دولي

«دولة غزة».. والمعادلات المغلوطة!!

القلم الفلسطيني

 

 

ثلاث حروب على قطاع غزة، شنتها إسرائيل خلال قرابة سبع سنوات، تبعتها ثلاثة مؤتمرات دولية، ذات أبعاد اقتصادية من حيث العناوين، تهدف إلى إعادة ما دمرته كل حرب من هذه الحروب المتوالية. 

المؤتمران الاقتصاديان، الثاني والثالث، توصلاً إلى نتيجة مفادها أن لا فائدة من إعادة إعمار قطاع غزة جراء الحرب التدميرية الإسرائيلية، وضخ المزيد من الأموال والنفقات، إذا كانت حروب إضافية لا تزال محتملة، إذ ما الفائدة إذا كان «التعمير» سيعقبه تدمير؟ّ سؤال مبرر تماماً، إذا ما تم النظر إلى هذه المؤتمرات باعتبارها «حلاً اقتصادياً» لتسوية الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي. 

من وجهة نظر هؤلاء، المجتمع الدولي عموماً، ان الحل الاقتصادي يوفر فرصة افضل للحلول السياسية، وهي جوهر التحركات ذات الصبغة الاقتصادية، من هنا كانت تصريحات جون كيري وزير الخارجية الأميركي في بداية جهود واشنطن لإعادة المفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات إثر تسلمه لمنصبه قبل بضع سنوات، «الحل الاقتصادي» ترجمه وزير الخارجية الألماني قبل أسابيع قليلة، بينما كان يتحدث على أنقاض ميناء غزة المدمر، إلى مصطلح «الأمن مقابل التنمية» شتاينماير، بدوره أعاد صياغة ما جاء في دراسة نشرتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، حاولت أن تقيم الحرب الإسرائيلية الثالثة على قطاع غزة، أشارت إلى أن تنمية قطاع غزة، بشرياً وعمرانياً، هي التي من شأنها وضع حد للتهديدات الفلسطينية، وتشكل الأداة المثلى لتلاشي «خيار المقاومة». 

سبق وأن تحدثنا في إطار هذا الملف، عن هذه المعادلة الظالمة من حيث الصياغة ومن حيث المضمون، إذ إن هذه المعادلة تفترض، خطأ وظلماً، أن إسرائيل هي التي تعاني أمنياً، جراء شن الفلسطينيين الحروب عليها، وهي بحاجة إلى الأمن الذي من المفترض أن الفلسطينيين يهددونه بسبب اضطرارهم إلى الدفاع عن انفسهم، إن لم نقل بسبب تبنيهم لمبدأ المقاومة، على اختلاف أشكالها وصورها، ضد احتلال لم ينصاع للقرارات الدولية. 

وإذا ما تجاوزنا هذا الخلط المتعمد في شكل ومضمون معادلة «الأمن مقابل التنمية» فإن هذه المعادلة تجد صياغتها النهائية في «دولة غزة» القائمة فعلاً من الناحية الواقعية، إلاّ أن مستلزمات هذه الدولة، لتلبية الاحتياجات الإسرائيلية، الأمنية منها على وجه الخصوص، فإن وضع هذه المعادلة، قيد التنفيذ، ومن خلال تبني دولي لهذا الشعار ـ المعادلة، وتوفير كافة المستلزمات الضرورية، فإن «دولة غزة» لا تزال تقول إن كافة هذه الجهود، إنما هي «استكشافية» مع تشكيك بالنوايا، الأمر الذي ربما أدى إلى توضيح بليغ من الجانب الإسرائيلي، لتأكيد «صدق النوايا» بهذا الشأن!!

فقد اكتشف رئيس الدولة العبرية، إحدى أهم النظريات التي أثبتت صحتها على مدى التاريخ، فجأة يقول روبين ريفلين، إنه لا توجد قوة في العالم تستطيع أن تردع شعباً معدماً، ومع هذا الاكتشاف المتأخر جداً، يتبارى قادة الأمن والجيش الإسرائيلي، في الحديث عن تسهيلات اقتصادية واجتماعية إلى قطاع غزة، ورئيس الحكومة نتنياهو، لم يتأخر بدوره، لكي يصرح بأن إسرائيل باتت تسمح بإرسال سبعماية شاحنة يومياً عبر معبر كرم أبو سالم بدلاً من ثلاثماية، في حين تتعالى الأصوات في مباراة غير مسبوقة للحديث عن فائدة حصول غزة على ميناء وربما مطار، بالتوازي مع إصلاح شبكة الكهرباء وتزويد الشركة بالغاز وكافة الاحتياجات، موجة غير مسبوقة من «التسامح» الإسرائيلي انهالت في الأيام الأخيرة على غزة ومواطنيها!!

اكتشاف إسرائيلي مذهل، معادلة مفادها أن شعباً لديه ما يخسره لن يفكر بالمقاومة، تناسى أصحاب هذا الاكتشاف الخطير، أن قطاع غزة، عاش أزهى أوقات مستوى المعيشة المرتفع في ظل الاحتلال الإسرائيلي العام 1967، لا يزال الجمهور الغزي يتذكر تلك الأيام، مع ذلك كانت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، التي انطلقت من شمال قطاع غزة، والتي غيرت من المعادلة والخارطة السياسية، وبداية لانتفاضة ثانية!

ومعادلة أخرى، تنسجم نسبياً مع المعادلات السابقة، تحاول المقاربة مع الوضع الفلسطيني قبل اتفاق أوسلو، بعدما تمكنت قوى عديدة من تجفيف المنابع المالية لمنظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها، وباتت غير قادرة على الإنفاق على مؤسساتها، الأمر الذي قيل إنه كان يهدف إلى القبول بما يطرح على الساحة التفاوضية، مدريد ثم أوسلو، الآن هناك مقاربة فعلية، بعد حصار دائم على القطاع، معاناة المواطن في كل المجالات، الأمر ـ حسب هذه المعادلة ـ الذي من شأنه قبول الفلسطينيين، خاصة في قطاع غزة، بأي حل يوفر وضعاً أفضل، ويبدو أن أطراف «دولة غزة» يتخذون من هذه المعادلة سبيلاً للتخلص من أي معارضة ضد تحويل الانقسام إلى «انفصال» نهائي بين غزة والضفة!!

والواقع، أن ما بات يهدد هذه المعادلة وتفعيلها على الأرض، أمر لم يكن بالحسبان، تزايد قوة الحركات السلفية في قطاع غزة، واحتمالات لوجود «داعش» أكثر تنظيماً وتهديداً، صواريخ غير عشوائية وليست طائشة تطلق على تخوم المستوطنات المجاورة، الأمر الذي من الممكن أن يعصف بهذه المعادلات، والواقع أن الحركات الإرهابية التي أطلقت هذه الصواريخ، استمدت القدرة على التخريب من تجارب شبيهة، قامت بها بعض الفصائل من خلال إطلاق الصواريخ العبثية والطائشة لتخريب متعمّد.. كما تفعل قوى الإرهاب حالياً!!


 هاني حبيب

من نفس القسم دولي