواء عيد الفطر. 

 

فرحة وحزن

 

وتختلط مشاعر الفرح بالحزن مع تحضيرات العيد، بالنسبة للطفلة "تالا" ابنة الأسير القائد القسامي عبد الله البرغوثي، فهي من جهة تفرح بقدوم العيد وتحضيراته، ومن جهة تحزن لغياب والدها خلف القضبان؛ ودعت الله في ليلة القدر أن يفرج عن والدها وبقية الأسرى والأسيرات في صفقة تبادل جديدة؛ وأن يقضوا العيد القادم بينهم. وعن مشاعر البعد والفراق يقول والد الأسير ناصر محمود، من نابلس، أن عذابات الأسر تبقى تلاحقنا، وهو ما يسرق لحظات فرح وسعادة مع اقتراب عيد الفطر والتحضيرات له، ولكن المقاومة والحديث عن صفقة تبادل تريح أعصابنا كون الأسرى سيفرج عنهم قريبًا بإذن الله. تحضيرات ذوي الأسرى من أهالي الضفة لعيد الفطر تبقى محزنة لأبناء الأسرى وأطفالهم؛ فمن بينهم مئات الأطفال الأسرى يقضون فرحة العيد خلف سياج وقضبان؛ ومن بينهم 15 أسيرًا في العزل الانفرادي وثلاث أسيرات في زنازين التحقيق؛ بحسب نادي الأسير. 

عيد وسط الأوجاع

 

وتعبر زوجة الأسير النائب محمد أبو طير من القدس عن مشاعرها، بأن الفرحة تبقى منقوصة مع اقتراب العيد؛ بسبب غياب زوجها وآلاف الأسرى خلف القضبان، وبسبب ما يعانيه ويكابده الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع من الاحتلال، فغزة تحاصر وتخنق من ذوي القربى، والضفة تقتل وتخنق فيها المقاومة. وتقول الطفلة رغد محمود من نابلس عن فراق والدها في سجن مجدو مع تحضيرات العيد: "أنا فرحة بقدوم العيد؛ ولكن عندما أرى أبناء وطفلات مع آبائهم يتسوقون في أسواق نابلس والسعادة تغمرهم، أبكي لعدم وجود أبي بقربي أفرح معه، ويشتري لي ألبسة جديدة للعيد، ويأخذني معه للتسوق ويبارك لي بالعيد، ويقبلني، ويعطيني العيدية". وتتابع: "هل هناك من طفلة أو طفل يستطيع أن يفرح ووالده أسير؟.. فكيف نفرح وأبي خلف قضبان حديدية مقيد الحرية؟!. بدورها تتحدث الطفلة فاطمة ابنة الأسير خليل أسعد من مخيم بلاطه شرق نابلس، والقابع في سجن عوفر قرب رام الله بأنها ستفرح بوجود والدها معها، ولكنها ستصبر وتحتسب أجرها عند الله، "فالوطن لا بد له من تضحيات حتى يتحرر"، كما قلت. وتضيف: "إلى متى سيبقى الاحتلال ينغص علينا حتى أعيادنا ويتحكم بحياتنا؟، وأي مصيبة أكبر من أن نحضر ونستقبل العيد تلو الآخر ونحن على بوابات السجون، يذلنا جنود الاحتلال، ويفتشوننا أحيانًا تفتيشًا عاريًا ومهينًا؟ 

ع. ع

من نفس القسم دولي