دولي
الفن المقاوم
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 29 ماي 2015
لم يعد خافياً على أحد التأثير الكبير على السلوك البشري من خلال وسائل الإعلام عموماً، والفنون على اختلافها خصوصاً. وفي الوقت الذي زهد فيه الناس في القراءة، حلّ التلفاز مكانها بشكل واضح، وخاصة في البلاد العربية. وقد اكتشفت القوى العظمى تأثير التلفاز على تشكيل الرأي العام، فأسست شركات ومؤسسات إعلامية ضخمة مثل هوليود في الولايات المتحدة الأمريكية، التي أمكنها صناعة شخصية الأمريكي السوبر؛ المتفوق والمنتصر دائماً، والذي يمثل "الخير" ضد الآخرين "الأشرار". وقد تمكنت صناعة الأفلام الأمريكية والأوربية من إعادة تشكيل الوجدان الإنساني وفق مصالحا وقيمها. وقد بلغت هذه الفنون والأفلام من التأثير في الكبار والصغار إلى الدرجة التي جعلت الشعوب العربية ترى في الأجنبي المستعمِر الأنموذج الذي يجب أن يُحتذى. إن قوة التأثير التي تكون إحدى مظاهرها تعلُّق المشاهد بهذه الأفلام والمسلسلات، أو بكائه معها أو حزنه خلالها، أو فرحه لانتصار البطل، وغير ذلك من مظاهر التأثُّر، يعني شيئاً واحداً: أن الجهد والمال المبذول في هذه الصناعة قد حقق أهدافه بامتياز. إن القضية الفلسطينية - بما فيها أكبر تعداد لاجئين في العالم، وأحد أهم المقدسات العالمية يتم تدميرها واللعب فيها على مرأى العالم - إحدى أبرز قضايا العدالة والإنسانية في العالم في العصر الحديث. والعجيب أن الفلسطينيين - إلى حد كبير - غير قادرين على نقل مظلوميتهم إلى نفوس ملايين البشر في العالم، بل إن رواية الصهاينة هي السائدة وتجد سلاسة في التداول. إن التفسير الواضح لهذه الحالة هو فشل مميَّز للإعلام الفلسطيني، ونجاح باهر للإعلام الصهيوني. وما دام الأمر كذلك؛ فنحن أمام معركة بالقوة الناعمة، يجب على المقاومة الفلسطينية خوض غمارها بكل جدارة، تماماً كمعركة العقول، والمعركة الإلكترونية، والمعارك الميدانية في ساحات الشرف. وإذا كانت مقارعة الأعداء واجبة، فإن كل وسيلة توجعهم أو تردعهم، أو تُحبِط جهودهم العدوانية تصبح واجبة؛ فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والأمة مقصِّرة، بل آثمة، ما لم تقم بهذا الواجب، وتحارب الأعداء في كل الساحات، وعلى كل الصُعُد. لقد ظهرت في الآونة الخيرة بعض المسلسلات الفلسطينية، والعربية التي تتناول بإيجابية المقاومة الفلسطينية؛ مثل: مسلسل الروح، ومفترق طرق، والبندقية، ومن قبلها: التغريبة الفلسطينية، التي سجلت علامة مميزة في الفن العربي الخادم للقضية. ومع ذلك نحن بحاجة ماسة لأفلام عالمية وبلغات أجنبية أو مدبلجة على أقل تقدير، تكون ذات سيناريو مؤثِّر، وأداء فني راقي، مهما كلفت من ثمن، لأننا عن طريقها نغزو العقل العالمي ونصنع أكبر جبهة مساندة لقضيتنا العادلة. وإن أية أعذار مالية أو حرفية هي غير مقبولة، ويجب وضع خطة متكاملة للخروج من حالة الضعف المطبقة علينا، والانطلاق إلى فضاءات العالم لنصنع جبهة أصدقاء تبكي لبكائنا وتفرح بانتصارنا وتتظاهر من أجلنا وتدفع الغالي والثمين من أجل الحرية والكرامة والإنسانية التي تمثلها المقاومة الفلسطينية.