دولي

محمد الضيف... القائد الذي فشل 7 رؤساء حكومات في تصفيته

العدو يقر بفشله في تصفيته خلال الحرب الأخيرة على غزة

 

  • تقارير صهيونية أكدت أن الضيف عاد لقيادة كتائب القسام بشكل طبيعي

 

أعادت دولة الاحتلال، محمد ضيف القائد العام لكتائب القسام الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" والمطلوب رقم واحد لديها إلى الواجهة من جديد، وذلك بعد إعلانها وبحسب مصادرها الأمنية أنه لا يزال على قيد الحياة، وعاد ليمارس عمله في قيادة الكتائب بشكل طبيعي، وذلك بعد إعلانها أنها تمكنت من تصفيته خلال الحرب الأخيرة على غزة قبل تسعة شهور هذا الإقرار الصهيوني غير الرسمي اعتراف بفشل جديد أمام أحد أبرز قادة المقاومة الفلسطينية والمطارد لدى الدولة العبرية منذ قرابة الربع قرن من الزمان دون أن تنال منه.

كابوس مزعج للاحتلال

وبحسب تقرير نشرته وكالة قدس برس، فإنه خلال مطاردة هذا الرجل تناوب على رئاسة الوزراء في الدولة العبرية سبعة من قادتها منذ عام 1991م وهي بدء رحلة مطاردته وحتى اللحظة، إضافة إلى عشرات القادة الأمنيين والعسكريين، بعضهم من فارق الحياة والآخر لا يزال يرقب ماذا ستفعل هذه الدولة مع هذا "الكابوس المزعج" لها، بحسب وصف الكثير منهم. والقادة الصهاينة الذين تقلدوا مناصب رئاسة الوزراء في الدولة العبرية خلال فترة مطاردة محمد ضيف وأوكلت لهم مهمة تصفيته وبعضهم تقلد أكثر من دورة هم: اسحق شامير، شمعون بيرز، اسحق رابين، ارئيل شارون، ايهود باراك، ايهود اولمرت، بنيامين نتنياهو وكانت صحيفة "هآرتس" العبرية ذكرت على صدر صفحتها الأولى الأربعاء (29-4): "إن ضيف، الذي حاولت إسرائيل اغتياله خلال الحرب الأخيرة على غزة حي يرزق ويشارك في صنع القرارات العسكرية المهمة"، وذلك وفقا لتقديرات الأجهزة الأمنية الصهيونية. ودمرت طائرات الاحتلال في التاسع عشر اوت الماضي منطقة "أبو علبة" في حي الشيخ رضوان شمال غرب مدينة غزة بالكامل، وذلك بعد استهدافها منزلا يعود لعائلة الدلو مكون من ثلاثة طوابق بستة صواريخ كبيرة الحجم حيث تم تسوية المنزل بالأرض، ليستشهد جراء ذلك وداد حرب "ضيف" (26 عامًا) زوجة القائد العام لكتائب القسام، واثنان من أطفاله، وعدد من سكان البناية، وليحدث دمار كبير في المكان وأعلنت دولة الاحتلال آنذاك أنها تمكنت من قتل ضيف في هذه الضربة إلا أن "كتائب القسام" نفت ذلك دون إعطاء المزيد من المعلومات وتحدت الاحتلال الإعلان عن سبب استهداف منزل عائلة الدلو قبل أن يكشف عن وجود عائلة الضيف في ذلك المنزل. وتطارد الدولة العبرية ضيف (50 عامًا) منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي بتهمة الوقوف وراء هجمات عليها أسفرت عن مقتل العشرات من الصهاينة، وقيادة كتائب القسام، حيث نجا من عدة محاولات اغتيال. الرئيس الأسبق لجهاز الأمن العام الصهيوني "الشاباك" يعقوب بيري قال، إنه يتوجب التعامل مع محمد ضيف، على أنه رئيس أركان أو قائد قوات.

محاولات اغتيال فاشلة

وقال بيري، الذي كان حتى عدة أشهر عضوا في المجلس الوزاري "الإسرائيلي" المصغر "الكابينت"، لصحيفة /يديعوت أحرونوت/ العبرية، الخميس (30-4)، "في نهاية الأمر، فإننا نتحدث عن رئيس الجهاز العسكري في حماس، وعلى الرغم من وجود آلاف الاختلافات فإنه يتعين علينا التعامل معه باعتباره رئيس أركان، وكقائد قوات وقال بيري الذي رأس الشاباك ما بين عامي 1988م و1995م: "إن (ضيف) لا يبقى في مخبأ واحد، إنه يتحرك كثيرا ويحافظ على مستويات عالية من السرية وأضاف مبررا الفشل في اغتيال ضيف: "الاستخبارات ليست رياضيات، تقريبا جميع عمليات القتل المستهدف نفذت استنادا إلى معلومات محددة، وقد نجحنا في جزء من الحالات وفي بعض الحالات الأخرى لم ننجح ويكاد يكون بيري أكثر قادة الاحتلال معرفة بـ"ضيف"، فخلال فترة توليه منصب قائد "الشاباك" اعتقل ضيف مرتين خلال الانتفاضة الأولى، وكذلك تم مطاردته، وكانت نهاية عمله في "الشاباك" ذروة عمل الكتائب في العمليات الفدائية بغزة، وعمليات التفجير داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م. ودعا بيري إلى "عدم إساءة تقدير ضيف"، وقال: "لقد اكتسب الرجل الكثير من الخبرة العملياتية، وأصيب بشكل خطير في إحدى محاولات الاغتيال ولديه حلقة من النشطاء من حوله يوفرون الحماية له". وأضاف الرئيس الأسبق لـ"الشاباك": "ما من شك أنه ناشط معقد، ويمكن قول أمر آخر عنه: "إنه رجل محظوظ جدا" وفق قوله. من جهته، قال الرئيس الأسبق لجهاز المخابرات الإسرائيلية "الموساد" داني ياتوم أن ضيف وأمثاله "يبذلون كل جهد لعدم جعل حياتنا سهلة، إنهم يختبئون، يتجنبون استخدام الهواتف النقالة، لا يتحدثون إلى محطات الإذاعة، وهذا ما يجعل من الصعب جدا الوصول إليهم". ورجح ياتوم أن ضيف لم يكن في المنزل عند محاولة اغتياله الأخيرة في شهر اوت الماضي، وقال: "لو كان هناك عند تنفيذ الضربة لكان قد مات، وأعتقد أن هذا يعني أنه لم تنقذه معجزة، إنه بحاجة إلى الحظ للبقاء على قيد الحياة، ونحن بحاجة إلى الحظ للنجاح في قتله وأكد ياتوم إلى أن "ضيف أصبح أكثر حذرا وقد تعلم من تجارب الاغتيال السابقة". ويعتبر الضيف من أخطر الشخصيات والرجال الذين طاردتهم الدولة العبرية على مدار تاريخها، نظرا لأنها تطارده في منطقة جغرافية صغيرة جدا في ظل تطور تكنولوجي كبير.

مسيرة القائد

ولد ضيف عام 1965م في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، وينحدر من عائلة المصري التي تلقب بعائلة "ضيف" والتي هجرت من قرية كوكبا داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م، ليستقر بها المقام في مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة. تتكون أسرته الفقيرة من خمسة عشر فرداً، حيث كان والده يعمل في صناعة الوسائد وتنجيد الفرش. تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدارس مخيم خان يونس كما بقية اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من ديارهم وأرضهم وممتلكاتهم. مارس عمله النقابي والوطني على أرض الجامعة الإسلامية بغزة عبر الانتماء للكتلة الإسلامية الذراع الطلابي لحركة "حماس" وعضوية اللجنة الفنية لمجلس طلاب الجامعة. انضم إلى حركة "حماس" منذ نعومة أظفاره وكان عنصرًا نشيطا فيها، وشارك في فعاليات الانتفاضة الكبرى التي اندلعت نهاية عام 1987م واعتقل في إطار الضربة الأولى التي وجهتها الدولة العبرية للحركة في صيف عام 1989م بتهمة الانضمام إلى الجناح العسكري للحركة الذي كان الشيخ صلاح شحادة (استشهد في صيف 2002) قد أسسه آنذاك، وكان يحمل اسم "حماس المجاهدين" قبل أن يطلق عليه اسم "كتائب القسام"، وأمضى عاما ونصف العام في السجن. أفرجت السلطات "الإسرائيلية" عام 1991م عن ضيف من سجونها ليلتحق بالمجموعات الأولى لكتائب القسام التي أعيد تشكيل الجهاز العسكري من خلالها، وذلك من خلال مجموعة خان يونس، والذين استشهد معظمهم مثل ياسر النمروطي وجميل وادي، هشام عامر، وعبد الرحمن حمدان، ومحمد عاشور، والأسير حسن سلامة وغيرهم من المقاومين. وبعد مشاركة ضيف في تنفيذ العديد من العمليات الفدائية والاشتباك مع قوات الاحتلال أصبح مطلوبًا للاحتلال، ورفض تسليم نفسه لتبدأ رحلة أطول مطاردة ربما في التاريخ في مساحة جغرافية صغيرة وضيقة، إلا أنه استطاع خلال هذه الفترة ومن خلال إتقانه للتخفي والبقاء في مكان واحد لفترة طويلة؛ ألا يقع في قبضة قوات الاحتلال حيًا أو ميتًا. وبرز دور الضيف بعد اغتيال عماد عقل الذي برز اسمه في سلسلة عمليات فدائية في نوفمبرمن عام 1993م، حيث أوكلت إليه قيادة "كتائب القسام". وتمكن الضيف خلال هذه الفترة من التخطيط وتنفيذ عدة عمليات نوعية، وكذلك تمكن من الوصول إلى الضفة الغربية المحتلة وتشكيل العديد من الخلايا الفدائية هناك، والمشاركة في تنفيذ عدة عمليات فدائية في مدينة الخليل والعودة إلى قطاع غزة. وكان له الدور الكبير في التخطيط لعملية خطف الجندي الصهيوني نخشون فاكسمان عام 1994 في بلدة بير نبالا قرب القدس والذي قتل وخاطفيه بعد كشف مكانهم. وظهر الضيف وهو يحمل بندقية وبطاقة هوية فاكسمان التي هربت من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، حيث كان ملثما بالكوفية الحمراء. ومع اشتداد الخناق على المطلوبين للاحتلال في قطاع غزة، رفض الضيف طلبًا بمغادرة قطاع غزة خشية اعتقاله أو استشهاده، لا سيما في ظل سياسة قصف المنازل التي يعتقد أن بها أي من المطلوبين، وقال كلمة مشهورة آنذاك: "نحن خلقنا لمقاومة الاحتلال إما أن ننتصر أو نستشهد"، وذلك على الرغم من موافقة عدد من زملائه على الخروج خارج القطاع.كما استطاع أن يؤمن وصول المهندس يحيى عياش، أحد خبراء المتفجرات في الضفة الغربية إلى قطاع غزة بعد تضييق الخناق عليه في الضفة الغربية، وللاستفادة من خبرته في صناعة المتفجرات، حيث تم اغتياله بواسطة هاتف مفخخ مطلع عام 1996م. كما وقف ضيف وراء عمليات الثأر لعياش، من خلال إرسال حسن سلامة إلى الضفة الغربية للإشراف عليها؛ حيث قتل في هذه العمليات الفدائية حوالي ستين صهيونيًا. توارى ضيف كليًا عن الأنظار بعد تنفيذ عمليات الثأر لعياش في ربيع عام 1996م، حيث شنت السلطة عملية ملاحقة له في إطار الضربة الكبيرة التي وجهتها لحركة "حماس"، واعتقلت المئات من قادتها وعناصرها آنذاك. واستطاعت السلطة بعد ذلك اعتقال ضيف بحجة أنها تريد حمايته من القصف الصهيوني، حيث سمحت السلطة آنذاك لمحققين من جهاز المخابرات الأمريكي المعروف باسم "السي أي ايه" من التحقيق معه.وتمكن ضيف فيما بعد من الفرار من سجن الأمن الوقائي بغزة ليعود يحاول تشكيل خلايا القسام من جديد بعد مصادرة سلاحهم وذخائرهم، حيث بدأ بالاستعداد لتنفيذ المزيد من العمليات حتى اندلعت انتفاضة الأقصى في أيلول (سبتمبر) من عام 2000م. ومع إفراج سلطات الاحتلال عن الشيخ صلاح شحادة عام 2001م، سلم ضيف الشيخ شحادة قيادة الجهاز العسكري، حيث كلف شحادة الضيف بالمسؤولية عن الصناعات العسكرية للكتائب والتي طورها وأبدع فيها. وبعد عام من اندلاع الانتفاضة تعرض ضيف لعملية الاغتيال الأولى، حيث كان برفقة عدنان الغول (استشهد في 22 أكتوبر 2004) خبير المتفجرات في كتائب القسام ونجله بلال؛ حيث أطلقت عليهم طائرة صهيونية صاروخا في بلدة "جحر الديك" وقد نجيا من الاغتيال بأعجوبة بعد استشهاد بلال في القصف ليغطي على والده ورفيق دربه.

قيادة الجهاز العسكري

وبعد استشهاد شحادة في صيف عام 2002 أعادت قيادة الحركة المسؤولية للضيف لقيادة الجهاز العسكري. وفي السادس والعشرين من أيلول (سبتمبر) من عام 2002 أي بعد استشهاد شحادة بثلاثة أشهر نجا الضيف من عملية اغتيال ثانية بعد قصف السيارة التي كانت تقله في حي الشيخ؛ حيث استشهد مرافقاه وأصيب بجراح خطيرة للغاية. وكانت مصادر فلسطينية تحدثت عن تعرض ضيف لمحاولة اغتيال ثالثة في قصف أحد المنازل في صيف 2006 خلال العملية العسكرية الإسرائيلية بعد خطف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، حيث قيل إنه أصيب بجراح خطيرة. دون أن يؤكد ذلك من قبل كتائب القسام. ويتحدث من عايش ضيف عن تحليه بصفات الهدوء والصبر والإيمان الشديد والحرص البالغ الذي أبقاه حتى الآن حراً طليقاً دون أن ينال منه الاحتلال. كما أنه لا يعرف الترف ولا يهوى غير البساطة ولا يعشق غير الصلاة، حسب المقربين منه. عايش ضيف خلال عمله وقيادته لكتائب القسام أجيالا عديدة من الشباب، وكذلك عددا كبيرا من القادة، ليس آخرهم نائبه أحمد الجعبري (استشهد في الرابع عشر من نوفمبر 2012) الذي كان من المقربين منه. وتشير المعلومات الأمنية الصهيونية عن ضيف، أنه قليل الأصدقاء والكلام والنوم والطعام، وكثير العمل، لا يفارقه سلاحه، ولا يمل البقاء لأسابيع طويلة جداً في غرفة واحدة، ولا يدفعه الفضول حتى للنظر من نافذتها. وقد تطورت قدرات كتائب القسام خلال قيادة الضيف بشكل كبير وسريع لا سيما في مجال الصناعات العسكرية في صناعة القنابل والعبوات الناسفة والصواريخ وتطويرها، وكذلك العمليات الفدائية في الاقتحامات وتفجير الحافلات وحفر الأنفاق وإرسال طائرات بدون طيار. المحاولات الأربعة لفشل اغتيال ضيف هي المحاولات المعلنة، حيث إن هناك محاولات لاغتياله غير معلنة.غير أن الدولة العبرية التي طاردت ضيف لربع قرن من الزمن وأنفقت الملايين على هذه المطاردة والرصد باتت يائسة من إمكانية الوصول إليه أو تصفيته نظرًا للصفات التي يتمتع بها الرجل، وأخذه أعلى درجات الحيطة والحذر، والتعامل بالطرق البدائية دون الاقتراب من المواد التقنية.

 

من نفس القسم دولي