دولي

النكبة 2015.. بأية حال عُدْتِ يا ذكرى

القلم الفسطيني

 

من طريف الموافقات العددية أن عام 2015 يوافق الذكرى الـ67 لنكبة عام 1948، والذكرى الـ48 لنكسة عام 1967، رغم أن الأخيرة "أنكب" من النكبة بمراحل، إذ خسرنا فيها ما بقي من فلسطين إضافة لأجزاء من عدد من الدول العربية فضلاً عن التراجع الاستراتيجي، لكنها سميت كذلك لتخفيف الوعي بالكارثة وتخفيض حدة الغضب الشعبي وتثبيت كراسي الحكام. بيد أن "الطرافة" مقصورة فقط على هذا التوافق العددي وبعيدة عن واقع حال فلسطين والأمة من خلفها في ذكرى النكبة. ولئن كانت ظروفنا على طول السنوات "استثنائية" وتمر دائماً بمنعطفات تاريخية، إلا أن الذكرى تمر هذا العام بظروف مختلفة جداً عن سابقاتها، سلباً وإيجاباً بنسب متفاوتة. تمر الذكرى هذا العام والمقاومة الفلسطينية أكثر خبرة واستعداداً، بعد صدها لثلاثة عدوانات خلال سنواتٍ سِت، أثبتت فيها علو كعبها، وصدقها وإخلاصها في الدفاع عن الأرض والإنسان، وأن وقتها يدور ما بين حرب وإعداد. حملت السنوات الأخيرة - وخاصة حرب حجارة السجيل مؤخراً - الكثير من الإنجازات النوعية للمقاومة براً وبحراً وجواً، واستعداداً ودفاعاً وهجوماً، وقصفاً وصدّاً وأسْراً. لكن القضية الفلسطينية في المقابل تعاني من ضياع البوصلة وفقدان المشروع الوطني الجامع، في ظل تنازع المشاريع وغياب الضابط أو الناظم لأداء ومواقف وانحيازات مختلف الفصائل والتوجهات. فالمقاومة ليست محل إجماع - للأسف - والمفاوضات في طريق مسدود، والمصالحة مؤجلة بقرار من عباس، والأفق السياسي ضبابي إلى أبعد الحدود، والشتات الفلسطيني ليس بحال أفضل من الداخل المحتل تحت وطأة مأساة مخيم اليرموك في سوريا متعددة الآباء، وتأخير (وليس تأخر) إعادة إعمار مخيم نهر البارد في لبنان، وهي منظومة متكاملة جعلت - إضافة إلى المؤثرات الإقليمية - الاستفادة من التطور النوعي للمقاومة أقل بكثير مما هو ممكن. من ناحية أخرى، تبدو المقاومة اليوم مكشوفة الظهر خارجياً أكثر من أي زمن مضى، بعد أن اختلطت أوراق الإقليم وتفتت المحاور وأعادت تشكيل نفسها. لم تعد المقاومة (تحديداً حماس) جزءاً من "محور الممانعة" الذي انشغل بشكل شبه حصري بمعارك النفوذ الإيراني في سوريا والعراق واليمن، ولم/ولن تصبح يوماً ما جزءاً من "محور الاعتدال" أو أياً ما كان اسمه الجديد. إن تيار المقاومة اليوم بلا حاضنة عربية أو إقليمية قوية يستند إليها، رغم أنه ليس وحيداً تماماً، باعتبار أن الداعمين الإقليميين الجدد لم يستطيعوا ملء فراغ السابقين، بافتراض أنهم يريدون ذلك. أما العالم العربي، أو الإقليم الذي يحيط بفلسطين، فحدث ولا حرج. تراجعت "القضية المركزية" أولاً عن مركزيتها مع ثورات الربيع العربي، وهو أمر كان متوقعاً ومفهوماً وفق سياق التحولات المجتمعية وأولويات المعارك الداخلية، ثم تغيرت المواقف منها بعد الثورة المضادة عليها، فتبادلت فلسطين (أو قوى المقاومة) مواقع وتوصيفات التحالف والعداء مع العدو الصهيوني بالنسبة لبعض الأنظمة العربية، بينما غابت عن الحرب الأخيرة "عبارات" التأييد أو الشجب أو الضغط السياسي، فضلاً عن النصرة والدعم. أما السنوات القليلة القادمة فتبدو موحية بحروب ذات طابع مذهبي - طائفي - إثني يؤدي إلى مزيد من التفتيت والتشتيت والتشظي، لن تكون فلسطين بالتأكيد بعيدة عن هزاته الارتدادية. أما على جبهة العدو الصهيوني، فيبدو أنه ماض في طريق اليمين المتشدد بخطى ثابتة بعد أن أكدت ذلك للمرة الألف الانتخابات الأخيرة، ويبدو أنه متحلل تماماً من أي ضغط خارجي بفعل تطورات المنطقة وأولويات الإدارة الأمريكية، ومن نافلة القول أنه لا يملك ما يقدمه للفلسطينيين سوى التهديد بالعدوان والتهجير ومشاريع "الترانسفير" والوطن البديل، بينما يبدو المستوى الفلسطيني الرسمي مصراً على عملية التسوية دون أي بديل. تمر ذكرى النكبة هذا العام إذاً والقضية الفلسطينية في تقدم في بعض الجزئيات وتراجع في معظمها، متأثرة بالواقع العربي والإقليمي بالدرجة الأولى، وهو ما أدى إلى تراجعها في سلم الأولويات، ثم إلى استعدائها. وهي فرصة - إلى جانب الضرورة - للقيام بمراجعات جادة ومسؤولة من الجميع وعلى مختلف المستويات، لتوحيد الرؤية والاستراتيجية المطلوبة لإعادة القضية الفلسطينية إلى مكانتها وأهميتها وأولويتها، وصياغة مشروع وطني فلسطيني أساسه المقاومة والتحرير جذوره في فلسطين وأغصانه في العمق العربي - الإسلامي. وهي فرصة أيضاً لإعادة تحديد المواقف وتمايز الصفوف، فالمرحلة أبعد ما تكون عن رفاهية المواقف الرمادية أو المجاملات على حساب الشعب والقضية والمستقبل.


من نفس القسم دولي