دولي

هل ننتظر (سايكس بيكو 2)؟

القلم الفلسطيني

 

إعادة إنتاج (سايكس بيكو) هي أحد ما تستهدفه (الفوضى الخلاقة) التي أنشأت الصراعات العسكرية في الساحات العربية. ومن هنا نقول: إن (التقسيم) الجغرافي والطائفي هو أهم مخرجات الفوضى الخلاقة العملية. تقول صحيفة معاريف الصهيونية: (إن ثمة اتفاقا بين أميركا وروسيا على تقسيم البلاد السورية بين النظام والمعارضة؟! وقد جاء هذا الاتفاق بعد قناعة أميركا وروسيا بأن النظام لا يمتلك فرصة هزيمة المعارضة في المناطق التي استولت عليها، وأن المعارضة لا تملك فرصة جيدة للسيطرة على دمشق ومعاقل النظام في الساحل السوري، الأمر الذي يفرض على روسيا وأميركا النظر بإيجابية لإعادة تقسيم سوريا. ليس بالضرورة البحث في دقة ما نقلته معاريف الإسرائيلية، ولكن من الضروري البحث في مبدأ التقسيم، وهل يمكن أن يكون هدفا من أهداف الفوضى الخلاقة؟! وهل تقبل البلاد السورية التقسيم الجغرافي والطائفي والعرقي؟! وهل تتماشى مصالح الدول الكبرى مع التقسيم؟! إن الإجابة عن هذه الأسئلة هي مفتاح تقييم ما يجري في المنطقة من صراعات، وهي مفتاح جيد للتعرف على الدور الذي تقوم به الدول الكبرى، وأهدافها في المنطقة. وأحسب أن المقاربة الموضوعية تتحدث عن قبول الجغرافيا والسياسة والاجتماع لفكرة التقسيم، وإن مصالح الدول الكبيرة و(إسرائيل) تكمن في التقسيم، لذا هي تعمل على إنتاج التقسيم على نحو يحقق أهدافها، ويتماشى مع رؤيتها. التقسيم مشروع أكثر من كونه فكرة نظرية، وهو مشروع ينضج ويتبلور بقوة السلاح وبأيدي المتقاتلين من أبناء البلد الواحد، وهو مشروع يهدد كلا من سوريا والعراق وليبيا، وربما اليمن والمملكة السعودية، كما تذكر مراكز الأبحاث الأميركية. لقد كانت (سايكس بيكو) بعد الحرب العالمية الأولى، وقد تمت بنجاح من وجهة النظر الأوروبية. وأحسب أن الحرب الطاحنة في سوريا، والعراق، وربما اليمن وليبيا، توفر فرصة أجود للدول الاستعمارية والكبرى لإنتاج (سايكس بيكو ٢)، وتزداد هذه الفرص حيوية حين تتكافأ الأطراف المتصارعة، وتتراجع فرص انتصار فريق على آخر. وهنا يجدر بكل عربي تذكر عملية تقسيم السودان إلى دولتين بعد عجز أحد الطرفين عن تحقيق الانتصار الحاسم على الطرف الآخر. إن مشروع انتصار فريق من المتقاتلين في هذه البيئات هو بيد هذه الدول الكبرى للأسف، وليس بيد الأطراف المتقاتلة. فحين قررت الدول الكبرى التخلص من القذافي، وصدام حسين، مكنت هذه الدول المعارضة من الانتصار بإزاحة العقبات المانعة، وهي الآن لا ترى مصلحة لها في إنهاء الصراع بشكل مباشر من خلال إزاحة المعوقات من أمام المعارضة، لأنها تريد إضعاف الأطراف كلها كمتطلب لمشروع الفوضى الخلاقة، ومن ثمة يكون التقسيم هو الحل الذي تطالب به الأطراف، وتتقبله الدول الإقليمية رغبة أو رهبة. 


د. يوسف رزقة

من نفس القسم دولي