دولي

رندة سبب النصر

القلم الفلسطيني

 

من هي رندة!؟ هي امرأة فلسطينية شجاعة، كلها عزة وكرامة؛ وتعد بألف رجل؛ فهي مؤمنة بحق شعبها بالحرية والحياة الكريمة، متوكلة على الله؛ لم تستهويها مفاتن الحياة ومتعها، ولم تركن للكسل والخمول، واتبعت الأقوال بالأفعال؛ وهي من حركت المياه الراكدة في نصرة زوجها الأسير المضرب عن الطعام خضر عدنان؛ فكان لها أن تنتصر وترفع رأسها عاليا؛ ويرفع الشعب الفلسطيني رأسه عاليا معها؛ بكل شموخ وكبرياء. في الوقت الذي كانت تنشغل فيه فتيات ونساء كثيرات بتجميل أنفسهن ويتابعن المسلسلات؛ كانت رندة "ام عبد الرحمن" مشغولة بنصرة زوجها المضرب؛ وتفكر وتعد الخطط لتفعيل الرأي العام وحشده في معركة مفصلية لها ولزوجها، وللحركة الأسيرة البطلة؛ والتي تنسحب على بقية قضايا الشعب الفلسطيني الهامة. لم تحصل رندة على شهادة جامعية في الإعلام؛ ولكنها أدارت بمفردها حملة إعلامية نشطة وقوية لنصرة زوجها، سواء عبر التواصل مع الإعلاميين والنشطاء، أو المشاركة في مسيرات التضامن معه والمؤتمرات الصحافية في المدن الفلسطينية؛ وتوجت كل ذلك بالاعتصام أمام مشفى صرفند وحشدت الحشود لزوجها وكان النصر حليفها، حقيقة؛ بفعل الضغط والتفاعل الجماهيري الكبير الذي أوجدته. لنقرأ معا ما قالته أم " عبد الرحمن" الصابرة المحتسبة أجرها عند الله؛ عن معركة زوجها خلال أيام إضرابه الطويل؛ للعربي الجديد؛ حيث تقول: ذهبت مساء الأحد إلى مستشفى "صرفند" العسكري "الإسرائيلي"، لزيارة زوجي الأسير خضر عدنان، وأمام حاجز الجلمة العسكري قرب مدينة جنين، وقفت ساعات مع أطفالي قبل أن يسمح لها جنود الاحتلال بالمرور إلى الجهة المقابلة، حيث تنتظر سيارات الصليب الأحمر الدولي لتنقلي إلى المستشفى. تتابع: قلت لأطفالي: سوف نذهب لنرى والدكم وهو نحيف جداً لأنه مريض، لا تسألوه عن مرضه بل العبوا واضحكوا معه، ولا تخافوا من الجنود في غرفته؛ وما أن دخلنا على زوجي حتى صدمني مظهره عندما رأيته، لكنني ابتلعت صدمتي، وتذكرت حديثي لأطفالي واقتربت منه بابتسامة. وقرب صندوق كبير امتلأ بمناديل مبللة بالدم، كان يُخرجه خضر من جوفه عند سعاله، جلست رندة، وأمسكت بيده وهمست له: "كم تستطيع أن تصمد؟ ساعتين، أم يومين، قل لي كم تستطيع، ولن أغادر وأولادي المستشفى من دونك". تقول رندة "كان جسده بارداً. كان زوجي وحب حياتي يموت أمام عيني، والمطلوب مني أن أزوره وأعود باكية، لكنني لم أفعل، ولم ير سجانوه دموعي أبداً". وتضيف "لم أدرك إلا وقد قطعت له وعداً ألا أتركه لوحده، بين عشرات جنود الاحتلال وهو يذوي ويموت ببطء". وبعد انتهاء الزيارة التي استمرت 45 دقيقة، خرجت رندة ولم تذرف دمعة واحدة، "فهذا وقت الصمود وليس الدموع"، وأمام ساحة مستشفى صرفند، أعلنت اعتصامها وإضرابها عن الطعام هي وأطفالها الستة، وجلس الوالدان معهم على رصيف المستشفى، وخيمت الصدمة على طواقم الصليب الأحمر، والشرطة والضباط من دولة الاحتلال، للخطوة غير المتوقعة. بعد دقائق من اعتصامها، بدأت تتصل بوسائل الإعلام والناشطين في كل مكان، وتدعو نواب الكنيست العرب والفلسطينيين للتضامن معها في ساحة المستشفى، بعد نحو ثلاث ساعات كان هناك العشرات من المتضامين، ونواب الكنيست. أرسلت رندة صرخات الاستغاثة عبر جميع المنابر، الصحافية والإعلام الاجتماعي، والمتضامين الفلسطينيين والأجانب، لتتحول الساحة ما بين قسم الطوارئ وقسم الباطنية في المستشفى إلى قسم طوارئ من نوع آخر، لم تتوقعه قوات الاحتلال، والتي أدركت أنها لن تستطيع قمع امرأة وأطفالها ووالدي زوجها المسنين أمام الكاميرات، ولن تستطيع قمع المتضامين الذين بدئوا يصلون من كل مكان متاح من القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948. في الثانية عشرة منتصف الليل، انتهت أطول ليلة من ليالي مستشفى صرفند، بعدما أعلن محامي نادي الأسير جواد بولس التوصل إلى اتفاق نهائي يضمن إطلاق سراح خضر عدنان في 12 يوليو/تموز، ويقصر مدّة اعتقاله، مع التزام بعدم اعتقاله ثانية على التهم السرية ذاتها التي تدعيها النيابة العسكرية والمخابرات. وتختم رندة: في الطريق إلى غرفة خضر كي يوقف إضرابه، كان الضباط والجنود ينظرون إليَّ بحقد كبير، والكاميرات تتسارع لتلتقط لي صورة وهم يبتعدون كنت أمشي وأمه بكرامة وعزة، وهم يبتعدون خوفاً من أن ترصدهم الكاميرات كسجانين. 


خالد معالي

من نفس القسم دولي