دولي

مخيم اليرموك بعد فوات الأوان

القلم الفلسطيني:

 

توجه وفد من منظمة التحرير الفلسطينية إلى سوريا؛ سعيًا منها لإجلاء ما تبقى من أحياء، بعد ثلاث سنوات متواصلة من المأساة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين هناك، التي تشهد مجازر بشعة على أيدي جيش النظام وشبيحته، وعناصر مرتزقة دخلت إلى المخيم المحاصر؛ لتفتك بكل ما هو كائن حي فيه، وكان أبشعها مجزرة مخيم اليرموك أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في دمشق، إذ يعيش فيه نحو 180 ألف لاجئ فلسطيني من إجمالي عدد اللاجئين في سوريا، البالغ عددهم نحو 550 ألف لاجئ، ولم يتبق في المخيم بعد هذا القتل الجماعي والدماء الواسع والاعتقالات وموجات النزوح والهجرة إلى الخارج الآن سوى 18 ألف لاجئ، وكذلك هو حال باقي المخيمات الفلسطينية الأخرى كمخيم الحسينية ومخيم درعا ومخيم النيرب، وغيرها، من المخيمات الواقعة تحت نيران القتلة فبمجرد أن اندلعت الأحداث الدموية في سوريا عمد النظام إلى جر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين إلى دائرة الصراع السوري الداخلي، هذا الإجرام ليس جديدًا على النظام السوري الذي يستبيح الدم الفلسطيني منذ السبعينيات، حين تحالف مع المليشيات المارونية المسيحية إذ قامت بمجازر وحشية في المخيمات الفلسطينية بلبنان، وعلى رأسها مخيم تل الزعتر ومخيم "المية مية" ومخيم عين الحلوة، وفي مطلع الثمانينيات شارك مع الصهاينة في حصار المخيمات الفلسطينية، وأعطى الضوء الأخضر للمليشيات المسيحية اللبنانية، مستغلًا فراغ المخيمات الفلسطينية تمامًا من المسلحين الفلسطينيين وتوجههم إلى تونس؛ للقيام بمجازر وحشية ضد اللاجئين الفلسطينيين، خاصة في مخيمي صبرا وشاتيلا اللذين استشهد فيهما 3500 شهيد من الأطفال والنساء والشيوخ واليوم يكرر المشهد نفسه؛ اعتقادًا منه أنه نجح بزج الفلسطينيين في الصراع السوري الداخلي، وحوله من صراع سوري سوري إلى صراع فلسطيني فلسطيني؛ كي يعطي لنفسه مسوغًا إجراميًّا لاستباحة الدم الفلسطيني وخلط الأوراق؛ نتيجة فقدانه الشرعية وحالة الإفلاس والإرباك التي يعيشها، ويدل هذا على الحقد القديم لنظام الأسد على اللاجئين الفلسطينيين، مع أنهم لم يتسببوا بأي إساءة لسوريا وشعبها طوال وجودهم فيها، إذ يعدون أنفسهم ضيوفًا عليها، ويتمتعون بعلاقات جيدة مع شعبها؛ كونهم أصبحوا من النسيج الاجتماعي السوري، ولا يمكن فصل الوضع الاجتماعي والمعيشي الفلسطيني عن المواطنين السوريين، فلهم ما عليهم من الحقوق والواجبات، حتى إن المخيمات الفلسطينية تداخلت بصورة كبيرة مع الأحياء السورية، ما خلق وحدة في المزاج والسلوك والعادات والتقاليد وطريقة الكلام، فأغلبهم يتكلمون اللهجة السورية، ولا تكاد تميزهم من غيرهماللاجئون الفلسطينيون هم ضيوف في أوطان عربية مثل سوريا، وقد حافظوا على استقرار هذا البلد، ولم يعبثوا بمقدراته طول إقامتهم فيه، ولم يصدر عنهم أي عمل شائن أو مخل، بل كانوا يعدون أنفسهم من أصحاب هذا البلد لحبهم وإخلاصهم له ولشعبه السوري الشقيق، لذا كان عليهم تقديم العون وأعمال إنسانية استجابة للواجب الديني والأخلاقي والقومي، وحفاظًا على الجيرة، وردًّا للجميل، كإيواء العائلات السورية التي فرت إلى المخيمات الفلسطينية؛ للحفاظ على حياتها، وهربًا من الموت الذي يلاحقها في كل مكان، خاصة التي قصفت بيوتها ولا تجد مأوى؛ لشعورها أن المخيمات مناطق محايدة، أو قيامهم بإسعاف الجرحى وإنقاذ المصابين السوريين، وهذا لم يكن يعجب نظام الأسد الفاشي، فمنذ الأيام الأولى للثورة السورية قصفت قوات الأسد المجرمة المخيمات الفلسطينية، وحتى هذه اللحظة لم تتوقف الغارات الجوية ولم يقف نزف الدماء ولا أزيز الرصاص، ورائحة الموت في كل مكان، واليوم نتحدث عن كارثة إنسانية بكل معنى الكلمة إننا نشكر منظمة التحرير على أنها بعد ثلاث سنوات من قتل وتشريد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا بعد فوات الأوان تكلف نفسها بهذا العمل الوطني والأخلاقي، نشكرها على هذا الجهد العظيم الذي تبذله الآن، بعد أن أدركت أن اللاجئين الفلسطينيين اليوم يعيشون مأساة، وفناء، وتصفية جسدية واسعة النطاق أراحتها من مشكلة كبيرة مستعصية تقف في طريق المفاوضات، وهي "حق العودة" الذي لم يتبق منه إلا الاسم فقط؛ ليحلو لها أن تلغيه من قائمة القضايا الرئيسة العالقة، فلا لاجئين ولا عودة ولا تعويضات ولا وطن نحمل منظمة التحرير المسؤولية كاملة عن مصير اللاجئين في سوريا، ولم نستثن المجتمع الدولي _وعلى رأسه مجلس الأمن_ من هذه المسؤولية بتطبيق قراراته، لاسيما اتفاقية جينيف الرابعة الخاصة بحماية اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، ونحمل الجامعة العربية مسؤولية تطبيق (بروتوكول) الدار البيضاء (كازابلانكا) من عام 1965م، المتعهد بحماية اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية، ونطالبها بالضغط على النظام السوري؛ لعدم المساس بحياتهم وأرواحهم، وضمان سلامتهم، وتحييدهم عن الصراع السوري الداخلي. 


د. أيمن أبو ناهية

من نفس القسم دولي