دولي
المقاومة في رمضان.. انطلاقة متجددة ومذاق مختلف
آخر صدامها بالعدو كانت السنة الماضية في "العصف المأكول"
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 03 جولية 2015
- عمليات فدائية وتحرير للأسرى ورباط في القدس
بمذاق مختلف يستقبل ويمارس الفلسطيني مقاومة الاحتلال في رمضان عاكساً جرأة واضحة واستعداداً فطرياً للتضحية والبذل في أهم شهور السنة للمسلمين عامةً العمليات الفدائية وعمليات الطعن وإطلاق النار حملت منذ الانتفاضة الأولى طابعاً خاصاً في شهر رمضان، عاش فيها الإنسان الفلسطيني حالةً من التجرّد وهو يدافع عن حقه المسلوب.
وجسدت حرب "العصف المأكول" حالةً من الإبداع والاستبسال سجلت فيها المقاومة جولة مهمة في تاريخ الصراع ليبقى رمضان شهراً للتحريض على انتزاع الحقوق بالقوة من الاحتلال. ووقعت مطلع رمضان الجاري عملية مستوطنة "دوليف"، التي قتل فيها مستوطن وأصيب آخر، وبعد يومين قام شاب بطعن جندي آخر من حرس الحدود في مدينة القدس المحتلة، ما أعاد للذاكرة عمليات المقاومة الفدائية الرمضانية التي تحمل طابعاً خاصاً. وسجّل الصراع مع الاحتلال في تاريخنا المعاصر محطات مهمة في رمضان، أهمها حرب تحرير سيناء في "العاشر من رمضان"، وحرب "العصف المأكول"، إضافة إلى سلسلة عمليات فدائية وفردية وهجمات بالأسلحة طوال انتفاضة الأقصى تميز بها شهر الصوم.
الشهداء الأحياء
حين عرض الأسير المحرر محمد القرم الطعام على الفدائي "ماهر حبيشة" منفذ عملية تفجير إحدى الحافلات في مدينة حيفا في رمضان من سنة 2001 التي قتل وأصيب فيها العشرات، رفض أشهى الطعام وأجابه أنه لن يفطر إلا في الجنة.
ويضيف المحرر القرم: "كانت مهمتي التخطيط للعملية وتجهيز الفدائي وتوصيله يوم 17 رمضان، وأحضرت له طعاماً شهياً، فرفض وكنت أعيش مع الفدائيين أجواءً خاصة في رمضان، أهمها اجتماعاتنا ومعلمنا المقاوم برفقة الشهداء محمود أبو الهنود وقيس عدوان وأيمن حلاوة وعدنان سمارة". ويستذكر القرم الأجواء الرمضانية التي كانت تنعكس على جرأة قادة العمل المقاوم سالفي الذكر وهو برفقتهم خاصةً قبيل تنفيذ العمليات الفدائية والتفجيرات، وحتى الأمسيات التي كانت تجمع بينهم في أمسيات رمضان. يحمل رمضان أجواء خاصة فيها الاستعداد للبذل والتضحية بكل شيء اعتماداً على مؤثرات دينية ونفسية تخص المسلمين وأصحاب القضايا العادلة والحقوق وصولاً بهم لمرحلة الاستبسال. ويقول د. درداح الشاعر أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الإسلامية، إن رمضان يؤثر على إرادة الإنسان من الناحية "السيكولوجية والنفسية"، ويدفعه للصمود، لأنه يكون في طور مواجهة مغريات الحياة والذات الماضية. ويضيف: "هذا ينعكس تلقائياً على المقاومة، فهو يقاوم نفسه وشهواته وإذا نجح يقاوم عدوه، وقد بدا ارتفاع منسوب المقاومة للاحتلال في رمضان بشكل واضح، بل كان رمضان ولا زال شهر الانتصارات للمسلمين، ففيه قربة بين العبد وربه الذي يستشعر بالقرب فيزيد من طاعته" . وسجلت الحرب الأخيرة على غزة أبرز بطولات المقاومة في شهر رمضان في تاريخ فلسطين والصراع مع الاحتلال، فقد كان المقاومون حسب رؤية الخبير الشاعر، تحت ظروف نفسية معقدة وهم صائمون تحت الأرض يعيشون على بقايا الطعام والماء ولديه رباطة جأش وجلد مرتفع. ويعتبر البروفسور ماهر الحولي أستاذ أصول الفقه، أن رمضان في الإسلام كان شهر جهاد ومقاومة وانتصارات، ففيه تتحفز النفوس للتضحية وتتحرك الطاقات والقدرات حين يغار المسلم على وطنه. ويضيف: "ترتفع درجة الإيمان وتتهيأ نفسه لأفعال مقاومة بدقة وإخلاص، ومنها حب الجهاد وغزوة بدر أعظم مثال، وأبناء الحركات الإسلامية في فلسطين يباركون المقاومة في رمضان، وقد بدت مقاومتهم وإيمانهم أكبر، فتاريخياً هناك معارك في فلسطين حسمت في رمضان وعمليات فدائية كثيرة".
خصوصية القدس!
المقاومة الرمضانية تبدو جلية أكثر في سجل الحركات الإسلامية الفلسطينية، فطبيعتها الراديكالية وبعدها الإسلامي في ممارسة المقاومة العسكرية تتصاعد في شهر رمضان منذ العشرين سنة الماضية. ويؤكد د.خالد صافي المختص في شون الحركات الإسلامية، أن مقاومة الحركات الإسلامية في رمضان تحمل بعداً انفعالياً دينياً، وأن تاريخها حمل مقاومة مركزة في رمضان خاصةً بالقدس. ويضيف: "حتى مقاومتها في الانتفاضة الأولى كان لها طابع خاص في رمضان عندما كانت تتلو بياناتها وتقوم بحشد الجماهير، وفي رمضان الماضي شهدنا ذروة المقاومة خلال الحرب". تحمل مدينة القدس خصوصية كبيرة في أجندة المقاومة؛ فشهر رمضان في تاريخ المدينة المقدسة، حسب رؤية د.جمال عمرو المختص في شئون القدس، ويقول هو شهر جهاد وانتصارات يعيش فيه ومحبو القدس حالة نقاء وتجرّد. ويقول إن زوار القدس في الأسابيع الأخيرة أعادوا لها الشعور أنها ليست وحيدة، فتجددت فيها روح المقاومة ووقعت عملية مقاومة قبل أيام، ما يمنح سكانها ثقة بالنفس بعد حالة الإحباط التي عاشتها في ظل عملية التسوية. ويتابع: "ورث سكان القدس الإحباط من التسوية، فبدأ ينعكس مؤخراً عبر أفعال مقاومة، فهذا رمضان الثاني الذي تعيش فيه اقتحامات من المستوطنين وأول رمضان منذ 34 سنة يناقشون قضيتها في الكنيست ليمكنوا للمستوطنين اقتحامها وتهويدها، فالحكومة الحالية استثنائية بالنسبة للقدس، لأنها تتحدث علانية أنها عاصمة الاحتلال وتتذرع بتقديم تسهيلات للزوار من العرب" .
العمليات العسكرية
ومن خلال متابعته للشؤون "الإسرائيلية"، يؤكد الخبير في إعلام وشؤون الاحتلال محمد مصلح، أن صحافة الاحتلال تكرر دوماً أن رمضان شهراً حاسماً انتصر فيها المسلمون على أعدائهم. ويقول إن قادة الاحتلال ووسائل إعلامهم تربط دوماً بين "القتال والصيام"، لأنهم يعتبرون رمضان محفّزاً للقتال والمقاومة، وأن المسلم والفلسطيني خاصةً ارتبطت في ذاكرته أحلام الانتصارات على اليهود. وكانت سنة 2004 و2005 الفترة الزمنية لدراسة أجراها الباحث والمحلل السياسي مؤمن بسيسو، عن العمليات العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية والتي أثبتت تصاعد المقاومة كماً ونوعاً في رمضان. ويقول بسيسو: "لاحظت خلال البحث الموثق تصاعدها في رمضان، وأنها مصبوغة بالدين خاصة للحركات الإسلامية، ووثقت في الدراسة أن رمضان كان شعلة العمل المقاوم وجسد انطلاقة لسلسلة عمليات طعن وتفجير وإطلاق نار برا وجواً لا لمنظمة. الاحتلال الذي كان يتخوّف من رمضان" . ويبقى رمضان الماضي أهم محطات المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال حين كانت تخوض مواجهة مباشرة وتسجل عمليات نوعية، لكن رمضان عموماً كان محطة مهمة في تاريخها وموسماً للجرأة والتضحية سواء بنمط العمليات الفردية أو المنظمة.
ع.ع