دولي

الإستراتيجيّة الإسرائيليّة الجديدة: فصل غزّة عن الضفّة والإمعان في تكريس الانقسام

تسعى إلى إرساء هدنة طويلة الأمد بعد اقتناع قادتها بصعوبة هزيمة حماس

 

 

لا يختف اثنان على أن الاستراتيجية الإسرائيليّة الجديدة في كلّ ما يتعلّق بالقضية الفلسطينيّة اتخذّت في الآونة الأخيرة منحى آخر، فصنّاع القرار في تل أبيب، كما يُشدّد المحللون والباحثون والخبراء في الدولة العبريّة، باتوا على قناعةٍ تامّةٍ بأنّه من رابع المستحيل حسم المعركة مع الفصائل الفلسطينيّة في قطاع غزّة عسكريًا. 

وبالتالي، فإنّهم يبحثون عن طرق ووسائل أخرى، لتفادي المواجهة القادمة مع قطاع غزّة، ومن أهّم هذه الطرق هو الشروع في اتصالات غير مبشرة مع حركة المُقاومة الإسلاميّة (حماس) للتوصّل لهدنةٍ طويلة الأمد بين الطرفين، خصوصًا على وقع الرأي العام الإسرائيليّ الذي يُطالب بوقف إطلاق الصواريخ بتاتًا من قطاع غزّة باتجاه المستوطنات في جنوب الدولة العبريّة. وبغضّ النظر فيما إذا نجحت هذه الإستراتيجيّة، فإنّ الهدف الإستراتيجيّ الإسرائيليّ، أيْ على المدى البعيد، هو الفصل التّام والكامل بين قطاع غزّة والضفّة الغربيّة المُحتلّة، التي تخضع للاحتلال الإسرائيليّ وللسلطة الفلسطينيّة، أوْ بكلمات أخرى حركة فتح، وبالتالي تُحاول إسرائيل عن طريق إستراتيجيتها الجديدة الإمعان في تكريس الانقسام الفلسطينيّ-الفلسطينيّ، لأنّ ذلك يصُبّ في مصلحتها. وغنيُ عن القول أن الإسرائيليين أنفسهم لا يأخذون على محمل الجدّ تصريحات المسؤولين السياسيين والأمنيين بأنّ المُواجهة القادمة مع حماس في القطاع باتت وشيكة، ففي الذكرى الأولى لعدوان الإرهابيّ على قطاع غزّة، يتذكّر الإسرائيليون، قيادةً وشعبًا، أن المُقاومة الفلسطينيّة صمدت أمام أقوى جيش في المنطقة كمًا ونوعًا أكثر من خمسين يومًا، على الرغم من عدم تكافؤ الفرص، وعدم التكافؤ في القوّة العسكريّة. نعم، يقولون الخبراء، بالإمكان الانتصار على حماس في المواجهة العسكريّة القادمة، ولكنّ المستوطنات والمدن الإسرائيليّة في المركز ستتعرّض لوابلٍ من الصواريخ، الأمر الذي سيؤدّي إلى شلّ الحياة اليوميّة في إسرائيل، علاوة على ذلك، يُقّر أركان دولة الاحتلال بأنّه من الصعب جدًا، أن لم يكُن مستحيلاً، حسم المعركة العسكريّة مع المُقاومة الفلسطينيّة، وبالتالي بدأت إسرائيل بالبحث عن طرق التفافيّة لدرء هذا الخطر المُحدّق بها من المُقاومة الفلسطينيّة، وبدأت في الأشهر الأخيرة تُسرّب المعلومات للصحافة العبريّة، المُتطوعّة لصلح ما يُطلق عليه الإجماع القوميّ الصهيونيّ، وهذه المعلومات تُشير إلى أن تل أبيب تُجري مع حماس مفاوضات غير مباشرة، بواسطة دولٍ أوروبيّة وأخرى، بهدف إقناع حماس بالتوقيع على اتفاق لهدنة طيلة الأمد، تمتد من 10 إلى 15 عامًا، بحسب المصادر الأمنيّة والسياسيّة في تل أبيب. في السياق عينه، قال مُحلل شؤون الشرق الأوسط، آفي إيسخاروف، في مقالٍ نشره بموقع (تايمز أوف أزرائيل) إنّه حتى بالعين المجردة، بالإمكان تمييز الظاهرة الجديدة نسبيًا بالقرب من حدود غزة-إسرائيل: المزيد من المسلحين، نشطاء حماس، يتحركون على بعد مئات الأمتار فقط من السياج الحدوديّ، ربما في محاولة لتعويد العين الإسرائيلية على وجودهم هناك، بحسب تعبيره. ورأى أنّه من الصعب تحديد الهدف من هذه الخطوة، وبرأيه فإنّ قسمًا من نشطاء حماس يعملون هناك ضمن إطار مهام أمنية روتينية، البعض الآخر يتدرب في مخيمات تقع قريبةً جدًا من الحدود، مثل المخيم الذي أنشأ على أراضي مُستوطنة (دوغيت) وتابع قائلاً إنّه لا يُمكن طبعًا استبعاد إمكانية أن تعويد الطرف الإسرائيليّ على وجود مسلحين من مقاتلي حماس بالقرب من الحدود (300 متر فقط) يهدف إلى التمكين من شنّ هجوم مفاجئ داخل إسرائيل في حالة حرب أوْ تصعيد، وربما قد يكون الهدف، خاصة في التدريبات التي تجرى في مخيمات حماس، هو ردع إسرائيل. وتتابع المُحلل قائلاً إنّه مهما كان الهدف، يبدو أن حماس تدرب قواتها في الفترة الأخيرة ليس فقط على إطلاق الصواريخ أو من خلال هجمات كوماندوز من البحر، بلْ يقوم الجناح العسكري للمنظمة بإجراء تدريب عناصره على تدريبات مشاة والقتال في مناطق سكنية، في أطر شعبة وكتيبة وحتى لواء، أيْ أنّه ربمّا إلى جانب طريقة العمل في (الجرف الصامد) عمليات كوماندوز من الأنفاق ومن البحر ومن الجو، في الحرب القادمة ستحاول حماس شنّ هجوم على بلدة إسرائيلية أو قاعدة عسكرية، وقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين أو الجنود. ولفت إلى أن التدريبات على القتال في مناطق سكنية، التي يخضع لها عناصر كتائب عز الدين القسام، شبيهة بتلك التي يخضع لها جنود المشاة في الجيش الإسرائيلي، إلقاء قنابل يدوية داخل مبان، إطلاق نار بعد ذلك. ولفت أيضًا إلى أنّه يُمكن للمرء أن يتصور فقط ما هي أهداف حماس في القتال في منطقة سكنية، ومرة أخرى يجب أن نكون حذرين، قد يكون كل ذلك بهدف ردع الجانب الإسرائيليّ من المواجهة مع غزة، وأيضًا في حماس يُدركون أن هجوم كتيبة على بلدة إسرائيلية قد ينتهي بعشرات القتلى من جانبهم. علاوة على ذلك، قالت صحيفة (معاريف) أن قادة عسكريين في تل أبيب دعوا إلى تخفيف الحصار عن القطاع بهدف تقليل الأزمة الاقتصاديّة وتجنب المعركة العسكريّة القادمة. بالإضافة إلى ذلك، نقلت الصحيفة عن محافل أمنيّة في تل أبيب، وصفتها بأنّها رفيعة المستوى، نقلت عنها قولها أن حماس تستمّر في تعزيز قوتّها العسكريّة استعدادًا للمُواجهة القادمة، وتُخطط لنقل المعركة إلى العمق الإسرائيليّ، حسبما أكّدت المصادر. 

ع. ع

من نفس القسم دولي