دولي
لماذا لم يحم الناس فوز الإسلاميين في انتخابات المنطقة
القلم الفلسطيني:
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 02 ماي 2015
المشكل الأبرز في المنطقة العربية تكمن في إنسانها، هذا الإنسان الذي يعاني اختلالات فادحة في مسار بناء تكوينه الشخصي المتكامل، فهو إنسان مشوه البنية الكلية لتكامليته النفسية والجسدية والعقلية، بتأثير عامل التراث الثقافي المشوه والمحرف عن أسسه ومنطلقاته الصحيحة، سواء في مرتكزها العقيدي أو حالة الحصر الشكلاني لممارسة الشعائر الدينية، دون أن تكون مقترنة بالتطبيق العملي لمنظومة القيم الأخلاقية، ضمن مشروع الحضارة الأهم، في عموم الفكر الإسلامي. وفي التطبيقات الإسلامية لمشروع الفكر الحضاري، تبرز مسألة الضرورات والأولويات المتعلقة بحرية الإنسان وكرامته وحاجاته في الصحة والأمن والتعليم وغيرها، وهي مسائل تشكل البنية المطلوبة لحالة التأسيس الإنساني في النواحي النفسية والعقلية والروحية وأيضا الجسدية المنسجمة. وهي ضرورات وأولويات تقع أيضا في المناسبية الزمنية فيما يخص تأسيس النشء الإسلامي أطفالا وشبابا، وإشكالية الفوات أو التأخير في النظر إليها يترتب عليها تعقيدات وعوائق خطيرة، حين يتم التفطن والانتباه إلى شرائح وفئات ناسية تغلغل وتشكل فيها عوامل المرض والإحباط والتخلف والارتكاز إلى الوراء، بعدما اغرق هؤلاء بالشكلانية الطقوسية، وهي في الأصل شعائرية، لان تجريد الشعائرية من أهدافها، بكون قيمتها تأتي من حصاد مخارجها الإنتاجية والعطائية، تصبح ولا شك حالة طقوسية، يترسب عليها شيئا فشيئا طبقات من الوثنية والحلولية، بل والتكفيرية. وعليه، فان أي حديث أو مبادرة عن تطوير الاجتماع أو الاقتصاد أو الانخراط في السياسة والديمقراطية والانتخابات وغيرها، تتجرد بالصفة الغالبة لحال المجتمع إلى شكلانية أخرى لتتحد أو بالضرورة لتنسجم مع عموم الشكلانيةوالهياكلية الفارغة الغالبة والمتحكمة وصاحبة السيادة على الجميع، مع فارق الحضور الاجتماعي في نمطه الطبقي، فتتزاوج الأشباه والمترادفات، ويحدث النفر والفر بعيدا عن أو بين أفراد المختلف في الطبقة مالا وجاها وسلطانا. اقصد أن الحركات الإسلامية، وفي المقدم منها حركة الإخوان المسلمين، أيضا هي الأخرى، وهي ضحية كما هو عديد الضحايا في المجتمعات التي نعيش، ذهبت إلى الدعوية السياسية والتغيير الشكلي ودون قصد، دون أن تتنبه إلى مسالة مشروع صنع الإنسان وبثقه إلى عالم وجود فيه يكون فاعلا، ضمن مشروع حضاري يبدأ مع الإنسان طفلا في صحته وتربيته وتعليمه وتوجيهه ضمن مجتمع آبائه وأمهاته مجرد هياكل إنسانية ذبحها داء الفقر والمرض والجهل، وفي غياب موجة حقيقية مراجعية تطهر مرتكزاتنا وثقافتنا وموروثنا من كل الشوائب والخزعبلات والأساطير الحلولية، حتى أصاب الإسلاميين داء شكلانية الانجاز بسبب الاغتراءبشكلانية السياسة الفارغة من مضامينها، نحو التسجل والانخراط في مشاريع انتخابية، نعم هم يفوزون فيها، لكنهم عما قليل لا يجدون كثير ناس يحمون ويساندون هذه التجربة على رغم انتخابهم لهم، ذلك لان الإنسان العربي مهلهل ومتعب ومنهار وغير متماسك ومتوازن في تحمل عبء وأثقال تماسكيةوتوازنية بل وإنسانية المنظومة القيمية والأخلاقية التي تستند إلى موروثه الثقافي والقيمي وحتى التشريعي الأصيل والمجتهد. باختصار نجد الإنسان العربي بموسع موروثه الثقافي يبحث عن نفسه فيه، فيرفع الراية سرا بالانتخاب للحركات الإسلامية، لكنه عند الجد وعلانية الأزمة يخذل هذه الحركات على صدق نواياها ونظافة يديها، لأن الإنسان العربي أُفقد إنسانيته، وفي خضم التيه عبدنا السياسة ونسينا الإنسان. ولعلي لا أبالغ إن قلت إن فوز التيار الإسلامي أو الكتلة الطلابية في جامعة بيرزيت مؤخرا في الضفة الغربية المحتلة، تقع في السياقات أعلاه، فالطلاب بسر الانتخاب ينتخبون حماس، أما أن يكون هناك استعداد لحماية انجازها في مواجهة السلطة الحاكمة، فيتم التخذيل من المصوتين لها لاحقا وبأسرع مما نتصور. ولعل ذلك حدث في انتخابات 2006 في الأراضي المحتلة عام 1967، وهو ما حدث في انتخابات مصر عقب ثورة 2011 فيها، وبدرجة أخف في تونس. المعنى أخيرا أن تتوجه الحركات الإسلامية إلى مسالة التأسيس والبناء للإنسان الذي يستطيع حمل الأمانة في سياق مشروع النهضة الإسلامية.
عماد صلاح الدين