الوطن

بوتفليقة بعد سنة: رسائل من ورق ودستور لم ير النور

الجزائر تستفيق على صدمة بترولية وسياسة التقشف لمواجهة الأزمة

 

 

  • سكنات عدل.. حلم لا يزال يراود الجزائريين 

 

بانقضاء يوم الغد 17 أفريل تنقضي سنة من انتخاب الرئيس بوتفليقة لعهدة رابعة، سنة لم تعرف إيجابيات كبيرة بقدر ما عاشت هزات على خلفية الأزمة النفطية وانتهاج الجزائر لسياسة شد الحزام, وعلى الصعيد السياسي لا يزال الجزائريون ينتظرون دستورهم الذي وعد به الرئيس منذ سنة، بالمقابل لا تزال الجزائر تحافظ على أمن حدودها بفضل استماتة أفراد الجيش في ضل منطقة ملتهبة. 

كان من بين الخطوط العريضة وسببا لترشحه لعهدة رابعة 

تعديل الدستور...الوعد الذي لم يتحقق !

 

 قرار ترشح الرئيس لعهدة رابعة لم يكن لرغبة شخصية حسبه وإنما كانت بدافع من تأثّره للثقة التي مازال يحظى بها بين أوساط واسعة من الجزائريين رغم الصعوبات الصحّية التي واجهها، مؤكّدا عزمه على التصدّي لـدعاة الفتنة في الداخل ولأعداء الخارج، وقدّم رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في رسالة وجّهها للشعب الجزائري الخطوط العريضة لأولويات العهدة الرّابعة، وأعلن أنه في حال إعادة انتخابه لعهدة جديدة فإنه سيقوم بإجراء مراجعة للدستور في غضون السنة الجارية، وتعهّد رئيس الجمهورية في رسالته بأنه سيسعى مع كافّة الفاعلين الممثّلين لسائر أطياف المجتمع إلى إيجاد الظروف السياسية والمؤسساتية التي تتيح بناء نموذج من الحكامة يتجاوب وتطلّعات الشعب، مشيرا أن هذا المسعى سيستجيب لتطلّعات الشباب إلى استلام المشعل في محيط يسوده الاستقرار والعدالة الاجتماعية والإنصاف والاحترام.

بالمقابل وبعد مرور سنة لم يرى مشروع التعديل الدستوري النور وبقي مجرد تصريحات إعلامية يتداول عليها رجال الدولة خلفت حالة من التجاذبات السياسية بين أحزاب المعارضة والمولاة. 

 

تقليص مدة الخدمة الوطنية وإلغاء نسبة الفائدة على القروض الموجهة لتشغيل الشباب

بداية العهدة الرابعة شهدت أيضا تحقيق نجاحات عديدة، مع تجسيد جزء من وعود الحملة الانتخابية للمترشح بوتفليقة، منها تقليص مدة الخدمة الوطنية، وإلغاء نسبة الفائدة على القروض الموجهة لتشغيل الشباب التي باتت تتكفل بها الحكومة، وكذا مواصلة المشاريع السكنية والمضي قدما في برنامج (عدل 2)، ناهيك عن الإنجازات الأمنية، ومواصلة الحرب على الإرهاب، دون أن ننسى النجاحات الدبلوماسية المشهودة.

سنة من الهزات النفطية.. وإجراءات التقشف ترعب الجزائريين 

حالة من القلق والتوتر شهدها الشارع الجزائري منذ أشهر، بعد إعلان الحكومة عن إجراءات تقشف في النفقات نتيجة انهيار أسعار البترول، وكانت أول صدمة للمواطنين هي إعلان الوزير الأول لوقف التوظيف في القطاع العام سنة 2015، حيث نزل هذا الخبر كالصاعقة على خريجي الجامعات والمواطنين بشكل عام لما يحمله هذا القرار من تداعيات سلبية على سوق الشغل وامتصاص البطالة. بالمقابل صارحت الحكومة لأول مرة الجزائريين بصعوبة المرحلة القادمة، وطالبتهم بضرورة تفهم قراراتها في إطار ترشيد النفقات العمومية، حيث تحدث الوزير الأول عن إجراءات تقشف ستباشرها الحكومة لمواجهة زلزال انهيار أسعار البترول، وكان أولها الإعلان عن تجميد التوظيف والمشاريع الثانوية سنة 2015، ما تسبب في اهتزاز الشارع وإصابة الجزائريين بحالة من الخوف والقلق على مستقبلهم لم يسبق لها مثيل منذ خروج الجزائر من العشرية السوداء، حيث باتت تداعيات تدني أسعار النفط حديث العام والخاص في المقاهي والشوارع وأماكن العمل..

هذه المخاوف تعززت بمطالب للتفكير جديا في مرحلة ما بعد النفط، من خلال تنويع الصادرات والعمل على تطوير القطاع الصناعي، مع ضرورة إعادة هندسة إستراتيجية طاقوية خارج منظمة "الأوبك" والاعتماد على الاستشراف لتجنب أي طوارئ.

متتبعون يثنون على إنجازات بوتفليقة وآخرون ينتقدون سياساته 

16 سنة من الحكم.. إنجازات وإخفاقات ورغبة في محاربة الفساد

 كانت عودة السكينة والأمن بمثابة حلم للجزائريين كان يبدو للوهلة الأولى حلم رغم بغض النظر عن الحسابات السياسية وماكان يدور في دواليب الحكم في عهد الرئيس السابق اليمين زروال ,إلا أن هذا المطلب تحقق "فعليا " باعتلاء الرئيس بوتفليقة سدة الحكم سنة 1999 حيث لازال ورقة استرجاع السلم والمصالحة الورقة الرابحة التي تبقى في رصيد الرئيس وكذا أحزاب الموالاة التي استعملتها في العديد من المناسبات خاصة في الاستحقاقات بعد أن اوكلت لها مهمة تنشيط الحملة الانتخابية للرئيس، كما كان للرئيس دور في بعث الاقتصاد الوطني عبر إطلاق برنامج الإنعاش الاقتصادي في العهدة الرئاسية الأولى، والبرنامج الخماسي لدعم النمو في العهدة الثانية (2004 ـ 2009)، فإطلاق مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية (2009 ـ 2014) بغلاف مالي ضخم قيمته 286 مليار دولار، وقبل ذلك عالجت الجزائر مديونيتها الخارجية التي ظلت تؤرقها معالجة نهائية ووفرت السكن لعشرات الآلاف من العائلات المحدودة الدخل. ,بالمقابل كان لحضور بوتفليقة آنذاك شأنا في الساحة السياسية الدولية بعد أن سعى لاسترجاع الجزائر لمكانتها، مقابل ظهور بحبوحة مالية ووفرة في السوق النفطية , عجلت بظهور مشاريع كبرى لخدمة الجزائريين كما عجلت أيضا بظهور " مليارديرات جدد" استغولوا " وبسطو ا نفوذهم في العديد من المجالات ولم يستثنوا حتى العمل السياسي فكان منطق "الشكارة" هو الغالب , لكن سرعان ما بدأت رائحة الفساد تنتشر وسط أصحاب المال وفي قطاعات الوزارية استدعى تحرك العدالة وفتح تحقيقات كشفت قضايا فساد ورشاوى بمليارات الدولارات وظهر أسماء الخليفة عبد الرحمن عاشور وشكيب خليل وقضايا سيبام وسوناطراك 1 و2 والطريق السيار لا يزالون يشغلون أروقة الحاكم إلى يومنا هذا. 

لقاؤه برؤساء دول غربية وعربية دون مخاطبة الشعب يثير تساؤلات 

جزائريون مقتنعون بخطاب الرسائل.. وآخرون يطالبون بظهوره 

باتت الرسائل التي يبعث بها رئيس الجمهورية للشعب في كل مناسبة دون مخاطبة الشعب أمر تعود عليه الجزائريون الذين ربما تقبل بعضهم الأمر الواقع، واقتنعوا بمبدأ مرض الرئيس وأنه يسير المؤسسات الدستورية برأسه وليس برجليه مثلما قال وزير التجارة ورئيس الجبهة الشعبية عمارة بن يونس، حيث وجه الرئيس منذ تجديد الثقة فيه أكثر من سبعة رسائل في العديد من المناسبات,أولها كانت رسالة شكر فيها الجزائريون عن إعادة تجديد الثقة فيهم , كما وجه الرئيس رسائل لمختلف أطياف المجتمع في العديد من المناسبات كعيد استرجاع السيادة الوطنية وكذا ذكرى أول نوفمبر وكان الرئيس قد دعا لمراجعة قانون الأسرة في شقه المتعلق بالطلاق كما وجه رسالة للإعلاميين بمناسبة اليوم الوطني للصحافة , في حين يرى متتبعون للشأن السياسي أن الرسالة الأخيرة التي بعثها بمناسبة عيد النصر كانت الأخطر من حيث أنها حملت تهديدا مباشرا للمعارضة التي قال أنها تعمل على انتهاج سياسة الأرض المحروقة.

 بالمقابل، كانت هذه الرسالة بمثابة الضربة الموجعة التي تلقتها المعارضة التي ردت بالثقيل واستغلت الفرصة لإعادة إحياء قضية خطابات الورق حيث انتقد رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري محتوى رسالة الرئيس التي وجه فيها أصابع الاتهام للمعارضة حيث قال أن المعارضة كانت تتمنى ألا يخاطب الرئيس الشعب بالأوراق في كل مناسبة بسبب مرضه مشيرا أن استمرار الأمر قد يتطلب من قيادات الحركة تشكيل لجنة تقنية لقراءة الأوراق. وهو الأمر الذي علق عليه الحضور بأن مقري يرغب في المواجهة بدل الرسائل المشفرة التي قال أنه يجهل ظروف كتابتها وطالب مقري بضرورة تحقيق الانتقال الديمقراطي عبر تنظيم انتخابات مسبقة، كما كانت حركة الاصلاح الوطني من جهتها قد شككت في محتوى الرسالة ومن كتبها بالمقابل قال رئيس حزب طلائع الحريات علي بن فليس، أن الفراغ الذي في السلطة اليوم أكبر من أن يتم تغطيته "فالبرلمان الجزائري معطل، والحكومة لا يمكنها تقديم مشاريع قوانين من دون انعقاد مجلس الوزراء، ومجلس الوزراء لا يمكن انعقاده بسبب مرض الرئيس".

منافسو بوتفليقة يواصلون نضالهم في تجمعات وخطابات معادة

بن فليس يؤسس حزبا.. حنون تتبنى قضية الغاز الصخري.. والبقية باقون !

لم يتغير حال منافسو الرئيس بوتفليقة الذين واصل أغلبهم مسيرتهم السياسة من خلال خطابات وقضايا تبنوها فيما تراجع نشاط البعض الاخر فيما ظهر بن فليس بوجه مغاير بعد أن جعلت منه نتيجة الرئاسيات رجلا مثابرا على مواصلة العمل السياسي من خلال تأسيس حزب "طلائع الحريات"، وتولي التنسيق على قطب القوى من أجل التغيير،كما أنه كان من أبرز الشخصيات التي حضرت ندوة الانتقال الديمقراطي شهر جوان التي عرفت مشاركة كل أطياف ألوان المعارضة من إسلاميين ولائكين، إضافة إلى أنه نشط عديد الندوات الصحفية التي انتقد فيها السلطة وقراراتها لا سيما تلك المتعلقة باستغلال الغاز الصخري. بالمقابل راحت حنون تواصل نضالها الحزبي عبر إطلاق النار على العديد من الوزراء والسياسيين ورجال الأعمال كما اتخذت مواقف أغضبت خلال الرأي العام عبر تبنيها قضية الغاز الصخري من خلال دفاعها واستماتتها امام الرافضين له بما فيهم مواطنو عين صالح بل ذهبت بعيدا في خطاب وجود ايادي اجنبية حركت الشارع في هذا الموضوع وكذا مطالبتها شقيق الرئيس بتحمل مسؤولياته التاريخية اتجاه ما يحدث من قضايا فساد. من جهته غاب المنافس "المفاجأة" ورئيس حزب المستقبل عبد الغزيز بلعيد عن الساحة وكان ظهوره مناسباتيا من خلال تنشيط ندوات اتخذ من خلالها نهج "الوسطية" في الحكم على القضايا التي شغلت الساحة السياسية , في حين واصل تواتي نضاله رغم خسارته لعدد معتبر من مناضليه عقب الهزيمة التي مني بها , بالمقابل ظهر رئيس عهد 54 بوجهه المعتاد باستثناء إطلاقه لمبادرة سياسية ب لمناقشة الأوضاع الراهنة للبلاد بإشراك الأحزاب السياسية. 

قالت إنه لا يقوى على مخاطبة الجزائريين وأن الجيش هو الضامن 

مرض الرئيس.. الورقة التي تستغلها المعارضة للضغط على السلطة 

أضحى مرض الرئيس بوتفليقة بعد تجديد العهدة، أكثر ورقة ترفعها المعارضة للمطالبة بمرحلة انتقالية على خلفية الفراغ الحاصل في أعلى هرم السلطة، بينما تصر أطراف الموالاة على اعتبار صحة الرئيس جيدة، وأنه يقوم بكامل مهامه الأساسية، وما على المعارضة إلا أن تنتظر انتخابات 2019 إن أرادت الوصول إلى السلطة.

تؤكد المعارضة المنضوية تحت لواء تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي منذ الإعلان عن فوز الرئيس بعهدة رابعة أن السلطة تعيش حالة فراغ، وأنها تمتلك الأدلة القاطعة على ذلك، مشيرة أن الفراغ الذي في السلطة اليوم أكبر من أن يتم تغطيته "فالبرلمان الجزائري معطل، والحكومة لا يمكنها تقديم مشاريع قوانين من دون انعقاد مجلس الوزراء، ومجلس الوزراء لا يمكن انعقاده بسبب مرض الرئيس".

بالمقابل, تلعب المعارضة على ورقة غياب الرئيس حيث قالت في العديد من المناسبات “إن الرئيس لا يخاطب الجزائريين أبدا، إنه لم يلق أي خطاب منذ ماي 2012″، كما لا تتوانى المعارضة في محاولة إقحام الجيش حيث قال رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس. أن الجيش "سيكون ضامنا لأي انتقال ديمقراطي بعد استعادة الدولة شرعيتها عبر حوار جاد بين السلطة والطبقة السياسية، يتم الاتفاق فيه على انتخابات على كل المستويات، وتشكيل حكومة وحدة وطنية وانتخاب رئيس جمهورية وبرلمان شرعيين، ووضع دستور جديد وميثاق وطني يتضمن الالتزام بمضمونه من طرف الجميع، وبعد كل هذا يكون دور الجيش ضامنا لما تم عمله".

وبعد سنة من انتخاب بوتفليقة رئيسا للبلاد لا تتوانى المعارضة في الطرح والضغط في العديد من المناسبات حيث كانت حاضرة بقوة ودعت إلى ضرورة فتح نقاش مجتمعي حول قضية الغاز الصخري التي تثير ضجة كبيرة، بحجة أن أغلبية الشعب يرفض استغلال الغاز الصخري لأخطاره على البيئة لكن الحكومة تصر على تعفين الوضع مما سيؤدي إلى أوضاع لا تحمد عقباها.

أمال. ط

من نفس القسم الوطن