دولي

ومضات من الحلم الفلسطيني

القلم الفلسطيني:

 

 

في البدء كان الحلم.. الحلم الفلسطيني الذي يبزغ مُومِضاً لنا بعد عقود، ينثر البشرى حيث تنبت باقتدار، وتستوي على سوقها. فيوماً ما؛ سنصحو ونجد شباناً ينهمكون في غسل باحات المسجد الأقصى المبارك بماء الورد، ونشتم عبق المباخر في فضاءات القيامة والمهد.يوماً ما سيعقد علماء مسلمون ورجالات كنائس مؤتمراً تاريخياً في ساحة البراق، ويطلقون "العهد الإسلامي ـ المسيحي لاستعادة هوية القدس العربية". يعرض معماريون من أنحاء العالم مخططات لإعادة إنشاء حيِّ المغاربة المدمّر، والرباط تموِّل المشروع التاريخي بعد أن تبعث "لجنة القدس" من مرقدهاتحرِّر طوائف يهودية حول العالم وثيقة اعتذار للشعب الفلسطيني عن "الحقبة الصهيونية"؛ ملتمسة الصفح جراء الكوارث التي تخللتها، وتعلن أنّ الكيان البائد ليس ممثلاً لليهود بل كان عبئاً عليهميلتئم البرلمان البريطاني بغرفتيْه ليقرِّر بطلان "وعد بلفور"، معلناً عن استعداد المملكة المتحدة لتحمّل مسؤولياتها التاريخية إزاء كارثة الشعب الفلسطيني.ذات يوم سيقيم فلسطينيون ولبنانيون، في أجواء أخوية؛ مهرجاناً عالمياً عند "بوابة فاطمة"، احتفالاً بتفكيك آخر مخيم فلسطيني وعودة المهجرّين إلى مدنهم وقراهم المحرّرة، و"الأونروا" تنقل مهامّها إلى إعادة إعمار المدن والقرى الفلسطينية.

سفينة العودة الأولى التي أرخت مرساتها على ساحل يافا ستٌلهِم الفنانين، وتلهب خيالات الشعراء الخصبة، والحجيج الآمنون إلى القدس وبيت لحم والناصرة سيعودون في نهاية زياراتهم للأرض المقدسة بنماذج مصغّرة من السفينة، منحوتة من خشب الزيتون الفلسطيني.تفتح متنزهاتٌ فسيحة أبوابها للجمهور، بمرافقها المشيّدة من حطام المستوطنات الكئيبة، والحركة الحرّة تنساب على "الطرق الالتفافية" العنصرية التي أُقيمت يوماً ما للمحتلين حصراً. ستنهمك ورش عمل في استبدال اللافتات المزوّرة للمواقع والتلال والوديان؛ بأخرى تنتمي إلى المكان والتاريخ والرواية المستعصية على التزوير.يجتاز أطفالنا جانبي الجدار، ويتساءلون عن مساراته التي شقّت أرضهم ومزّقت ماضيهم؛ قبل أن تأتي عليه معاولهم وتحوِّله إلى كتل تتقاسمها متاحف العالم.تنظِّم مدارس مصرية وأردنية وفلسطينية، رحلةَ استجمام مشتركة لتلاميذها، على شاطئ أم الرشراش الفلسطيني الجنوبي، الذي استعاد اسمه المنسيّ. وبروح الوئام؛ تتشابك أيادي الأطفال في سلسلة بشرية متصلة على الشاطئ المتحلِّق من طابا إلى العقبة، تعبيراً عن استعادة المنطقة تواصلها التاريخي ونسيجها الطبيعي.يؤول معسكر الاعتقال "أنصار 3" إلى متحف صحراوي مفتوح، فريد من نوعه، يستقطب الوفود الزائرة من أنحاء العالم، كي تجرِّب مغامرة المبيت القاسي في "كتسيعوت"، بدون سجّان هذه المرة. سيهزأ جميعهم بوهم "الكيبوتس" الذي بيع طويلاً للعالم على أنه مجتمع العدالة؛ قبل افتضاح حقائقه.وفي غمرة الجهود؛ يطلق خبراء البيئة من أنحاء العالم برنامجاً لإحياء البحر الميت، الذي استنزفه الكيان السابق، فيما يضع اقتصاديون ومموِّلون اللمسات الأخيرة على مشروع "الصندوق العالمي لإنصاف الشعب الفلسطيني وتعويض العائدين".تتلاحق تعاقدات سينمائية لإنجاز أعمال عالمية عن بطولات أُقصيت طويلاً عن الشاشات. سلسلة من الأفلام تسجِّل إقبالاً قياسياً عند شبابيك التذاكر؛ عن الذين شقّوا الأنفاق الطويلة بأظفارهم وخرجوا لضباط الاحتلال من تحت الأرض، وعن أمهاتهم اللواتي جهّزنهم وودّعنهم بابتسامات تصحبها عبارات التشجيع.تنجز هوليوود، أخيراً، فيلمها الروائي الذي طال انتظاره "الشيخ ياسين" فيحصد سريعاً جوائز الأوسكار، بعد أن تقلّد الفيلم المخصّص لراشيل كوري السعفة الذهبية.هي ومضات من الحلم الفلسطيني.. ومضات تبزغ في آفاق الأمل، ولست أشكّ في أننا سنصحو ذات صباح، ونجد الحلم وقد استحال إلى حقيقة. تلك حتمية فلسطينية تفصلنا عنها مسافة زمنية لا أكثر. ما يجدر بنا ليس الانتظار؛ بل العمل الدؤوب وبذل التضحيات الجسام التي لا مناص منها.وللمرتابين أقول: ليس في عالمِنا الصغير ما يستأهل التنازل عن أمانينا الكبيرة، وليس في قاموس الظلم والتعسّف ما يُقنِعَنا بأن نُحرِّر صكوكَ البيع؛ بيعِ ذواتِنا وكيْنونَتِنا وحقِّنا في أن نكون.لينفتح الأفق أمام الحلم، لتتجدّد البشرى في سبعينية النكبة، لنعقد العزم على الاستمرار والمواصلة صوب الوُجهة،.. وإنّ غداً لناظره قريب.


حسام شاكر

من نفس القسم دولي