دولي

"حرب الوراثة" بدأت في المقاطعة

القلم الفلسطيني

 

 

فجأة، قرر النائب العام الفلسطيني مصادرة 1. 6 مليون دولار، وهي قيمة أموال مؤسسة "فلسطين الغد" التي يترأسها سلام فياض رئيس الحكومة الأسبق، بين عامي 2007-2013، وقد سبق لجهاز الأمن الوقائي في الضفة الغربية أن اقتحم المؤسسة يوم 26 أغسطس 2014 في رام الله للتحقيق في نشاطاتها. مسؤول أمني فلسطيني رفيع المستوى، قال أن هناك شبهات باستغلال فياض لمؤسسته للقيام بغسيل أموال، واستغلال التبرعات الواردة للمؤسسة لمصالح سياسية له، عبر تنسيقه مع محمد دحلان، المفصول من فتح، في محاولتهما للعودة للمشهد السياسي الفلسطيني، ولو عبر انقلاب أبيض ضد الرئيس محمود عباس، بدعم أوساط إقليمية ودولية، لم يسمها. المواجهة بين عباس وفياض، تسلط الضوء على الخلافات التنظيمية التي تعيشها فتح، مع تطورات أهمها الإخفاقات الانتخابية الأخيرة للحركة في الجامعات، والاستقطاب المتواصل بين تياري عباس ودحلان، والشكاوى المستمرة من فتح في غزة على حالة التهميش التي تعيشها من قبل قيادة الحركة في الضفة، والتسريبات الإعلامية حول تفاهمات إقليمية للبحث عن خليفة محتمل لعباس. واضح أن قيادة فتح الحالية أضاعت تاريخ الحركة وقوتها، وأوصلتها لمرحلة من الضياع والضعف الشديد، بعد انتشار التيارات التنظيمية داخلها، واتساع مفاهيم المناطقية والجهوية، مما عمل على تحويل الحركة مكاناً للبحث عن المصالح الشخصية. نقطة الضعف الأساسية التي تعانيها فتح أنها انصهرت كلياً داخل أجهزة السلطة، مما ساعد على ضياع بيئتها التنظيمية، وجعلها تشهد مشاكل داخلها وتعاني من حرب تخوضها تيارات الحركة للاقتراب من قياداتها السياسية والأمنية، وصلت حد قطع السلطة لرواتب العشرات من الفتحاويين على خلفية هذه الخلافات. فتح عقدت سلسلة لقاءات في عدة عواصم عربية أوائل العام الجاري لتحقيق الوحدة الداخلية، لكن عباس اشترط عدم عودة دحلان لعضوية اللجنة المركزية للحركة التي طرد منها في جوان 2011. هذه مؤشرات مقلقة على الحراك المتصاعد داخل فتح في الشهور الأخيرة، ولئن بدا مبكراً الحديث عن انشقاق تنظيمي داخلها في الوقت الراهن، لكنها مصابة بتصدعات داخلية في ظل تعدد الزعامات والولاءات لهذا الطرف أو ذاك، ورغم أنها ليست الخلافات الأولى التي تشهدها فتح منذ تأسيسها عام 1965، لكن خطورتها أنها تحصل في ظل غياب زعيم تاريخي مثل ياسر عرفات يمتلك كاريزما ليست متوفرة في خلفه محمود عباس. محاولات رأب الصدع داخل فتح، دفعت باللواء عباس إبراهيم مدير الأمن اللبناني، للقاء الرئيس عباس في العاصمة الأردنية عمان في أبريل الماضي، وقبلها اجتمع مع خصمه دحلان في أبو ظبي عاصمة دولة الإمارات في مارس الماضي، وبحث معهما إجراء مصالحة لهما، دون جدوى. الفتحاويون في غزة والضفة يؤكدون أن فتح تعيش منذ خسارتها أمام حماس في الانتخابات التشريعية 2006، حالة من تصفية الحسابات وتوزيع الاتهامات، وآخرها الهزيمة القاسية التي منيت بها فتح في الانتخابات الجامعية أمام حماس في أفريل الماضي، كما أن واقع فتح في غزة يحتم على الرئيس عباس واللجنة المركزية مزيداً من الاهتمام بالحركة، حتى يكون هناك وضع تنظيمي أفضل لفتح، وهناك مشاكل موضوعة أمام قيادة فتح في غزة تحتاج أن تولي اهتماماً أكبر بها. خلافات فتح الداخلية تتزامن مع اجتماع أمني إسرائيلي مصري أمريكي في القاهرة أوائل جوان، لبحث خليفة لعباس 81 عاماً، وتم استبعاد بعض الأسماء المرشحة لخلافته، مثل مروان البرغوثي القيادي الفتحاوي المعتقل في السجون الإسرائيلية، لأنه مراوغ مثل ياسر عرفات، وجبريل الرجوب عضو اللجنة المركزية لفتح عقب معركته ضد (إسرائيل) في انتخابات الفيفا أواخر مايو، وتم الإبقاء على محمد دحلان لكثرة أنصاره في غزة والضفة، وعلاقاته مع مصر ودول الخليج، وماجد فرج رئيس المخابرات العامة في الضفة، بسبب سيطرته على الأجهزة الأمنية، وحفاظه على التنسيق الأمني مع (إسرائيل) قيادات فتح رفضت نفي أو تأكيد حصول الاجتماع، لكنها أشارت إلى اقتراب لحظة الحسم في مسألة وراثة عباس، مما يرفع وتيرة الاستقطاب الداخلي على أشده في فتح، عبر دخول عوامل، داخلية وخارجية، فلسطينية وعربية وإسرائيلية ودولية. أخيراً.. فإن الصراعات التي تشهدها فتح بين تياراتها، عباس ودحلان، أو غزة والضفة، تتمحور حول السيطرة على مواقع النفوذ والمال والقرار، وليس على خلافات سياسية حول العلاقة مع حماس أو (إسرائيل)، ولذلك ليس متوقعاً أن يتوقف أحد التيارات عن محاولاته الطموحة لقيادة فتح والسلطة، خصوصاً مع توفر بيئة إقليمية داعمة لأحد المعسكرات الفتحاوية المتنافسة. 


د. عدنان أبو عامر

من نفس القسم دولي