دولي
قتل جديد لأيتام غزة بأيدٍ فلسطينية
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 30 ماي 2015
في إحدى ليالي شهر نوفمبر الماضي شديدة البرودة، وبعد الحرب الشرسة التي شنتها (إسرائيل) على غزة اصطحبني أحد مدراء الجمعيات الخيرية في حي الزيتون بمدينة غزة بجولة ميدانية على عدد من الأسر الفقيرة التي تكفلها الجمعية لتسليط الضوء إعلاميا من جانبي على معاناتها. كانت محطتنا الأولى والأخيرة في ذلك اليوم، عائلة فقيرة تسكن في الخلاء، وجدنا طفلين لا تتجاوز سنوات عمرهم أصابع اليد الواحدة، يتجولون في محيط المنزل، ويلتقطون بعض نباتات الأرض، أذكر حينها أنها كانت "بصل أخضر" ويقومون بأكلها دون شيء آخر والدموع تنهمر من عيونهم، حينها توقفتُ فسألت أحد الأطفال عن سبب أكلها، فصدمني بإجابته: "والله يا عمي ما في عنا في البيت غير البصل نأكله منذ سبعة أيام". اقشعر بدني من كلماته فطلبنا التعرف على أحوال البيت، فكان عبارة عن ألواح من الصفيح المهترئ وبعض الملابس البالية التي تحاول العائلة أن تستر بها نفسها من عيون المارة. تجولتُ قليلا، وابتعدنا بضعة أمتار عن البيت لنجد كرسيا موضوعا أسفل شجرة زيتون "وقد اعتدنا على رؤيته في بيت قضاء الحاجة" وتحيط به مجموعة من الملابس البالية وبلا سقف، حينها سألت: "ما هذا؟"، فأجابتني امرأة ترعى أطفالها: "هذا بيت قضاء الحاجة"، قلت لها: "وكيف تقضون حاجتكم خلال الليل؟، فقالت: "أخرج برفقة أبنائي رغم البرد والمطر والكلاب الضالة".. حينها نزلت دموعي دون إرادة مني، وقلتُ لها: "وابنتك الجامعية تقضي حاجتها في هذا المكان".. قالت: نعم.. خرجتُ من المكان بصحبة مدير تلك الجمعية، وأخبرني خلال رحلة عودتنا أنه كلما تفقد تلك العائلات لم يذق طعما للنوم والراحة لأيام وليالي طويلة، لكنه أخبرني أن هذا المنزل تبرع أحد رجال الخير من إحدى الدول الخليجية لبنائه حتى يستر تلك العائلة وأيتامها مما هم فيه. لكنني قابلت مسئول تلك الجمعية بعد أيام والحسرة في عينيه حينما أدركتُ بأن بنك فلسطين قام برد الحوالة المالية لتلك العائلة، ورفضت تسليمها للجمعية التي كانت بصدد تنفيذ بناء منزل لتلك العائلة. مرت الأيام والشهور وتكشفت الحقيقة المؤلمة، فقد اشتد الحصار على قطاع غزة بعد حرب جويلية عام 2014م من قبل الاحتلال الصهيوني، وهذا متوقع من الاحتلال، لكن أن تقوم المؤسسات الفلسطينية بهذا الدور بجدارة كما يقوم بنك فلسطين فهذا يطرح تساؤلات كبيرة. بحثت في الأرقام، لمعرفة الدور الذي يمارسه ذلك البنك، كون لغة الأرقام هي الأقرب للعقل والمنطق، فوصلت إلى النتائج المروعة التالية:
1- قام بنك فلسطين بتجميد حسابات 31 جمعية خيرية في قطاع غزة خلال الأعوام 2014م و2015م فقط.رفض البنك المذكور فتح حسابات لـ 50 جمعية خيرية، بل وجميع الجمعيات التي تم ترخيصها بعد العام 2006م، أي بعد فوز حركة "حماس" في الانتخابات التشريعية الفلسطينية.قام البنك بإرجاع الحوالات المالية التي تخص الأيتام والفقراء والمعاقين، والمشاريع الخيرية ورفض استلامها، وهي تُعد بالمئات. وكانت نتيجة هذه الإجراءات من بنك فلسطين "الذي يحصد 60 % من أرباحه من قطاع غزة الذي يشكل مواطنوه 40% من مجموع سكان القطاع والضفة الغربية المحتلة، بينما لا يدفع أي ضرائب أو يدعم مشاريع تنموية لأهالي القطاع المحاصر كسائر المؤسسات الكبيرة في أي مجتمع على وجه الأرض"، كانت نتائج خطواته ما يلي:وقف 40000 كفالة تخص الأيتام والفقراء والمرضى والمعاقين، وهي تُقدر بمبلغ 2 مليون دولار شهرياً.تضرر 11 مدرسة خيرية للأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة يدرس فيها ما يقرب من 9000 طالب وطالبة.التأثير على 20 مستشفى ومركز صحي خيري يتردد عليها مليون مريض سنويا.توقف الجمعيات عن تقديم مساعدات لأكثر من 20000 ألف طالب وطالبة من طلاب الجامعات "كانت الطالبة سالفة الذكر إحداهن".التأثير على عملية إعادة الإعمار للبيوت التي دمرها الاحتلال الصهيوني بالكامل أو أصابها ضرر جزئي في العدوان الأخير، والتي تأثر بسببها ما يزيد عن 50000 أسرة فلسطينية. لقد أثرت إجراءات البنك على المساعدات العامة من طرود غذائية والحقيبة المدرسية ومشاريع الأضاحي ومعونة الشتاء بنسبة تخطت الـ 50% من المساعدات التي اعتادت المؤسسات الخيرية تقديمها للأسر الفقيرة في غزة. وأمام هذا الواقع المؤلم، وفي ظل رفض إدارة بنك فلسطين حتى مجرد التعليق على الاعتصامات التي ينفذها الأيتام والأرامل أمام مقراته في غزة هذه الأيام، ألا نستطيع القول بأن البنك بات أداة من أدوات الاحتلال ما دام يمارس أساليبه في قتل أبناء الشعب الفلسطيني؟ ثم إن كان الأمر غير ذلك، فهل من المفترض أن يبتز البنك الذي يوسم نفسه بفلسطين الأيتام في أرزاقهم بعدما قتل الاحتلال الصهيوني آبائهم الذين دافعوا عن تراب وممتلكات فلسطين حينما سعى الاحتلال لتدميرها؟ ثم أليس الشهداء هم من حفظوا مؤسسات الوطن وجادوا بدمائهم في سبيل ذلك؟ وهل هكذا يرد البنك الجميل لأبناء الشهداء؟ أليس من المفترض على أصحاب رؤوس الأموال والودائع في البنك مراجعة حساباتهم بعد هذا الدور المشبوه للبنك وتحريك أموالهم من البنك لخارجه؟.